هناك من الباحثين من يهتم بالبحث العلمي فقط سواء من أجل إثراء الحياة العلمية وتعميق معرفتنا بالعالم من حولنا أو حتى من أجل الترقية أو "المنظرة". هناك من يهتم بالخطوات التي تأتي بعد البحث العلمي وهي استخدام هذا البحث العلمي لابتكار منتج معين يتم تسويقه وبيعه للناس عن طريقة شركة موجودة بالفعل أو إنشاء شركة حول هذا المنتَج. هناك من نجح في ذلك وهناك الكثيرون الذين فشلوا في ذلك. هذا الفشل قد يكون نتيجة عدم ملائمة شخصية الباحث ليكون رجل أعمال ومن أشهر الأمثلة على ذلك هو عالم الفيزياء الأمريكي ويليام شوكلي. شوكلي على جائزة نوبل في الفيزياء (مشاركة مع جون باردين ووالتر براتان) سنة 1956 عن اكتشاف الترانسيستور. عندما أراد أن ينشئ شركة لتصنيعه وكانت من أوائل الشركات في منطقة وادي السيليكون الشهيرة في كاليفورنيا. فشلت هذه الشركة فشلاً زريعاً لأن ويليام شوكلي كان من أسوأ مديري الشركات مما أدي إلى استقالة أفضل ثمانية مهندسين عنده في يوم واحد!
هناك أسباب أخرى قد تؤدي إلى فشل الشركة القائمة على اختراع أو اكتشاف علمي. هذه الأسباب لا علاقة لها بالباحث لكن بالفكرة نفسها أو بالمنتج.
السبب الأول هو عدم القدرة على التصنيع بسعر مناسب. عندما تحول الفكرة إلى منتج فأول خطوة هي عمل تصميم مبدئي (prototype) لهذا المنتج. هذا التصميم قد يكون يعمل بكفاءة لكنك استخدمت في تصنيع هذا التصميم مواد أو قطع غالية الثمن تجعل المنتج النهائي يباع بثمن باهظ إذا تم تصنيعه. إذا فمكونات المنتج لا يجب أن تكون غالية الثمن.
السبب الثاني هو عدم القدرة على التوسع الكبير عند الحاجة. تخيل مثلاً أنك صممت موقعاً على الإنترنت يستخدمه الناس لحل مشكلة ما وجربت هذا الموقع مع عدة أشخاص وكانت النتيجة ممتازة. هل ستكون النتيجة بنفس الكفاءة لو استخدم الموقع عدة ملايين من الناس؟ أثناء وجود الجميع في منازلهم بسبب جائحة الكورونا اضطر الناس إلى العمل من المنزل وحضور اجتماعات بتقنية الفيديو. من أشهر برامج الفيديو كونفيرنس برنامج مثل زووم. ارتفع عدد مستخدمي هذا الموقع أثناء الجائحة إلى أكثر من مئة ضعف. شركة زووم كانت ستفشل إذا لم يكن هذا البرنامج مصمماً كي يتوسع ويخدم عدداً كبيراً من المستخدمين.
السبب الثالث هو عدم عمل اختبارات دقيقة على التصميم المبدئي. عندما تصمم شيئاً من أجل البحث العلمي فقط أو من أجل مشروع تخرج مثلاً فإنك تكتفي باختباره للتأكد بأنه يقوم بمهمته الأساسية فقط. لكن عندما تصمم منتجاً ليصل إلى الملايين فإنه يحتاج إلى اختبارات أكثر صرامة ودقة لأن كل شخص قد يستخدم المنتج بطريقة مختلفة ولمدد طويلة. إذا وضع المنتج بين أيدي الناس دون اختبارات دقيقة وفشل المنتج عند البعض منهم فسيؤثر ذلك على مصداقيتك أو مصداقية شركتك وسمعتها وبالتالي ستفشل.
السبب الرابع هو عدم اختيار الوقت المناسب. قد يكون عندك تصميم لمنتج ممتاز لكن وقته لم يحن بعد. مثلاً عندما صنعة شركة جوجل النظارات التي تحتوي على كاميرا ومتصلة بالإنترنت فشل المنتج لأن الناس ليست مستعدة بعد لهذا الاختراع. قد يرفض الشخص التحدث معك إذا كنت ترتدي تلك النظارة لأنه سيظن أنك قد تسجل المحادثة. إذا يجب دراسة الجماهير ومعرفة كيف سيتقبلون المنتج الجديد.
السبب الخامس هو عدم القدرة على التطور. سيمل الناس من منتجك بعد حين يطلبون مميزات أخرى تضاف إليه، هذه هي طبيعة النفس البشرية. إذا لم يكن منتجك أو لم تكن أنت قادراً على تطوير المنتج أو كان هذا التطوير باهظ التكاليف سيتجه الناس إلى المنافسين وستفشل شركتك.
السبب السادس لفشل تحويل الفكرة أو البحث العلمي إلى منتج هو عدم وجود تعليمات دقيقة للتصنيع. البحث العلمي نفسه لا يكفي لتصنيع منتج ما بل يجب وجود معلومات عن كل قطعة في المنتج ودورها وسعرها والمادة المكونة لها وكيفية تركيب القطع مع بعضها لصنع المنتج. عدو وجود تلك التعليم الدقيقة قد تجعل تصنيع المنتج شبه مستحيل.
وجود أفكار بحثية كثيرة منشورة هو شيء ضروري ومهم لتقدم العلم، لكن مرور تلك الفكرة إلى التصنيع على نطاق واسع يجب أن يخضع لاعتبارات كثيرة حتى نضمن نجاح المنتج.