نحن نحترم البحث العلمى حتى وإن لم نفهمه، وأوضح مثال على ذلك أننا إذا رأينا شخصا لا نعرفه وعلمنا أنه عالم أو أستاذ جامعى أو باحث فسنحترمه حتى وإن لم نفهم ما يفعله، الجميع يقولون عن أينشتاين إنه عبقرى لكن معظم الناس لا تفهم بالضبط ما اكتشفه، بالإضافة إلى الاحترام فإن البحث العلمى يعتبر جزءا من القوة الناعمة للدول حيث تفتخر كل دولة بمواطنيها الحاصلين على جوائز عالمية مثل نوبل وتيورنج وفيلدز. لكن البحث العلمى فى العالم عامة وفى الدول النامية خاصة يواجه مشاكل عدة، فى مقال اليوم سنناقش بعض هذا المشكلات، وطرح المشكلة جزء من الحل.
المشكلة الأولى أن هدف علماء كثيرين اليوم هو النشر وليس العلم، النشر من أجل الترقية أو النشر من أجل «المنظرة»، طبعا النشر مهم لنشر العلم وتوارثه والبناء عليه، لكن العلم من أجل النشر تكون نتيجته أنك ستهتم بالكم أكثر من الكيف فتنشر فى مجلات ضعيفة أو بدلا من نشر ورقة علمية قوية ومتكاملة فستعمل على تجزئتها إلى أبحاث عدة حتى تحظى بعدد أكبر من الأبحاث، هذا سيجعل كل بحث أضعف وسيجعل باقى الباحثين مضطرين لقراءة عدة أبحاث حتى يحصلوا على الفكرة الكاملة مما سيأخذ وقتا أطول منهم.
المشكلة الثانية أننا فى عصر أصبح العلم فيه أكثر تعقيدا بكثير من ذى قبل خاصة فى العلوم التطبيقية، هذا معناه أنك كى تصل إلى نتائج مهمة تحتاج أن تعمل مع مجموعة بحثية كبيرة ومن تخصصات مختلفة، للأسف ثقافة المجموعة البحثية الكبيرة المتعاونة التى لا منافسة ولا ضغينة فيها ليست منتشرة خاصة فى الدول النامية، وهذا شىء يجب أن يتغير إذا أردنا أن نطور من البحث العلمى.
المشكلة الثالثة هى الغش، وهى للأسف منتشرة فى العالم أجمع، الغش هنا بمعنى وضع نتائج خاطئة فى البحث أو عمل تجارب بطريقة خاطئة عن عمد للحصول على نتائج تبدوا ممتازة، هناك أيضا الغش المتمثل فى النقل من أبحاث أخرى أو السطو على أبحاث الغير، نوع آخر من الغش لا ننتبه إليه كثيرا هو إصرار أستاذ مثلا على وضع اسمه على البحث وهو لم يقم بأى مجهود فيه بل ويهدد الطالب بعدم انجاحه فى درجته العلمية أو أى تهديد آخر إذا لم يضع اسمه، كل هذه الأنواع المختلفة من الغش لا تؤدى فقط إلى تأخر مسيرة العلم لأن الباحثين الآخرين قد يقرأون تلك الأبحاث ويحاولون البناء عليها وبالتالى سيسلكون الطريق الخاطئ، والغش أيضا سيضع باحثين (مثل ذلك الأستاذ الذى يصر على وضع اسمه) فى مكانة لا يستحقها وهذا نوع من التدليس.
المشكلة الرابعة هى تدنى مرتبات الباحثين خاصة فى الدول النامية مما يجعلهم يخصصون جزءا كبيرا من أوقاتهم للعمل فى أعمال أخرى من أجل زيادة الدخل حتى يتمكنوا من إعالة أسرهم، البحث العلمى الرصين والعميق الذى يدفع مسيرة العلم يحتاج تفرغ.
المشكلة الخامسة والتى تعانى منها الدول النامية بشكل خاص هى عدم فهم معنى عنصر الخبرة، عنصر الخبرة التى تعنى فقط السن الكبيرة والظهر المحنى والشعر الأشيب لا معنى لها لأن الشخص قد يعمل فى نفس الوظيفة عدة عقود لكنه لا يحسن من قدراته وبالتالى فهو ليس خبيرا، الشخص الحاصل على الدكتوراه منذ سنوات عدة ولم يقرأ بحثا فى تخصصه منذ حصوله على الدرجة لا يعد خبيرا ولا دكتورا. لنأخذ مثالا من الحياة الجامعية: عندنا فى مصر من هو على درجة مدرس غير مسموح له بالإشراف المنفرد على رسائل الماجستير أو الدكتوراه بل يحتاج إلى مشرف معه على درجة أستاذ مساعد أو أستاذ. إذا كان المدرس حديث التخرج فهذا معناه أنه صغير فى السن وبالتالى عنده من الطاقة ما يساعده على مساعدة الطالب بدرجة كبيرة وأيضا معناه أنه ملم بالتقنيات والمعلومات الجديدة فى تخصصه بعكس من حصل على درجة أستاذ منذ عشرين سنة وكف عن قراءة الأبحاث الجديدة. نتيجة ذلك أنك ستجد الكثير من الأساتذة يفتخرون بأنهم أشرفوا على عدد كبير من الرسائل وهم فى الأغلب لا يعرفون عنها الكثير لكن تم وضع أسمائهم لأن البيروقراطية الجامعية تتطلب ذلك. جدير بالذكر أن فى الجامعات الكبرى فى أمريكا هناك رسائل دكتوراه كثيرة المشرف الوحيد عليها على درجة مدرس. طبعا يجب أن نستثنى من ذلك من ظل على درجة مدرس لمدة كبيرة لأن هذا معناه كسل فى البحث العلمى.
هذه بعض مشكلات البحث العلمى وليست كلها فلم نتكلم عن عقدة الخواجة والبيروقراطية إلخ، وللحديث بقية.