أسئلة استجدت فى شرعية التفويض - أحمد عبدربه - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 5:53 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أسئلة استجدت فى شرعية التفويض

نشر فى : الأحد 15 فبراير 2015 - 11:55 ص | آخر تحديث : الأحد 15 فبراير 2015 - 11:55 ص

بعد مجزرة العريش الإرهابية بحق جنود الجيش المصرى الأبيّ، فُجعنا بحادثة جديدة تعرض فيها ٢٢ مشجعا للقتل قبل مشاهدة إحدى مباريات الدورى. وبين الحادثتين كان نفر من المهيجين يدعون الناس إلى ما أسموه "تجديد التفويض للرئيس السيسى" فجاءت الاستجابة مخيبة للآمال! هنا نستدعى أسئلة ثلاث، الأول يتعلق بأسباب هذه الاستجابة المحدودة، والثانى يتناول الحاجة إلى تجديد صلاحية التفويض، أما الأخير فيتناول مستقبل شرعية حكم النظام الحالى فى ظل الأوضاع المضطربة الحالية. وفى الملاحظات العشر التالية محاولة للإجابة:

أولا: شرعية التفويض هى الشرعية التى كان ولا يزال يحكم بها الرئيس الحالى البلاد منذ يوليو ٢٠١٣. نعم الرئيس الحالى حكم البلاد فعليا قبل ما يقرب من عام من توليه رسميا رئاسة البلاد، فالاستجابة الكبيرة لطلبه التفويض كانت له هو شخصيا وتعبيرا من غالبية الجماهير التى نزلت لتفويضه عن ثقتها فيه هو فقط دون غيره. فى هذه اللحظة لم يكن هناك أثر فعلى لا لرئيس الجمهورية المؤقت أو لنائبه أو لرئيس الوزراء أو للحكومة بأسرها. كانت لحظة تولى فيها السيسى الحكم وأصبح التأييد له هو والخصومة كذلك، ولم تكن لحظة فض الاعتصامات برابعة والنهضة وما تلاها من انتهاكات سوى تأكيد لهذه الشرعية الجديدة. وكل ما حدث منذ أغسطس ٢٠١٣ وحتى إعلان السيسى ترشحه للانتخابات لم يكن أكثر من ترتيبات للمسرح السياسى الذى تم تأليفه وإخراجه مسبقا.

ثانيا: كانت شرعية التفويض بمثابة لعب بالنار وتلاعب بمستقبل وطن لا يحتمل المقامرات. فهى من ناحية أحرقت المؤسسات وجعلتها مجرد ديكور لزوم "الشوو" السياسى. ومن ناحية أخرى فقد أحرقت باقى ترتيبات ما عرف بخارطة الطريق والتى تحولت إلى مجرد شكليات لاستكمال الديكور الديموقراطى. لم يعد من الممكن، بعد التفويض، تخيل أن يقال للدستور "لا" تحت أى ظرف. لم يعد من الممكن، تحت شرعية التفويض، أن نشهد انتخابات رئاسية تعددية حقيقية ولنا فى النتيجة ألف عبرة. تحت شرعية التفويض أيضا لم يعد للانتخابات البرلمانية أثر كبير على المسار السياسى الذى وقع مبكرا تحت الهيمنة الأمنية، ومن هنا تم إعداد قوانين مثيرة للجدل ضربت المنافسة الانتخابية والحزبية فى مقتل.

● ● ●

ثالثا: ارتباطا بالنقطة السابقة فإن النتيجة المباشرة للتفويض لم تتجسد فقط فى حرق المؤسسات وخارطة الطريق، ولكنها امتدت أيضا لتحرق كل الشخصيات التى يمكن أن تكون منافسة للرئيس من قريب أو بعيد. تحركت فورا آلات الاغتيال الإعلامى التى تدعى الحرفية زورا لتدهس أى شخصية بدت وأنها قد تشكل أى تحدٍ محتمل لشعبية الزعيم. وكان من نتيجة ذلك أيضا أنه وللهيستريا الشعبية المدفوعة بمكانة الإعلام والتحريض والفاشية أن تجمد الحراك، أى حراك شعبى، سواء فى أوساط العمال أو الطلاب والشباب وغيرهم من الفئات المجتمعية. وتم اعتبار هذا الحراك من الأعمال التى تهدد سيادة ووحدة البلاد. ومن هنا زُج بالآلاف فى السجون بتهم متنوعة أقلها شأنا يقود صاحبة إلى "تأبيدة"، إن لم يكلفه رقبته.

رابعا: امتدت ورقة التفويض الحارقة لتطال عددا معتبرا من المفكرين والكتاب والمثقفين والفنانين وغيرهم من الشخصيات العامة. فهؤلاء جميعا متأثرون باللحظة الهادرة قرروا، إلا من رحم ربى، استخدام خلطة من كهنوتهم التنويرى المدنى العلمانى الحداثى فى تبرير كل خروقات القانون والدستور، ثم اسمعونا صمتا رهيبا وهم يرون عناصر من النظام تتورط علنا فى الدجل العلمى والمعرفى بل وفى الشعوذة. حاول بعضهم حفظا لماء الوجه الهمس عتبا وأملا فى تصحيح هذا الدجل لكن قطعا بعد فوات الأوان.

خامسا: قتلت ورقة التفويض كل معانى وقيم الشفافية والمحاسبة والمسئولية وسيادة القانون ومن قبله الدستور. أصبح الجميع يعلم أن هناك شخصيات محمية من أى وسائل محاسبة ومساءلة أمام الرأى العام. أصبح الجميع يعلم أننا سنضحى بالبشر من أجل الحجر، وأن ما يقال عن هيبة الدولة هو فى الواقع هيبة النظام وشبكاته وعلاقاته. لكن كيف الجرأة على الكلام واتهامات العمالة والخيانة تلاحقه. هنا تم إسكات الجميع، فإن كنت من المتورطين فى دعم ورقة التفويض فعليك أن تتظاهر بتصديق القصة حتى النهاية وربما تلعب دورا فاعلا فى نشرها وترويجها أو أن تسكت وتنسحب. أما إن قررت الكلام، وقليل من الناس امتلك الشجاعة وفعل، فمصيرك التشويه لا محالة.

سادسا: تحولت ورقة التفويض بمرور الوقت إلى ما يشبه عملية القصف بالنيران الصديقة، فالتفويض بالمعنى السياسى يعنى إخلاء طرف المفوِض من التبعيات والمسئوليات، ويعنى أنه ترك المسألة مفتوحة لحامل التفويض ليفعل ما بدا له. ومن هنا فإنه حين يقول المفوَض لمن فوضه لن أفعل ذلك وحدى فقوله غير مقبول بالطبع.

● ● ●

سابعا: فى تقديرى، ظلت شرعية التفويض حاضرة لمدة استمرت لما يقرب من العام ونصف العام لأسباب ثلاثة: أولها استمرار الأعمال الإرهابية التى دعمت من شرعية التفويض ووفرت له مبررا للاستمرار، ثانيا ما وفرته الآلة الإعلامية الجبارة من غطاء قوى لأى عمل مهما كان باسم هذا التفويض، بالإضافة إلى خليط من الأمل والرجاء والخوف الذى دفع الناس للانتظار والصبر لعل فارس أحلامها البطل القومى يمتطى جواده ليختطفها من براثن المجهول. لكن ماذا حدث؟

● ● ●

هنا تأتى الملاحظة الثامنة، عام ونصف العام كان مدة كافية لتبدأ تناقضات التفويض الداخلية تظهر على السطح. كانت أيضا كافية لإثبات أن التفويض كان مجرد خدعة كبرى. قتل السياسة وأمم الحراك وأضعف المعارضة وفشل فى تحقيق أهم أهدافه ألا وهى جلب الاستقرار بمعناه الأمنى والاقتصادى. إن استمرار التهديدات الأمنية المصحوبة بالصعوبات المعيشية، والمحاطة بالمظلوميات المحفورة فى الذاكرة الوطنية، بالإضافة إلى اهتزاز البطل وعدم قدرته على تحقيق، كشفتا أسطورة وكهنوت التفويض. عندها ظهر تململ بين مناصريه بدأ فى شكل لوم وعتاب ثم تحول للتلميح والتصريح ثم الهجوم على النحو الذى نراه الآن.

تاسعا: هل الحل إذا فى تفويض جديد؟ الحقيقة هذا هو بالفعل ما تفتق عنه ذهن عباقرة الوطن من المحللين الاستراتيجيين "إياهم" فى محاولتهم دفع الناس إليه فلاقوا فشلا ذريعا. قد يقول قائل ربما كان السبب أن الدعوة هذه المرة لم تأت من الرئيس ولو كان فعلها ثانية لاستجاب له الناس. ربما كان هذا الافتراض صحيحا نسبيا فدعوة الرئيس لتفويض جديد ربما جاءت بعدد أكبر من المفوضين عن هذا العدد الضئيل الذى رأيناه. ولكنى مازلت أعتقد إنه لن يكون فى نفس عدد المرة الأولى، فضلا عن أنه سيكون بمثابة إعلان فشل ذريع للرجل إذ إن التفويض الأول لم تكن له صلاحية انتهاء ولا سقفا زمنيا وهذه هى المعضلة. هو يعرف ذلك والمفوضون يعلمونه أيضا فما المخرج من هذه المعضلة؟

عاشرا: جرت العادة على أن صاحب المشكلة هو المنوط به حلها، ومن صنع شرعية التفويض عليه الآن البحث عن وسائل لإطفاء نارها قبل أن تطاله. ورغم ذلك ولأن الوطن هو وطننا جميعا فنقدم النصيحة لأجهزة الحكم إن أرادت أن تسمع.. إن كنتم جادين فى الإصلاح فعليكم أولا الإعلان رسميا عن انتهاء صلاحية التفويض، عليكم بدء عملية ديمقراطية إصلاحية إدماجية شاملة تزيح وتحاسب من تورط فى الدم مهما بلغ اسمه أو على منصبه، وتعيد رسم خارطة طريق جديدة تبنى على العدل والقانون وهيبة البشر لا الحجر. الآن الكرة فى ملعبكم وإن لم تحسنوا التصرف بها فستذهب إلى غيركم يوما ما، قرب أو بعد، ووقتها لن ينفع الندم كما لم ينفع غيركم.

أحمد عبدربه أستاذ مشارك العلاقات الدولية، والمدير المشارك لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة دنفر