أنقذوا ما تبقى - نادر بكار - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 5:45 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أنقذوا ما تبقى

نشر فى : الجمعة 16 أغسطس 2013 - 10:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 16 أغسطس 2013 - 10:00 ص

لولا عظيم الرجاء فى الله سبحانه القائل فى الحديث القدسى: «أنا عندَ ظَنِّ عَبدى بى، إنْ ظَنَّ خيرًا فَلهُ، وإنْ ظَنَّ شَرًّا فَلهُ»؛ ولولا بقية من أمل تصارع اليأس فى أعماقى وتحتاج إلى مؤازرة لتنتصر؛ ولولا خوفى من شهادة بالحق سيُكتب على أنى كتمتها؛ ولولا تشبثى بالنصح حتى النهاية لقوله تعالى: «وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ»..... لولا ذلك كله لما أمسكت قلما ولا دونت كلمة بعدما رأيته الأربعاء الماضى وما يرتجف قلبى من مجرد تخيل حدوثه اليوم الجمعة.

ما الذى يُمكن للمرء أن يقوله والموت يتخطف إخوانه من حوله؛ وأحلام جيل كامل تمنى أن يرى وطنه فى أعلى عليين تتبخر فى لحظات أمام عينيه؛ وسُعار ٌمجنون يجتاح مشاعر الغالبية العظمى فيدفعهم على اختلاف مشاربهم إلى الانتشاء لرؤية الدماء والتهليل طلبا للمزيد... وفوق ذلك كله يضيع صوت العقل وسط هدير آلة الموت؛ وتنهار دعوات الحكمة والنظر إلى عواقب الأمور أمام نشوة التنكيل والبطش؛ وتفقد المواقف نبلها ولو مؤقتا أمام دعوات تخوين وتكفير لا تنقطع لن يرضى أصحابها عليك إلا فقط لو حذوت حذوهم فصرت وقودا لنار الفتنة مثلهم.

أصاب السُعار الكثيرين فأعملوا القتل والذبح فى إخوانهم وأعينهم ثابتة لا يهتز لها جفن واسترخصوا الدماء واستهتروا بجريانها أنهارا؛وبإزائهم كثيرون أيضا طاش صوابهم وغُرر بهم ولم يكتمل لهم علم شرعى يقيهم الفتن فاندفعوا فى تكفير من بغى عليهم واستحلوا دماءهم ولم ينظروا إلى عظم المفسدة التى ولجوا فى خضمها.

لزوال الكعبة نفسها التى لا يقدس المسلمون على الأرض بقعة أكثر منها أهون عند الله سبحانه من زوال نفس عبده المؤمن؛ ولا يزال المؤمن فى فُسحة من دينه ما لم يُصب دما حراما ؛ والدماء هى أول ما يقضى الله بشأنه يوم القيامة... ومسلما كان أم غير ذلك فإن «مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا».

كنت ممن حذر طويلا من اللجوء إلى العنف لفض الاعتصامات وقلت إن خيار التفاوض وإن بدا للبعض بطىء التأثير لكنه أفضل بكثير من شلالات دماء محرمة سيحل علينا شؤمها ولا يعلم إلا الله متى يتوقف جريانها ولا ما الذى ستخلفه فى النفوس على امتداد أجيال قادمة.

صورة بالغة القتامة ترتسم لهذا الوطن ودوامات من العنف وحلقات مفرغة من سعى محموم لتحصيل الثأر والانتقام ستغرق فيها بلادنا حتى آذانها إن أصر أبناؤها ــكل أبنائها ــ على الاستمرار بغير عقل أو تروٍّ فى اتباع هوى النفس دون نظر إلى عواقب الأمور.

ليس مطلوبا من السياسى أو المسئول التنفيذى أن يقدم ما يطلبه المستمعون؛ بل أن يتحرك وفق ما يمليه عليه ضميره غير عابئ بصيحات الاستهجان إن وجدت أو شهقات الإعجاب... لذا أقول إنه رغم دعوات اليأس ومحاولات جرنا إلى الفوضى الشاملة؛ لايزال أمام هذا الوطن فرصة أن يتجنب ويلات أكثر مما مضى ويقلل من حجم وتأثير المفاسد التى وقعت بالفعل... فلنسع لحقن الدماء وإيقاف عجلة الخراب وحسابنا بعد ذلك على ربنا».

قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ».