هل يمكن أن نلوم أى رئيس دولة فى العالم الثالث خصوصا القارة الإفريقية ودول العالم الثالث وغالبية الدول العربية إذا تعرضوا للتنمر والسخرية والحصار الدبلوماسى من الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى حالة الاجتماعات الثنائية؟!
الإجابة عن هذا السؤال هى: لا يمكن ولا يجوز. وقد يسأل البعض: ولماذا ذلك؟
السبب ببساطة أن ترامب صار متخصصا ــ ومتعمدا ــ فى التعامل بخشونة وفظاظة حتى مع رؤساء وقادة الدول الأوروبية الكبرى.
فإذا كان ترامب قد تعمد التعامل مع قادة بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وفنلندا وأمين عام حلف الناتو يوم الإثنين قبل الماضى كما لو كانوا أطفالا فى حضانة، فهل نستكثر أن يفعل ذلك مع بعض رؤساء الدول الإفريقية الصغيرة والفقيرة والمتوسطة؟!
نتذكر أن ترامب تعمد إذلال وإهانة الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينيسكى خلال اللقاء الشهير فى البيت الأبيض بحضور نائبه جى دى فانس فى ٢٨ فبراير الماضى.
وعلى حد قول الخبير السياسى الألمانى توماس بيجر فإن هذا الإذلال كان متعمدا ومخططا ولم يكن مجرد مصادفة أو رغبة فى الاستفزاز. لأن ترامب نجم تليفزيون الواقع السابق فعل بالضبط ما يمكنه فعله، أى الإجهاز على شخص ما أمام الكاميرا، وهذه إحدى سمات شخصيته الأساسية لفترة طويلة.
كان البعض يعتقد أن هذا المنهج فى الإذلال وتعمد الإهانة مجرد مصادفة أو حتى مخطط له لأن ترامب لا يحب كثيرا زيلينيسكى، ويميل بصفة عامة إلى تبنى الموقف الروسى فى الصراع مع أوكرانيا.
لكن ما حدث لاحقا مع بعض الرؤساء الأفارقة كان كاشفا إلى حد كبير.
وحسب مراقبين فقد تحولت قمة مصغرة فى ٩ يوليو الماضى فى البيت الأبيض جمعت ترامب مع قادة الجابون وغينا بيساو وليبيريا وموريتانيا والسنغال، إلى مسرحية استعراضية للإذلال والسيطرة وليس حوارا دبلوماسيا منصفا كما يفترض.
هو حتى لم يمكن بعض الرؤساء من إكمال جملة واحدة خلال اللقاء، وسألهم عن أسمائهم بطريقة مهينة، وهو أمر كان يفترض أن يفعله مسبقا. وبدلا من مناقشة العلاقات الثنائية تحول اللقاء إلى عرض علنى للقوة الأمريكية المفرطة أكثر مما كان وسيلة لتعزيز الشراكة أو المصالح المشتركة.
كل ما كان يشغل ترامب هو الحصول على المعادن النادرة فى هذه البلدان وليس حتى معرفة أسماء من يجلس معهم رغم أنه حاول منافقتهم لاحقا بالقول إنهم يمثلون إفريقيا بأكملها، وهو أمر غير صحيح بالمرة!!.
وفى تقدير خبراء البروتوكول فإن مديح ترامب للغة الإنجليزية الجيدة للرئيس الليبيرى إما تعكس استهزاء وإما جهلا بأن هذه هى اللغة الرسمية فى ليبيريا منذ عام ١٨٢٢.
فى هذا اللقاء بدا ترامب وكأنه يريد إظهار تحكمه فى هؤلاء القادة، الذين بدورهم أظهروا ضعفا وخضوعا واستضعافا أمامه، وتحول الاجتماع بأكمله حسب وصف أحد الإعلاميين إلى «مسرح استعمارى حديث».
بعد عرض هذه النماذج التى اكتملت بالصورة شديدة الدلالة مع القادة الأوروبيين يوم الإثنين الماضى، فإن من الأفضل لأى رئيس دولة ألا يحتك بالرئيس الأمريكى قدر الإمكان، وإذا أجبرته الظروف على ذلك، فعليه التدرب والتسلح بكل ما يلزم من أسلحة وأساليب حتى لا يقع فى الفخ المنصوب للجميع، لأنه حينما يفعل ترامب ذلك مع قادة أوروبا وحلفائه فى الناتو، فهل نستكثر عليه أن يفعله مع رئيس أى دولة إفريقية أو آسيوية أو لاتينية صغيرة أو فقيرة؟!
الاستثناء الوحيد للذين أفلتوا من هذا المصير كان قادة الصين وروسيا وإسرائيل وبعض قادة دول الخليج. وهو ما يعنى أنك إذا كنت قويا أو غنيا فإن ترامب لا ينصب لك الفخ!