ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﺘﮭﻢ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺜﻘﻔﯿﻦ اﻟﻌﺮب ﻛﻞ ﻣﻦ بقى ﻣﺆﻣﻨﺎ ﺑﺎﻟﻔﻜﺮ واﻟﻨﻀﺎل القومى العروبى، اﻟﻤﻨﻄﻠﻖ ﻣﻦ إﯾﻤﺎن ﺑﺄﻣﺔ ﻋﺮﺑﯿﺔ واﺣﺪة ووطﻦ عربى ﻛﺒﯿﺮ واﺣﺪ، ﺑﺄﻧﮫ ﯾﻤﺎرس اﻷوھﺎم واﻟﺨﯿﺎﻻت اﻟﻤﺮاھﻘﺔ، ﻓإﻧﮭﻢ فى اﻟﻤﺤﺼﻠﺔ ﯾﻨﺎدون ﺑﺎﻧﺘﮭﺎء ﻋﺼﺮ اﻹﯾﺪﯾﻮﻟﻮﺟﯿﺎت اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﯿﺔ اﻟﺸﺎﻣﻠﺔ.
وھﻢ ھﻨﺎ أﯾﻀﺎ ﯾﻨﻀﻤﻮن إﻟﻰ اﻟﻤﻮﺟﺔ التى راﺟﺖ فى أمريكا وأوروﺑﺎ ﺑﻌﺪ اﻧﮭﯿﺎر اﻻﺗﺤﺎد السوفيتى، والتى ادﻋﺖ ﺑﻨﮭﺎﯾﺔ اﻟﺘﺎرﯾﺦ وﺑﺎﻧﺘﺼﺎر الديمقراطية اﻟﻠﯿﺒﺮاﻟﯿﺔ ﻛﺤﻞ سياسى وﺣﯿﺪ ﻟﻜﻞ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت.
ﻟﻜﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﺘﯿﺠﺔ اﻟﻤﺴﺘﻌﺠﻠﺔ، بإصرارها ﻋﻠﻰ أﻧﮭﺎ وﺣﺪھﺎ ﺗﻤﺜﻞ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ وأن ﻣﺎ ﻏﯿﺮھﺎ ھﻮ ﻣﺤﺾ ﺑﺎطﻞ، اﻧﻘﻠﺒﺖ إﻟﻰ ﻓﻜﺮ إيديولوجى ﻣﺘﺰﻣﺖ ﻣﻨﻐﻠﻖ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﮫ، وﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﺗﺮاﺟﻊ ﻋﻨﮫ ﻣﻦ ﺧﻠﻘﻮه وﻧﺎدوا ﺑﮫ. اﻟﻔﻜﺮ اﻟﺴﺎﺋﺪ اﻵن فى اﻟﻐﺮب ﻻ ﯾﺘﺤﺪث ﻋﻦ ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻹﯾﺪﯾﻮﻟﻮﺟﯿﺎت، وإﻧﻤﺎ ﯾﻨﺎدى بإجراء ﺗﻌﺪﯾﻼت وإﺻﻼﺣﺎت فى إﯾﺪﯾﻮﻟﻮﺟﯿﺎت اﻟﺤﺪاﺛﺔ اﻟﻐﺮﺑﯿﺔ ﺗﺄﺧﺬ ﺑﯿﻦ الاﻋﺘﺒﺎر اﻟﻤﺴﺘﺠدات اﻟﻜﺒﺮى فى ﺣﯿﺎة اﻟﻐﺮب. إﻧﮭﻢ ﯾﺸﯿﺮون ﻋﻠﻰ اﻷﺧﺺ إﻟﻰ ﻣﺴﺄﻟﺔ اﻟﺘﺪھﻮر اﻟﮭﺎﺋﻞ اﻟﺨﻄﺮ فى اﻟﺒﯿﺌﺔ اﻟﻄﺒﯿﻌﯿﺔ ﻋﺒﺮ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻛﻠﮫ، ﻛﻤﺎ ﯾﺸﯿﺮون ﻣﺆﺧﺮا إلى ﻣﺎ أﺣﺪﺛﺘﮫ اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﯿﺔ اﻟﻨﯿﻮﻟﺒﺮاﻟﯿﺔ ﻣﻦ أزﻣﺎت اﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ ﻣﺴﺘﻌﺼﯿﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻠﻮل وﻣﻦ ازدﯾﺎد اﻟﻔﺠﻮة اﻟﻤﺄﺳﺎوﯾﺔ ﻓﯿﻤﺎ ﺑﯿﻦ اﻟﻘﻠﺔ اﻟﻐﻨﯿﺔ واﻷﻛﺜﺮﯾﺔ اﻟﻔﻘﯿﺮة اﻟﻤﺴﺤﻮﻗﺔ.
ﻟﻌﻞ اﻟﺼﺮاع اﻟﺪاﺋﺮ اﻵن فى ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﻐﺮﺑﯿﺔ ﻓﯿﻤﺎ بين اﻟﺸﻌﺒﻮﯾﺔ اﻟﯿﻤﯿﻨﯿﺔ اﻟﻤﺘﻄﺮﻓﺔ وﻣﺎ بقى ﻣﻦ أﺣﺰاب ﯾﺴﺎرﯾﺔ ووﺳﻄﯿﺔ فى ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت لهو ﺧﯿﺮ دﻟﯿﻞ ﻋﻠﻰ رﺟﻮع اﻟﻐﺮب إﻟﻰ الاﻧﻘﺴﺎﻣﺎت اﻹﯾﺪﯾﻮﻟﻮﺟﯿﺔ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ، وﻟﻜﻦ ﺑﺘﻔﺎﺻﯿﻞ وﻗﻀﺎﯾﺎ ﺟﺪﯾﺪة ﺟﺎءت ﺑﮭﺎ اﻟﻤﻮﺟﺔ اﻟﺼﺎﻋﺪة ﻟﻤﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﺤﺪاﺛﺔ اﻟﻐﺮﺑﯿﺔ اﻟﺮاﻓﻀﺔ ﻟﻠﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ ﻣﺴﻠﻤﺎت اﻟﺤﺪاﺛﺔ اﻟﻠﯿﺒﺮاﻟﯿﺔ التى أﺛﺒﺘﺖ اﻟﻘﺮون اﻟﺜﻼﺛﺔ اﻷﺧﯿﺮة ﺑﻌﻀﺎ ﻣﻦ ﻧﻘﺎط ﺿﻌﻔﮭﺎ اﻟﻔﻜﺮﯾﺔ واﻟﻤﻨﮭﺠﯿﺔ.
أوردﻧﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻘﺪﻣﺔ ﻋﻤﺎ ﯾﺠﺮى فى اﻟﻐﺮب ﻷﻧﻨﺎ ﻧﻌﺘﻘﺪ أن اﻟﺮدة اﻟﻘﻮﻣﯿﺔ ﻋﻨﺪ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺜﻘﻔﯿﻦ اﻟﻌﺮب هى ﺣﺼﯿﻠﺔ ﻓﮭﻢ ﺧﺎطﺊ ﻟﻤﺎ ﯾﺠﺮى فى اﻟﻐﺮب وﻣﻤﺎرﺳﺔ ﻋﺎدة الاقتداء ﺑﺎﻟﻐﺮب، وﺑﻌﯿﺪا ﻋﻦ أﺧﺬ اﻟﺨﺼﻮﺻﯿﺔ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ اﻟﺘﺎرﯾﺨﯿﺔ اﻟﺤﺎﻟﯿﺔ ﺑﻌﯿﻦ الاﻋﺘﺒﺎر.
ﻣﺎ ﯾﺠﺐ أن ﯾﻌﺮﻓﮫ ھﺆﻻء اﻟﻤﺜﻘﻔﻮن أﯾﻀﺎ أن ﺗﯿﺎرا ﻛﺒﯿﺮا ﯾﺘﻜﻮن فى اﻟﻐﺮب ﻟﻠﻌﻤﻞ ﺑﻨﻈﺎم اﻟﻘﻔﺰات اﻟﻜﺒﯿﺮة اﻟﻀﺮورﯾﺔ ﻟﺤﻞ أزﻣﺎﺗﮭﻢ، ﺑﻌﺪ أن أصبحت أﺣﺠﺎم اﻟﻤﺸﺎﻛﻞ ﻛﺒﯿﺮة ﻻ ﺗﺴﺘﻄﯿﻊ ﻣﻌﺎﻟﺠﺘﮭﺎ ﺧﻄﻮات إﺻﻼﺣﯿﺔ ﺻﻐﯿﺮة وﻣﺘﺒﺎطﺌﺔ.
ﻟﻨﻌﺪ إﻟﻰ وﺿﻌﻨﺎ العربى ﻟﻨﻘﻮل ﺑﺄن اﻟﺤﺠﻢ اﻟﮭﺎﺋﻞ اﻟﻤﺄﺳﺎوى ﻟﻠﺪﻣﺎر العمرانى واﻻﻗﺘﺼﺎدى والسياسى والأمنى والحياتى اليومى اﻟﺬى ﺣﻞ ﺑﺄرض اﻟﻌﺮب، ھﻮ ﻣﻦ اﻟﻜﺒﺮ واﻟﺘﻌﻘﯿﺪ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﯿﺔ وھﻮ ﻣﻮاﺟﮫ ﻟﻘﻮى اﺳﺘﻌﻤﺎرﯾﺔ وﺻﮭﯿﻮﻧﯿﺔ ﻣﺘﺮاﻣﯿﺔ اﻷطﺮاف ﻣﻦ ﻧﺎﺣﯿﺔ أﺧﺮى، ﺑﺤﯿﺚ إن اﻟﺨﻄﻮات اﻹﺻﻼﺣﯿﺔ اﻟﺘﺠﺰﯾﺌﯿﺔ التى ﯾﻘﺘﺮﺣﻮﻧﮭﺎ ﻟﻦ ﺗﺆدى إﻟﻰ ﻧﺘﯿﺠﺔ ﻣﻘﺒﻮﻟﺔ ﺗﺨﺮج اﻟﻌﺮب ﻣﻦ ﻣﺤﻨﺘﮭﻢ اﻟﺤﺎﻟﯿﺔ.
إن اﻟﻮﺿﻊ العربى أﺻﺒﺢ ﻣﻌﻘﺪا وﻣﺘﺸﺎﺑﻜﺎ وﻣﻠﯿﺌﺎ ﺑﺎﻷﺧﻄﺎء واﻟﺨﻄﺎﯾﺎ، وﻟﺬا أﺻﺒﺢ ﯾﺤﺘﺎج إﻟﻰ ﻧﻈﺮة ﺗﻐﯿﯿﺮﯾﺔ ﺟﺬرﯾﺔ ﺗﺘﻮﺟﮫ إﻟﻰ ﻣﺠﺎﺑﮭﺔ ﻛﻞ ﺳﺎﺣﺎت اﻟﺪﻣﺎر فى آن واﺣﺪ.
إن اﻟﻤﺪﺧﻞ الأساسى ﻟﺬﻟﻚ ھﻮ الانتقال اﻟﺴﺮﯾﻊ، وﻗﺒﻞ ﻓﻮات اﻷوان، إﻟﻰ ﻧﻈﺎم ديمقراطى سياسى اﻗﺘﺼﺎدى ﻋﺎدل، أھﻢﱡ ﻣﺎ ﻓﯿﮫ ھﻮ ﺳﻤﺎحه، ﺑﻞ وﺗﺸﺠﯿﻌﮫ، ﻟﻮﺟﻮد إﯾﺪﯾﻮﻟﻮﺟﯿﺎت ﻣﺘﻌﺪدة ﺗﻘﺪم ﻧﻔﺴﮭﺎ ﻟﻠﻤﻮاطﻨﯿﻦ ليختاروا ﻓﯿﻤﺎ ﺑﯿﻨﮭﺎ.
ﻣﺎ ﯾﺠﺐ أن ﻧﻌﯿﮫ ھﻮ أن ديمقراطية ﺑﺪون ﺣﻮارات واﺧﺘﯿﺎرات إﯾﺪﯾﻮﻟﻮﺟﯿﺔ ﺷﺎﻣﻠﺔ ﻣﺘﻨﺎﻓﺴﺔ، هى ديمقراطية ﻣﺸﺎﺑﮭﺔ ﻟﻤﺒﺎراة ﻛﺮة ﻗﺪم، ﯾﺤﻀﺮھﺎ اﻟﻼﻋﺒﻮن واﻟﻤﺸﺎھﺪون، وﻟﻜﻦ ﺗﻐﯿﺐ ﻋﻨﮭﺎ أداة اﻟﻠﻌﺐ، وھﻰ اﻟﻜﺮة. إﻧﮭﺎ ﻋﻨﺪ ذاك ﻋﺒﺚ اتعراضى ﻣﺴﻞ ﻓﻘﻂ.
اﻹﯾﺪﯾﻮﻟﻮﺟﯿﺎت فى اﻷرض اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ، ﺳﻮاء اﻟﯿﻤﯿﻨﯿﺔ أو اﻟﯿﺴﺎرﯾﺔ اﻻﺷﺘﺮاﻛﯿﺔ، ﺗﺤﺘﺎج أن ﺗﻘﺪم ﺣﻠﻮﻻ ﻟﻠﺘﺠﺰأة اﻟﻘﻮﻣﯿﺔ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ اﻟﻤﻔﺠﻌﺔ وﻟﻠﺘﺠﺰأة اﻟﻮطﻨﯿﺔ اﻟﻤﮭﺪدة ﻟﻮﺟﻮد ﺑﻌﺾ اﻷﻗﻄﺎر اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ، ﺣﻠﻮﻻ للانتقال ﻣﻦ الاﻗﺘﺼﺎد الريعى الزبونى البدائى، ﺣﻠﻮﻻ ﻟﻤﺠﺎﺑﮭﺔ ﺟﻨﻮن اﻟﻄﺎﺋﻔﯿﺔ واﻟﻌﻨﻒ اﻟﺠﮭﺎدى الإسلامى التعصبى اﻟﻤﺘﺰﻣﺖ، ﺣﻠﻮﻻ ﻟﻤﺠﺎﺑﮭﺔ اﻟﺼﻌﻮد اﻟﻤﺬھل ﻟﻠﻨﻔﻮذ اﻻﺳﺘﻌﻤﺎرى والصهيونى وأﻋﻮاﻧﮫ فى أرض اﻟﻌﺮب، ﺣﻠﻮﻻ للتخلف العلمى والتكنولوجى والمعرفى، ﺣﻠﻮﻻ ﻟﻮﺿﻊ اﻟﻤﺮأة اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ وﻻﻧﺪﻣﺎج اﻷﻗﻠﯿﺎت اﻟﻌﺮﻗﯿﺔ واﻟﻠﻐﻮﯾﺔ فى اﻟﺤﯿﺎة اﻟﻤﺪﻧﯿﺔ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ ﻋﻠﻰ أﺳﺲ ﻋﺎدﻟﺔ ﻣﻮاطﻨﯿﺔ، ﺣﻠﻮﻻ ﻟﻜﻮارث اﻟﺒﯿﺌﺔ وﺷﺢ ﻣﺼﺎدر اﻟﻤﯿﺎه والانكشافات اﻟﻐﺬاﺋﯿﺔ، إﻟﺦ... ﻣﻦ ﺣﻠﻮل ﻟﻌﺸﺮات ﻣﻦ اﻟﻘﻀﺎﯾﺎ اﻟﻔﺮﻋﯿﺔ اﻷﺧﺮى.
ﻣﺎ ﻧﻄﻠﺒﮫ ﻣﻦ أوﻟﺌك اﻟﻤﺜﻘﻔﯿﻦ ھﻮ أن ﯾﺪرﻛﻮا أن اﻹﯾﺪﯾﻮﻟﻮﺟﯿﺔ اﻟﺤﻮارﯾﺔ ﻏﯿﺮ اﻟﻌﻨﻔﯿﺔ وﻏﯿﺮ الاقصائية ﻟﮭﺎ ﻣﻜﺎن وﺣﺎﺟﺔ فى اﻟﺤﯿﺎة اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ اﻟﺤﺎﻟﯿﺔ واﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻠﯿﺔ، واﻟﺬى ﯾﺨﺘﺎر ﻓﯿﻤﺎ بينها ھﻮ اﻟﺸﻌﺐ. ھﺬا ھﻮ ﻣﯿﺪان التزاحم واﻟﺘﻨﺎﻓﺲ ﻓﯿﻤﺎ ﺑﯿﻨﻨﺎ وﺑﯿﻨﮭﻢ، وﻟﯿﺲ اﻟﻤﻤﺎﺣﻜﺎت اﻟﻠﻔﻈﯿﺔ اﻟﻌﺒﺜﯿﺔ.