دشنت ثورة 25 يناير فلسفة الاعتصام فى المكان سواء فى الميادين أو غيرها.. للفت نظر الآخرين من حكومة أو مسئولين أو إعلام أو الشعب لقضايا هؤلاء المعتصمين.
ولكن الذى تعيش فيه مصر منذ فترة هو الاعتصام فى الزمان.. وهو أسوأ أنواع الاعتصام.. ويعنى رغبة البعض فى إيقاف عجلة الزمان عند اللحظة التى يحبها أو يريدها أو يرغبها.. أو يعنى العيش فى الكهف العقلى بأن يغلق الإنسان عقله على زمن غير زمانه أو فكر لا يصلح لمجتمعه أو طريقة لا تناسب ولا تصلح للوطن الذى يعيش فيه.
لقد انتخبت د.مرسى فى الجولة الثانية فى الانتخابات الرئاسية.. ولكننى فى قمة الذهول الآن من إصراره على أنه الرئيس الشرعى بعد أن سجن عدة أشهر.. وبعد أن قدم لمحاكمة أنا ضدها فى الأصل.. وبعد أن أصبح نزيلا لأسوأ سجون مصر قاطبة.
لقد تفكرت فى السر فى هذا الأمر حتى أخبرنى صديقى د.حسين حمودة إلى أن هذا نوع من الاعتصام فى الزمان.. فأعجبنى هذا التحليل.
لقد توقف الزمان بالنسبة للدكتور مرسى عند يوم 2/7 حينما كان رئيسا للجمهورية.. إنه يعتبر أن الزمان لم يتحرك من يومها.. ولم يتصور أنه جرت فى النهر مياه كثيرة وغزيرة.. وأن كل شىء تغير فى مصر تقريبا.. وإنه تحول سواء بالحق أو الباطل من رئيس إلى سجين.. وأنه عزل من منصبه وعن العالم كله ونزعت كل سلطاته.
هذه هى الحقيقة التى يدركها كل المصريين وسواء تم ذلك بثورة أو انقلاب فإن المحصلة واحدة وهى إنه ليس الرئيس الذى يحكم ويمضى الأمور ويعطى ويمنح ويعين ويعزل.
لقد أعطى الرجل ظهره للزمن كله بعد يوم 2/7 لأنه يحب ما قبله ويكره ما بعده.. لأن ما قبله جميل وما بعده مؤلم.. ولأن ما قبله يعنى العز والسؤدد وما بعده يعنى الإقصاء والسجن.
إن ظاهرة الاعتصام فى الزمان تستحق الدراسة فى العقل العربى عامة والمصرى خاصة.. والتكفيريون يعتبرون نموذجا حيا له.. فبعضهم فى السبعينيات كان يريد الهجرة من مصر لليمن أو غيرها ثم يعود إلى مصر فاتحا لها كما فتح رسول الله (ص) مكة.. رغم أن كل شىء قد اختلف عن هذا الزمان.. وبعضهم اليوم كان يريد إقامة إمارة إسلامية فى سيناء حتى فى عهد د.مرسى.. ليعودوا إلى مصر فاتحين لها ويحطموا أصنام الديمقراطية وأوثان الحزبية.
إن المعتصمين فى الزمان يريدون إمساك اللحظة التاريخية التى يريدون، أو يريدون إيقاف شاشة العرض التى تعرض للحياة المتدفقة التى لا تتوقف لحظة واحدة.. فالليل والنهار يتعاقبان ولا سبيل لإيقاف دورة الكون سواء دارت فى اتجاه الحق أو الباطل.
إن بعض الشيعة يعتصم فى الزمان منذ سنوات طوال انتظارا للإمام الغائب حتى قص أحد أئمة الفكر الإسلامى السنى فى مصر وكان قريبا من الشيعة فى العالم.. أنهم كانوا يوسعون الطرق ويرصفونها بطريقة رائعة.. فلما سأل أحد المسئولين الكبار عن ذلك أجاب: «تمهيدا لعودة الإمام الغائب».
إن بعض الذين يعتصمون فى الزمان قد يكونون أسرى تجارب سابقة ناجحة ويريدون استنساخها فى زمان ومكان وظروف مختلفة تماما فيفشلون.. كما أراد المشير عامر أن يكرر تجربة الانسحاب من سيناء الناجحة التى تمت عام 1956 أثناء اجتياح الإسرائيليين للجيش المصرى عام 1967 فتم تدمير الجيش المصرى بهذا الانسحاب المخزى غير المنظم.
إن البعض يتصور أن الاعتصام فى الزمان الجميل قد يعيده إلى أمجاده وأحلى أيامه وهذا خطأ.. ولكن الذى يعيد الزمان الجميل إدراك الواقع الحقيقى.. وإعمال فقه المراجعات والبدء فى التصحيح والتصويب.. والعمل من جديد بآليات النجاح.
إن الذى يعطى ظهره للزمان لن يعطيه الزمان شيئا سوى أن يعيش بحلمه فقط فى الزمن الجميل.. ليترك خصومه يسعدون بالغنيمة.