مدخل الديموقراطية لبناء الحداثة الذاتية - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 4:36 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مدخل الديموقراطية لبناء الحداثة الذاتية

نشر فى : الأربعاء 16 أكتوبر 2024 - 9:00 م | آخر تحديث : الأربعاء 16 أكتوبر 2024 - 9:00 م

أشغلتنا أحداث الوطن العربى المأساوية طيلة الأسبوعين الماضيين عن إتمام مناقشة الباقى من المداخل الضرورية لبناء الحداثة العربية الذاتية. وكنا قد ذكرنا بأن المدخل الأول الضرورى هو انتقاء المكونات القيمية والأخلاقية الإنسانية والدينية المستنيرة المبثوثة فى التراث العربى الإسلامى، وأبرزنا بعضا من أهمها.

 

اليوم سنناقش مدخلا ثانيا بالغ الأهمية، كمنهج قانونى وتنظيمى ميسر لبناء مكونات تلك الحداثة النهضوية العربية التى ننشدها، ألا هو توافر أسس ونظم وممارسات الديموقراطية فى تنظيم المجتمع العربى وقيام دولته. ونقترح أن يكون العرض ضمن المعطيات التالية:

أولا: حسم موضوع الخلاف العبثى بشأن وجود تعارض بين نظام الشورى الإسلامى والنظام الديموقراطى الحديث. فمنذ القرن التاسع عشر أكّد مفكّرو النهضة والإصلاح، أمثال رفاعة الطهطاوى وخير الدين التونسى والكواكبى وجمال الدين الأفغانى ومحمد عبده ورشيد رضا وغيرهم كثيرون، مقاربة الديموقراطية من مبادئ الشورى ومقاربة الشورى من ضوابط منهجية وممارسة الديموقراطية المعاصرة. ولعل الشيخ الأزهرى الشهير محمد الغزالى أفضل من لخّص عبثية النقاش بقوله «إن الشورى لا علاقة لها بالعقائد والعبادات والحلال والحرام ... ومع أن ذلك معلوم لدارسى أصول الفقه، فإن من هواة الكلام فى الإسلام جماعة رفضت أن تكون الأمة مصدر السلطات؛ لماذا؟ لأن الحاكمية لله لا للشعب. وظاهر أن ذلك لعب بالألفاظ، أو جهل بالتشريع، أو خدمة للاستبداد السياسى».
ويؤكد الكثيرون من جيل المفكرين الإسلاميين الجدد أن نظام الحكم فى الإسلام ليس نظاما ثابتا فصّلته النصوص... لكن القرآن والسنة المؤكدة يؤكدان مبادئ الشورى فى تقرير أمور المجتمع، ومبدأ مسئولية الحكام عن أعمالهم، ومبدأ سيادة التشريع على كل سلطة وجماعة ومبدأ احترام حقوق الأفراد وحرياتهم، وجميع ذلك فى صلب الديموقراطية الحديثة وذلك قبل أن تحدث التراجعات الكثيرة فى مسيرتها فى السنين الأخيرة والتى تجعلنا نتكلم عن أهمية تواجد ديموقراطية مختلفة عما هى عليه فى الحضارة الغربية الحالية.
ولعلّ من أهم نتائج تلك المناقشات التأكيد على أن الشورى ملزمة وليست اختيارية، وهو تأكيد تام على خضوع أية سلطة للمساءلة والمحاسبة من الجهات التى يقرّرها الدستور الشرعى المتسامى فى مبادئه الحقوقية نحو الأفضل عبر السنيين.
ويجمع الكثيرون على أن أفضل محاولة لممارسة وتطوير الشورى جرت فى عهد الخلفاء الراشدين الأربعة الأوائل، وأنها كانت ستتطور نحو نظام حكم ديموقراطى تشاركى لو لم يوقفها قيام الملك العضوض الأموى بكل مغالطاته التى أدخلها فى نظام الحكم.
لقد دخلنا فى كل هذه التفاصيل لأهمية حسم هذا الموضوع فى ذهن شابات وشباب الأمة وإنهاء دقّ الأسفين المفتعل فيما بين الشورى والديموقراطية وعلى الأخص إقحام البعض موضوع العلمانية الإلحادية فى ساحة النضال من أجل الانتقال إلى الديموقراطية.
ثانيا: حسم موضوع مسيرة الديموقراطية. من الضرورى أن يعرف الشباب أن للديموقراطية أرضية متواضعة تبدأ منها، ولكن ليس لها سقف على الإطلاق. فهى عملية تطوير دائم لها لتصل إلى هدفها المثالى المتمثل فى «حكم الشعب بالشعب لصالح الشعب»، وهو قول يفرض مبادئ ومنهجيات كثيرة لا يمكن المساس بأى منها دون أن يشوّه ذلك المساس النظام الديموقراطى برمّته، كما سنبين لاحقا. وحتى الوصول إلى ذلك الوضع المثالى يمكن القبول بالتعريف القائل بأن الديموقراطية هى نظام حكم الأكثرية، ولكن بشرط عدم المساس بحقوق الأقلية المشروعة بأية صورة كانت، وبشرط توافر الخاصيتين التاليتين: الأولى تتمثل فى شمول حق المواطنة، بحقوقها ومسئولياتها، جميع الجماعات والأفراد المكونين للمجتمع، والثانية تتمثل أن يكون حق المواطنة ذاك حق وقدرة المواطن فى مساءلة كل مسئول فى الدولة وتنحيته من منصبه إن لزم الأمر بالطرق التشريعية القانونية الدستورية العادلة.
ومن المهم أيضا هو اعتبار الديموقراطية على أنها منهج ووسيلة وتنظيم فى تغير دائم، وليس عقيدة جامدة لا تتبدّل ولا تمس. ولأنها كذلك فإنها تقبل وتستوعب التكيّف مع عقائد المجتمعات وظروفها الخاصة، ولكن بعيدا عن تلاعبات العصمة أو الوصاية أو الأبوة الراعية أو غيرها من المفردات التى تكرّس الحكم المطلق لهذا الفرد أو لتلك الجماعة، تحت أى مسمّى كان.
تلك أسس كان لا بدّ من الدخول فى تفاصيلها قبل أن ندخل فى متطلبات ومكونات ومنهجيات الديموقراطية التى تنسجم مع مكونات النهضة والحداثة الذاتية العربية.

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات