اليونيفيل.. بين «فيتو» الجنوب اللبنانى و«فيتو» مجلس الأمن - مواقع عربية - بوابة الشروق
الجمعة 18 يوليه 2025 12:01 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

ما هي توقعاتك لمصير وسام أبو علي في المرحلة المقبلة؟

اليونيفيل.. بين «فيتو» الجنوب اللبنانى و«فيتو» مجلس الأمن

نشر فى : الخميس 17 يوليه 2025 - 7:10 م | آخر تحديث : الخميس 17 يوليه 2025 - 7:14 م

من صفعة تلقاها أحد جنودها فى بلدة دير قانون النهر واعتراض دورياتها وزرع علم حزب الله على آلياتها سابقًا، إلى رشق جنودها بالحجارة فى عيتيت، وصولاً إلى مقتل أحد جنودها فى مواجهات سابقة، تواجه قوات الطوارئ الدولية العاملة فى لبنان تحديات غير مسبوقة.
هذه التحديات تبرز مع اقتراب موعد تجديد مجلس الأمن ولايتها فى أغسطس المقبل. فهل تحولت اليونيفيل من قوات حفظ سلام إلى طرف غير مقبول به؟ وهل وصلت هذه القوة إلى نهاية دورها فى الجنوب اللبنانى الذى لا يزال على صفيح ساخن؟
بين زيارة باراك والضغط على اليونيفيل
تزامنت صدامات الأهالى المتكررة مع قوات اليونيفيل، والجدل المتجدد حول مستقبلها فى الجنوب اللبنانى، مع زيارة المبعوث الأمريكى توماس باراك إلى بيروت، الذى لم يتطرق إلى «الفيتو الأمريكى» المتعلق بقوات حفظ السلام.
وتسلّم باراك الرد اللبنانى الرسمى على المقترح الأمريكى الأخير، الذى تضمّن التزامًا بحصر السلاح بيد الدولة، وبسط سيادتها على كامل الأراضى اللبنانية، والتطبيق الكامل للقرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن عام 2006، والذى تُعدّ اليونيفيل إحدى ركائزه الأساسية.
لكن فى مشهد يعكس الهوة بين الخطاب السياسى والواقع الميدانى، برزت مشهديات عدائية فى مناطق نفوذ حزب الله فى الجنوب من خلال عراضات منظمة، نُشرت خلالها صور علب حلوى وفاكهة وُزّعت فى بعض المناطق خلال مراسم إحياء ذكرى عاشوراء، كُتب عليها: «ما فى تسليم سلاح، تعوا كلو كاستر» و«سلاح ما فى، تعوا خدوا بطيخ، كيك، وبونجيس». هذا التعبير الساخر يعكس الهوة بين المقترحات الدولية والمزاج الذى يسعى حزب الله إلى الدفع باتجاهه.
مهام ضمن الصلاحيات
يتزامن الرفض الميدانى لنزع سلاح حزب الله مع «فيتو» متكرر على مهام قوات حفظ السلام الدولية، ليصبح التنفيذ الكامل للقرار 1701 نفسه موضع تحدّ على الأراضى الجنوبية. وفيما تواجه قوات اليونيفيل اتهامات إسرائيلية بأنها تحوّلت إلى «درع لحزب الله»، إذ طالبتها إسرائيل مرارًا بمغادرة مواقعها خلال الحرب الأخيرة، تتزايد حوادث الاعتراض الشعبى لدوريات اليونيفيل التى بدا جليًا أنها تتم بدفع وتنسيق من حزب الله، وسط تصاعد الخطاب الذى يتّهم القوات الدولية بالانحياز.
يحصل هذا بينما تتعرض قوات الطوارئ الدولية، إلى جانب سائر منظمات الأمم المتحدة، لهجمات مركزة من إسرائيل والولايات المتحدة. وقد استُهدفت مراكز اليونيفيل بشكل متكرر خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة، ما أسفر عن وقوع إصابات فى صفوف عناصرها.
يحاول من يبرز حركة اعتراض أهلية على دوريات اليونيفيل القوى، الإشارة إلى أن هذه القوى تسيِّر دوريات منفردة من دون مرافقة من الجيش اللبنانى. غير أن هذه التحركات تأتى فى إطار الصلاحيات التى منحها مجلس الأمن للقوة الدولية بموجب القرار 2695 (2023)، والذى عدّل تفويضها بشكل يتيح لها تنفيذ مهامها الميدانية من دون الحاجة إلى إذن مسبق أو مؤازرة من الجيش.
فى تعليق على حادثة عيتيت، قال الناطق الرسمى باسم اليونيفيل أندريا تيننتى: «كما أوضحت الحكومة اللبنانية والجيش اللبنانى بإمكان جنود قوات حفظ السلام التحرّك بشكل مستقل فى جنوب لبنان لأداء واجباتهم لاستعادة الأمن والاستقرار بموجب القرار 1701، ولا يحتاجون إلى مرافقة جنود لبنانيين». وفى تعليق سابق لها، قالت اليونيفيل فى بيان، إن «حرية التنقل تُعدّ شرطًا أساسيًا لتنفيذ ولايتها. ويشمل ذلك قدرتها على العمل بشكل مستقل ومحايد، كما ورد فى قرار مجلس الأمن رقم 1701. ويُعدّ أى تقييد لهذه الحرية، أثناء تنفيذ الأنشطة العملياتية، سواء بمرافقة الجيش اللبنانى أو من دونها، انتهاكًا لقرار مجلس الأمن رقم 1701».
على مفترق طرق
بينما تشيد تقارير محلية بدور اليونيفيل التنموى والإنسانى من خلال تقديم مساعدات فى قرى انتشارها، تكثفت فى المقابل الجهود الإسرائيلية لإعادة رسم المشهد الأمنى جنوبًا.
فى تحليل نشره معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، قال عساف أوريون الذى شغل سابقًا منصب رئيس شعبة التخطيط الاستراتيجى فى الجيش الإسرائيلى، «لقد حان الوقت أمام اليونيفيل: إمّا أن تتكيّف مع الواقع الجديد، أو أن ترحل». واعتبر أن حزب الله نجح فى الالتفاف على النظام الأمنى الذى تأسس بعد حرب يوليو 2006، والذى كان يقوم على منع اندلاع نزاع مسلّح عبر شراكة بين الحكومة اللبنانية والجيش اللبنانى بدعم من اليونيفيل.
وأشار إلى أن «الحرب الأخيرة أسفرت عن بنية أمنية جديدة تقوم مجددًا على دور محورى للجيش اللبنانى مدعومًا باليونيفيل، لكن هذه المرة معزّزة بمراقبة أمريكية حاسمة وتنفيذ عسكرى إسرائيلى صارم فى مواجهة خروقات حزب الله»، مضيفًا أن «بيروت والأمم المتحدة افتقرتا إلى الإرادة السياسية لمواجهة الانتشار العسكرى الواسع لحزب الله جنوب نهر الليطانى».
واستعرض أوريون ثلاثة سيناريوهات محتملة لنقاشات مجلس الأمن حول اليونيفيل فى أغسطس المقبل. الأول، تمديد تفويضها من دون تعديل؛ والثانى، إطلاق «يونيفيل 3.0»، أى تقليص عددها إلى 2500 عنصر وتحويل جزء من الموارد إلى دعم الجيش اللبنانى؛ والثالث، إنهاء مهمتها «المؤقتة» والاستعانة بمراقبى وتنظيمات التنسيق التابعين لهيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة، وهو الخيار الذى تسعى إليه إسرائيل.
وسط هذه التحاليل، نقلت صحيفة «يسرائيل هيوم» الشهر الماضى، أن «الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل اتفقتا على إنهاء مهمة اليونيفيل جنوب لبنان». فى مقابلة مع موقع «درج»، لفت العميد حسن جونى إلى أن «موضوع إنهاء مهمة قوات اليونيفيل طُرح بشكل لافت، ومن زاوية أن التمديد لهذه القوات قد لا يحصل، لأن بقاءها لم يعد مجديًا بحسب وجهة النظر الإسرائيلية». وأضاف «تبين بحسب مسئول فى وزارة الخارجية الأمريكية أن هذا الكلام غير صحيح»، مشيرا إلى أن «الطرح متعمّد هدفه الضغط على الدولة اللبنانية لكى تعدّل مهام اليونيفيل وتعطيها مزيدًا من الصلاحيات للتصرف فى الميدان».
وفى حديث لـ EuroNews، أكد المتحدث باسم اليونيفيل أندريا تيننتى «عدم وجود أى نقاشات فى الأمم المتحدة حول إنهاء مهمة اليونيفيل»، مشيرًا إلى أن «مجلس الأمن هو الجهة الوحيدة المخولة اتخاذ قرار كهذا». ويحدد حق النقض أو «الفيتو» مستقبل القوة الدولية فى الجنوب اللبنانى، فى حال استخدمته إحدى الدول الخمس دائمة العضوية فى أغسطس المقبل.
تُعدّ واشنطن، بصفتها عضوًا دائمًا فى مجلس الأمن، صاحبة الدور الأبرز فى تحديد مستقبل اليونيفيل، وقد سبق أن عبّرت عن عدم رضاها عن أدائها، وهدّدت باستخدام الفيتو فى حال لم تُعتمد صيغة جديدة تُلبّى مطالبها. فى المقابل، أكدت روسيا والصين دعمهما لاستمرار الولاية، فيما جدّدت فرنسا تمسّكها باليونيفيل باعتبارها الأداة الأساسية لمنع تجدد المواجهة بين حزب الله وإسرائيل، ولا تريد تعديلات على مهامها باستثناء ما يتماشى مع الوضع الميدانى. كذلك أدانت بريطانيا الاعتداءات التى تتعرض لها القوة الدولية، وأعربت عن دعمها استمرار مهامها الحالية، ورفضها القاطع لأى طرح لإنهاء مهمتها فى الجنوب اللبنانى. وتؤيد الدول الأعضاء غير الدائمين فى مجلس الأمن المشاركين فى البعثة تمديد ولايتها، مع اعتماد صيغة تضمن حفظ الاستقرار ومنحها صلاحيات تنفيذية فعّالة.
وبحسب اللواء عبد الرحمن الشحيتلى، ممثل الحكومة اللبنانية الأسبق، فإن «الطلب الإسرائيلى بإنهاء مهمة اليونيفيل هو جزء من عملية ممنهجة لنزع الشرعية الدولية عن الوجود الأممى جنوبا»، معتبرا أن «إسرائيل لا تريد من يراقبها، بل تسعى إلى بيئة أمنية مفرغة تمهّد لتحرك حر فى الساحة الجنوبية».
ويوضح المحامى نجيب فرحات أن «إنهاء عمل اليونيفيل من الناحية القانونية يعنى عمليًا إسقاط القرار 1701، لأنه يستند فى جوهره إلى شراكة بين الجيش اللبنانى وقوات اليونيفيل. وإذا أُزيل أحد طرفى هذه المعادلة، فإن القرار يصبح بلا فعالية، ما يفتح المجال أمام إسرائيل للتصرف بحرية من دون أى قيود دولية». وفى السياق ذاته، يقول العميد جونى «ليس من مصلحة لبنان عمومًا، ولا من مصلحة الجنوبيين خصوصًا، إنهاء مهمة اليونيفيل. فهذه القوة تمثل عين المجتمع الدولى فى الجنوب، إذ ترصد الخروقات والاعتداءات الإسرائيلية وتوثّقها».
ترحيل اليونيفيل تمهيدًا للتطبيع؟
لطالما حاولت إسرائيل التضييق على قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة فى الجنوب اللبنانى. وخلال الحرب الأخيرة، استهدفت مواقعها عمدًا، ما يشكل انتهاكًا للقانون الدولى، بما فى ذلك القانون الدولى الإنسانى، وقد يرتقى إلى جرائم حرب. وعلى الرغم من الدور الذى تلعبه البعثة فى منع اندلاع المواجهات مجددًا على طول الخط الأزرق، روجت تل أبيب لفكرة التنسيق المباشر مع الجيش اللبنانى بديلًا كافيًا لليونيفيل، فى خطوة تمهّد لإقصائها وتهيئة الأرضية لمفاوضات بين الجيشين.
وصرح مسئول إسرائيلى أخيرًا، بأن بلاده تعتزم إطلاق جولة جديدة من المباحثات مع لبنان بهدف «إحراز تقدّم نحو التطبيع الكامل» فى الأشهر المقبلة، مشيرًا إلى دعم أمريكى لهذه الخطوة. وبحسب صحيفة «هسرائيل هيوم»، تعتقد «إسرائيل أن التنسيق مع الجيش اللبنانى فعال إلى درجة تجعل وجود قوات اليونيفيل غير ضرورى».
وفى رده على هذا الطرح، اعتبر العميد حسن جونى أن إشارة الإسرائيلى إلى أن الجيش اللبنانى بات أكثر فعالية فى الجنوب خبيثة، إذ يتحدث عنه وكأنه جيش صديق وحليف، وهذا ليس واقع الحال؛ فلو وثق الجانب الإسرائيلى بالجيش اللبنانى لنسّق مع لجنة المراقبة التى تحيل بدورها الأمور إلى الجيش بشأن مزاعمه بوجود أهداف مشبوهة، لكنه يواصل الحرب من طرف واحد.

رنين عواد

موقع درج

النص الأصلى

التعليقات