مستقبليات - محمد زهران - بوابة الشروق
السبت 14 ديسمبر 2024 8:33 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مستقبليات

نشر فى : السبت 17 ديسمبر 2022 - 8:00 م | آخر تحديث : السبت 17 ديسمبر 2022 - 8:00 م

هناك دائما ولع بمحاولة استشراف المستقبل سواء كى نستعد له أو نحاول تحقيقه أو حتى من باب الرياضة الذهنية، هناك علم مستقل اسمه علم المستقبليات الذى يبحث فى العوامل المؤثرة فى حياة الناس ومدى تأثيرها فى المستقبل، هناك بعض الشركات قائمة على تقديم استشارات للشركات الأخرى بناء على التنبؤ بالتطور العلمى والتكنولوجى وكيف تستعد الشركات لها عن طريق ترتيب أولوياتها. هذه المقال هو محاولة استشراف مستقبل التكنولوجيا فى ربع القرن القادم، التقدم التكنولوجى لا يعتمد فقط على التطور العلمى لكن هناك عوامل أخرى قد تؤدى إلى تأخر ظهور تكنولوجيا معينة حتى وإن كانت إمكانية ظهورها موجودة. من هذه العوامل الحالة الاقتصادية، كلما كان الاقتصاد يعانى من اضطرابات كلما قلصت الدول الكبرى والشركات عابرة القارات الميزانية الموجهة لتكنولوجيا الرفاهية. من العوامل الأخرى المؤسفة هى الطمع والفساد، فقد تقرر شركة كبرى تأخير ظهور تكنولوجيا جديدة أفضل حتى لا تفقد عوائد التكنولوجيا الحالية مثل تأخير ظهور دواء أكثر فعالية لمرض ما حتى تحصل شركة أدوية على عائد مما أنفقته على تطوير الدواء الحالى، أو تأخير البحث العلمى لتطوير دواء ما إذا لم يكن من المتوقع الحصول على أرباح منه لأنه يعالج مرضا أغلب المصابين به من الفقراء مثلا. من أسباب تأخر ظهور تكنولوجيا معينة هو السرية التى قد تضعها بعض الدول عليها حتى تستفيد منها أقصى استفادة قبل جعلها على المشاع. لكل هذه الأسباب قد تكون بعض توقعات مستقبل التكنولوجيا خاطئة. مع وضع كل ذلك فى الاعتبار لنبدأ توقعاتنا.
أولا أنواع الذكاء الاصطناعى المستخدمة حاليا فى التطبيقات ستتطور تطورا كبيرا فى المستقبل، التطبيقات الحالية تحتاج معلومات كثيرة حتى «تتدرب» على المهمة التى ستقوم بها (مثل تشخيص مرض عن طريق قراءة التحليلات الطبية للمريض)، فى المستقبل ستحتاج تلك التطبيقات معلومات أقل بل وستقوم باستخدام معلومات غير كاملة للتعلم وستصل لدرجة عالية من الكفاءة، أيضا التطبيقات الحالية تقوم بمهمة واحدة فقط بكفاءة ولا تستطيع القيام بمهام أخرى أى إننا نحتاج تطبيقا لكل مهمة نريد استخدام الذكاء الاصطناعى فيها، التطبيقات المستقبلية ستتمكن من استخدام «الخبرات» التى اكتسبها فى مهمة ما فى مهمات مختلفة، مثلا تطبيق الذكاء الاصطناعى الذى سيقود السيارات ذاتية القيادة يمكنه استخدام تلك الخبرة فى تحديد السرعات المرورية واتجاه المرور فى الشوارع المختلفة لمدينة ما، بهذا ستقترب تلك البرمجيات «قليلا» مما يستطيع العقل البشرى عمله ببساطة، أى استخدام ونقل الخبرات. لا يتوقع كاتب هذه السطور أن يصبح عندنا «عقل» صناعى يشبه العقل البشرى فى المستقبل لعدة أسباب منها أننا ما زلنا لا نملك كل المعلومات عن كيفية عمل المخ البشرى ناهيك عن العقل، ومنها أننا ما زلنا نجهل ماهية الوعى (consciousness) وتفاعله مع العمليات العقلية، ومنها أن الكثير من اختياراتنا تعتمد على ثقافتنا وإدخال الثقافة فى الذكاء الاصطناعى ما زال حلما بعيد المنال. بعيدا عن ذلك كله هناك سؤال مهم: ماذا سنستفيد إذا بنينا «عقلا» صناعى يشبه الحقيقى؟
ثانيا ستكون أغلب مدن العالم ذكية، تخيل معى مدينة كل سياراتها ذاتية القيادة وترسل معلومات باستمرار عبر الانترنت إلى أجهزة كمبيوتر تقوم بتحليل تلك المعلومات بالإضافة إلى المعلومات التى تأتى على نحو مستمر من المجسات الموجودة فى الطرق التى تقيس عدد السيارات فى كل شارع وسرعتها وكفاءة الطرق إلخ، ثم تقوم تلك الأجهزة فائقة السرعة بالتحكم فى إشارات المرور والطرق التى تأخذها كل سيارة لتصل لهدفها بحيث يقل أو ينعدم الاختناق المرورى وتختفى حوادث الطرق بالكامل. هذا السيناريو هو التطور الطبيعى لإنترنت الأشياء وأجهزة الكمبيوتر فائقة السرعة وتطبيقات الذكاء الاصطناعى. طبعا هذا غيض من فيض لأن المدن الذكية تحوى ما هو أكثر من المرور مثل توليد واستخدام الطاقة بكفاءة واستخدام الموارد المائية لتقليل الفاقد بنسبة كبيرة إلخ.
ثالثا سنكون فى عصر الأدوية الشخصية، أى إن جهاز الكمبيوتر سيقوم بتحليل جسم شخص ما ومراجعة جميع تحليلاته الطبية وتاريخ أسرته إلخ ثم ستقوم بتصنيع دواء مخصص لهذا الشخص فقط وإذا تعاطاه شخص آخر قد يموت، أعتقد أن تخليص العالم من مرض مثل السرطان سيأتى من تلك الناحية (personalized medicine) والذى يحتاج أجهزة كمبيوتر فائقة السرعة وتطبيقات متقدمة للذكاء الاصطناعى وأجهزة طبية وكيميائية متقدمة.
هذه كانت رحلة سريعة جدا فى بعض التكنولوجيات التى قد توجد فى المستقبل القريب، لاحظ أننا لم نقل إن جميع الأمراض ستختفى، لأن الطبيعة ستظل دائما متقدمة على الإنسان بخطوات حتى تذكرنا بجهلنا.

محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات