ثم ماذا بعد الاندحار العسكرى؟ - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:53 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ثم ماذا بعد الاندحار العسكرى؟

نشر فى : الخميس 17 نوفمبر 2016 - 9:40 م | آخر تحديث : الخميس 17 نوفمبر 2016 - 9:40 م
سنكون مخدوعين وقليلى الفهم لو أننا اعتقدنا بأن معركتى الموصل فى العراق والرقة فى سوريا ستحسمان وجود داعش وأخواتها فى الأرض العربية. لن ينتج عن الانتصار فى المعركتين إلا إضعاف داعش وإنهاء مشروع الخلافة الإسلامية فى الواقع العربى، وإلا تقوية وصعود مجموعات أخرى من مثل القاعدة الأم وتفريخاتها.

نحن أمام أخطبوط، ما إن تقطع أحد أطرافه حتى يطلع وينمو طرف آخر، قد يكون أشد فتكا. بعد الانتصار سنرى أمامنا فى المستقبل القريب أنواعا من العصابات والمليشيات والأفراد الانتحاريين، الذين سيزرعون الرعب وقتل الأبرياء ومهاجمة المؤسسات العامة والخاصة فى طول وعرض وطن العرب وخارجه.

لن تبقى مؤسسة نفطية فى مأمن، ولن تبقى البنوك خارج الصراع، وستصبح المطارات بحاجة لأقصى الحماية ليل نهار. ولن تعدم تلك الجماعات التكفيرية الاستفادة من فيض ما هو موجود من أحاديث موضوعة مدسوسة واستنتاجات فقهية كانت صالحة لأزمنة غير أزمنتنا، وقد عفى عليها الزمن وأصبحت خارج العصر الذى نعيش.

وستستعمل تلك الجماعات كل الوسائل والحماقات لإبقاء العرب والمسلمين ودين الإسلام فى صدام دائم مع كل العالم. ومن أجل تحقيق ذلك ستحصل قياداتها على كل معونة مادية من أشكال من الاستخبارات ومن عتاة الجهل وبلادتهم فى فهم رسالة السماء فى بلاد العرب والمسلمين.

ولن يحتاج هؤلاء إلى وسائل إعلام معروفة ومعترف بها، فوسائل التواصل الاجتماعى وأصوات التشنج فى كثير من الفضائيات « الإسلامية « ورسائل التعصب وادعاء الانتماء إلى «الفرقة الناجية»، المبثوثة فى مناهج الكثير من المدارس الحكومية والأهلية ستكون أكثر من كافية للوصول إلى أسماع وعقول الشباب المهمش والعاطل عن العمل والغاضب لألف سبب وسبب.

***

نرسم تلك الصورة القاتمة بكل صراحة ومسئولية لأننا نعتقد أن تربة أرض العرب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية فى وضعها الحاضر ستظل صالحة لكل ما ذكرنا وأكثر.

لا يمكن لحياة سياسية قائمة على الاستبداد وبطش قوى الأمن العشوائى، واستئثار أنواع من الأقليات باسم العساكر والقبائل والمذاهب والأعراق، وباسم سلطة المال والفساد وأسواق العولمة، لا يمكن لها إلا أن تكون تربة صالحة لكل ما ذكرنا من ممارسات الجنون والإرهاب وتدمير المجتمعات.

لا يمكن لحياة اقتصادية تركز الثروة فى أيادى واحد فى المائة من الناس وتبقى الآخرين فى ضنك وتوتر وفقر وشعور بالذل والمهانة إلا أن تكون تربة صالحة لكل ذلك.

لا يمكن لنظام اجتماعى أو لثقافة يقومان على تقديس الماضى وممارسة اللاعقلانية، وعلى مقاومة المراجعة والتجديد والانتقال إلى حداثة ذاتية للأمة إلا أن تصبح تربة صالحة لكل ذلك.

لا يمكن لنظام قومى إقليمى ملىء بالصراعات وتآمر مكوناته على بعضها البعض، والسماح للخارج أن يرسم معالم المنطقة العربية ومستقبلها، ويشترط قبولا صهيونيا لكل طموحات وأحلام شعوبها إلا أن يكون تربة صالحة لكل ذلك.

سواء أكان ما نقوله ضربا على الصدور أو استدرارا للدموع أو إضعافا للأمل، فإن الحقيقة المرة المفجعة تقتضى أن يقال ما يقال وأن يشترط ما يشترط وأن تواجه الأمة حقيقة واقعها فتختار: إما هذا وإما ذاك.

لقد عاشت أمتنا خمسة عشر قرنا وهى قادرة على أن تتجنب الوقوع فى الجحيم الذى تعيشه الآن. وكان من الممكن الحديث عن التدرج والاكتفاء بالحركة التاريخية البطيئة. أما وأن الأمة قد أدخلت فى هذا الجحيم التاريخى البالغ السوء، فإن المعالجات والأساليب السابقة لم تعد كافية، بل ولم تعد صالحة. نحن هنا نتكلم عن الوسائل والعلاجات، وليس عن الأهداف المشروعة أو عن الأحلام الكبرى الضرورية.

من هنا فإن اندحار داعش فى الموصل والرقة، إن لم تصاحبه بصورة جذرية وسريعة تغييرات كبرى وولادة قوى قادرة وفاعلة جديدة، وتفعيل إرادات جدية من داخل أنظمة الحكم والمجتمعات المدنية الراغبة والقادرة على خوض مسيرة ذلك التفعيل الصعبة المضنية، إن لم يحدث ذلك فإن ظاهرة الجهادية التكفيرية العنفية ستكون معنا لسنين وعقود طويلة مقبلة، وإلى أن يتم إخراج الأمة من مسيرة التاريخ الإنسانى.

***

لقد استخفت هذه الأمة من قبل بالوجود الصهيونى فى جزء عزيز من وطنها، وهاهى اليوم تعيش نتائج ذلك الاستخفاف العبثى: غطرسة صهيونية وأخطار هائلة على وحدة كل تجمع عربى وعلى نهوضه.

ولقد استخفت هذه الأمة عبر السنين بالإمكانات التقسيمية الطائفية التدميرية الهائلة من جراء الانقسامات المذهبية العبثية، التى تقوم على أسس سياسية ومماحكات تاريخية بليدة. وهاهى اليوم تحصد نتيجة عدم حل ذلك الموضوع على أسس صحيحة وعادلة وعاقلة عبر خمسة عشر قرنا من الزمن.

واليوم، وعلى مشارف اندحار عسكرى بحت لداعش وأخواتها، يجدر ألا نسقط فى حبائل عادات الاستخفاف التاريخية تلك ونذوق العلقم فى المستقبل.

إنه تحدٍ للأنظمة السياسية وللمجتمعات المدنية، وهو تحد مستعجل لا يستطيع الانتظار. وفى هذه المرة لن تكون الخسائر سياسية ودينية واقتصادية فقط، وإنما ستكون خسارة حضارية وجودية كبرى.
علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات