أغلب الجمهور لا يعرف الجانب الآخر من حياة الممثل، ونحن النقاد أيضا نعانى من هذه الظاهرة لذا فمن الأفضل أن نتعرف على الشخصية التى نراها على الشاشة دون أن نغوص فى الجانب الحقيقى من شخصية الممثل. بسبب ترددى المتكرر على مكتب يوسف شاهين للإنتاج كنت أشاهد موظفا بسيطا يجلس على أحد المكاتب، كل ما يفعله أن يبتسم إلى المتواجدين فى المكتب، إلى أن بدأت أشاهد شخصا شبيها به فى بعض الأفلام فى شخصيات متنوعة، لقد دبت فيه الحياة، يبتسم أحيانا، أو يتكلم بصوت عصبى، هو بالغ الحدة فى فيلم «برتيتا» إخراج شريف مندور. الحقيقة أننى احترت فى أمرى وظللت مترددا فى إثبات درجة التماثل بين موظف مكتب يوسف شاهين وتلك الشخصيات الأبهة التى يمثلها تميم عبده، ماذا يحدث، بدأت أفهم الحقيقة فتميم عبده رجل يحب السينما خاصة التمثيل. جاء من تونس إلى مصر ليعمل ممثلا فى السينما المصرية ويحقق حلمه، والحقيقة أنه كان موهوبا، وهو واحد من الندرة التى لمعت فى أدوار الرجل الناضج بعد أن وصل إلى هذا العمر، وقد سمعت فيما بعد سنوات أنه اختفى عن الساحة ولعل اختفاءه ساعد فى صعود بعض الأسماء إلى أدوار البطولة مثل بيومى فؤاد.
الحكاية ناقصة وتحتاج إلى المزيد من المعلومات فكم منحت السينما لأمثال هؤلاء فرصا للحياة بشكل أفضل وكم ضاعت فرص كثيرة على مئات الآخرين فلو لم يأت هذا الرجل من تونس وعمل فى مكتب يوسف شاهين ما عرفناه، وفى هذا الأسبوع عدت لمشاهدة «برتيتا» مرة أخرى لعدة أسباب أبرزها أننى أحب المخرج شريف مندور وأفلامه ودافعت عنه منذ فيلمه الأول، كما تعجبنى كثيرا اللمسات الإنسانية التى يضفيها على أبطاله وعلى أجواء الغموض التى يحب أن يكسو بها الأحداث كما أنه من أشد المتحمسين لأبناء هذا الجيل من الممثلين مثل كندة علوش وعمرو يوسف ودينا فؤاد وأحمد السعدنى، الذى كان كل منهم على قدر المسئولية فى حكاية تدور حول أشخاص يسعون إلى النيل من وريثة رجل غنى اتسم بالقسوة على ابنته ووقف ضد زواجها من رجل تحبه وسعى إلى طلاقها منه، وأغلب قصص الحب فى الفيلم تدور بشكل مصطنع فالرجال جميعهم تم توظيفهم من أجل الحصول على الزوجة بممتلكاتها، إنها لعنة المال التى تطارد الفتاة، أحدهم خدعها ثم اختفى، ومفتاح كل هذا اثنان من أقاربها يحركون الأحداث على طريقة الزمبلك، لكن البنت لا ينكسر لها خاطر فتذهب للبحث عن حبيبها الذى هجرها بعد أن مثل عليها مسرحية كاذبة وتقتله بدم بارد كى تستأنف الحياة بعد أن تخلصت من كل خصومها الذين دبروا لها المؤامرات، هى الآن لا تريد من أفراد هذه البرتيتا أى مكاسب بعد أن حصلت على حريتها بانتقام دام، من الصعب اكتشاف كيف حدث.
لا يوجد فرق كبير بين موضوع هذا الفيلم وبين قصص غالبية الأفلام أو السهرات التليفزيونية العربية والعالمية، إنتاج بسيط بدون مشاركة نجوم كبار يدفع لهم مبالغ كبيرة، وهكذا كان شريف مندور ينتج أفلامه ويقدمها فى دور العرض، وللأسباب التى ذكرناها كان الإقبال على هذه الأفلام محدودا بشكل ملحوظ ويبقى للمنتج الحرية أن يكون هو المخرج وأن يستعد لعمله التالى.