«سوبر إسبرطة».. نتنياهو يقود إسرائيل إلى الهلاك - قضايا إسرائيلية - بوابة الشروق
الجمعة 19 سبتمبر 2025 1:41 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

برأيك.. من البديل الأنسب لـ ريبيرو في النادي الأهلي؟

«سوبر إسبرطة».. نتنياهو يقود إسرائيل إلى الهلاك

نشر فى : الخميس 18 سبتمبر 2025 - 8:15 م | آخر تحديث : الخميس 18 سبتمبر 2025 - 8:20 م

حذر رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، فى خطاب ألقاه خلال مؤتمر لوزارة المالية عُقد يوم الإثنين الماضى، من أن إسرائيل تواجه «نوعًا من العزلة»، لذا، شدد على أهمية اعتماد إسرائيل على نفسها عسكريا واقتصاديا مشبها دولته بـ«إسبرطة». أثارت هذه التصريحات مخاوف داخلية وخارجية ترتب عليها هز سوق الأسهم الإسرائيلية، مما دفع عدد من الكُتاب فى مختلف الصحف العالمية إلى انتقاد تصريحات نتنياهو وتناول تداعياتها على استقرار إسرائيل وبقائها.. نعرض من المقالات ما يلى:

تناولت هيئة تحرير صحيفة هاآرتس فى مقال بعنوان «لا أريد أن أكون إسبرطة» تصريح نتنياهو المقرّ بأن على دولة إسرائيل التصرف كدولة إسبرطة، مما يعنى تحويل اقتصادها ومجتمعها إلى ظروف حرب دائمة. وإسبرطة كانت دويلة فى اليونان تعيش فى اقتصاد مغلق وعزلة وحروب دائمة مع جيرانها، خاصة أثينا، مما أدى إلى هزيمتها فى نهاية المطاف. ويشبه نتنياهو حالة دولته بحالة إسبرطة. لم يُرِد نتنياهو بهذا التصريح خلق مبرر لفشله السياسى فقط، بل أراد صبغ أيديولوجية عليه ليوسّع قاعدته الشعبية ويشعرهم بنوع من وجوب التحمل والتضامن مع الدولة. ولكن خلافًا لتفسيراته غير الواقعية، فهذه العزلة لم تفرضها عليه الأقليات المسلمة فى الدول الأوروبية، ولا شنّ حملات من المنطقة، وإنما فُرضت بسبب عجزه عن إيجاد حل سياسى ووقف الدمار فى غزة واستعادة المخطوفين. فبدلًا من التصرف كقائد حقيقى يهدئ الجمهور ويعدهم بتقليل العزلة السياسية ورفع أسوار الغيتو، ذهب لخلق حالة ذعر. إنّ الآثار السلبية لتصريحه لم تقف فقط عند علاقة إسرائيل بالعالم، بل امتدت إلى الجبهة الداخلية، فإصراره على استكمال عملية مدينة غزة البرية وتعنّته فيما يخص قراراتها، متجاهلًا تحذيرات رئيس الأركان وكبار جهاز الأمن، أحدث شقًّا بين القادة السياسيين والعسكريين، مما لا شك فيه سيكون له ضرره على حياة المخطوفين.

شاركت الكاتبة جوليان بورجر هيئة تحرير هاآرتس الرأى فى مقالها المنشور فى جريدة «ذا جارديان» البريطانية، بعنوان «رؤية نتنياهو.. السوبر إسبرطة» تُهيئ إسرائيل لمستقبل اقتصادى منعزل»، فتناولت تداعيات دعوة رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو دولته لأن تصبح «سوبر إسبرطة»، فهو بذلك يسعى لجعل المجتمع الإسرائيلى أكثر عسكرة واكتفاءً ذاتيًا اقتصاديًا، وبالتالى تقليص حجم التجارة الخارجية والاعتماد على الإنتاج المحلى.

ترتب على هذا التصريح إثارة القلق داخل المجتمع الإسرائيلى خشية أن يقود البلاد إلى عزلة دولية ووضع شبيه بالدولة المنبوذة. وصادف نفس يوم إلقاء نتنياهو خطابه، نشر لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة تقريرًا أدانت فيه إسرائيل وخلصت إلى ارتكابها إبادة جماعية فى غزة، بينما ناقشت المفوضية الأوروبية احتمال تعليق أجزاء من اتفاقية التجارة بين الاتحاد الأوروبى وإسرائيل إضافة إلى تزايد أعداد الدول التى تنوى الاعتراف بدولة فلسطين، كما ظهرت تهديدات بمقاطعة مهرجان يوروفيجن إذا شاركت إسرائيل فيه.

شهدت الساحة الاقتصادية هبوطا فوريا فى البورصة الإسرائيلية وتراجعًا فى قيمة الشيكل، وحذّر 80 اقتصاديًا بارزًا من أن محاولة احتلال وتدمير غزة تهدد أمن إسرائيل ومرونتها الاقتصادية وقد تباعدها عن الدول المتقدمة. على الصعيد المحلى، انتقد عدد من القادة والنقابات تصريحات نتنياهو؛ فمثلا: قال رئيس الاتحاد العمالى إن «المجتمع الإسرائيلى «مرهق» ويستحق السلام. نُوجّه الاتهامات لنتنياهو بأنه يطيل حالة الحرب لحماية موقعه السياسى وتفادى المحاكمات، بينما يستمر تزاوج حكومته مع أقصى اليمين محليًا ودوليًا».

معلومة إضافية، يرى عدد من النقاد أن خطاب نتنياهو الذى يحمّل دولا وأقليات إسلامية المسئولية عن العزلة الإسرائيلية يذكرهم بنظريات مؤامرة، خصوصا فى الوقت الذى يدعو فيه بعض الأصوات اليمينية إلى حرب دينية طويلة رغم تكاليفها الاقتصادية والاجتماعية.

• • •

وفى جريدة هاآرتس الإسرائيلية، علق الكاتب زيف بارئيل على خطاب بنيامين نتنياهو فى مقاله المنشور، بعنوان «بقاء إسبرطة الإسرائيلية يعتمد على حالة حرب دائمة»، موضحا: دافع نتنياهو وراء الإصرار على استمرار الحرب تحت أى ثمن وهو ضمان البقاء فى السلطة، حتى لو أدى ذلك إلى تدمير إسرائيل وتحويلها إلى «دولة مستعمرات» تسيطر على غزة والضفة وجنوب لبنان وغرب سوريا.

• • •

إلى جانب ذلك، انتقد الكاتب دان بيرى فى مقاله المنشور فى جريدة «Forward»، بعنوان «محاولة نتنياهو لتصوير إسرائيل كـ «إسبرطة عظمى» هى بمثابة رغبة فى الموت البائس «رؤية بنيامين نتنياهو لإسرائيل كـ«سوبر إسبرطة» منعزلة وعسكرية، معتبرًا أنها ستقود إلى كارثة تمحو الإنجازات التى جعلت إسرائيل جاذبة للهجرة والاستثمار والابتكار.
يحذر الكاتب من أن إسرائيل لا تستطيع الاكتفاء الذاتى اقتصاديًا، فهى تعتمد على استيراد الطاقة والمواد الخام وتعتمد صادراتها على قبول العالم بالتعامل معها. فتبنى نموذج «إسبرطة» سيعنى عزلة دولية، وانهيار الاقتصاد، وفقدان دعم يهود أمريكا، ومقاطعات متزايدة، وهجرة العقول المبدعة التى صنعت «أمة الشركات الناشئة».

يخلص الكاتب إلى أن إسرائيل كانت أقرب إلى «أثينا» المنفتحة منها إلى «إسبرطة» العسكرية القمعية، وأن السير وراء نتنياهو سيقضى على إرثها الإبداعى. لكن كما انتصرت أفكار أثينا على إسبرطة قديمًا، يأمل أن يتخلّص الإسرائيليون من نتنياهو ونظامه لتعود أيام أفضل.

• • •

على نحوٍ مشابه، كتب إيرن شلو فى مقاله المنشور فى صحيفة يديعوت أحرونوت بعنوان «سوبر إسبرطة.. أمة الشركات الناشئة» أنّ الأصل فى الاجتماع البشرى التعاون، والعلاقات المتبادلة بين الأفراد ضرورة بشرية، فما بالك بالأمم الحديثة التى يستحيل أن تُقام دون علاقات دولية تعاونية تبادلية مع مثيلاتها. فقديمًا، قبل معرفة الإنسان بالزراعة، كان البشر يعيشون فى مجتمعات صغيرة معزولة قائمة على الصيد، إنما بعد الانتقال إلى الزراعة والحضارات المعقدة أصبح الحديث عن العيش فى عزلة من قبيل الهراء. حلم الاكتفاء الذاتى الذى يطمح له رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو غير واقعى بالمرة، وهو شديد الخطورة ومخيف، لأن العالم حاليًا سمته العولمة، أى عمليات متزايدة من الترابط بين الدول والشركات والمؤسسات والتكتلات فى جميع أنحاء العالم. وتتجلى العولمة فى تدفق المعلومات والأخبار والثقافة والصناعة وكل شىء، ففكرة أن تفرض دولة عزلة على نفسها وتكتفى ذاتيًا غير منطقية، لأن فى حقيقة الأمر لا توجد دولة تستطيع إنتاج سلعة من الألف إلى الياء بمفردها، حتى فى أكبر الاقتصادات. يرغب نتنياهو فى تصنيع الأسلحة محليًا دون الاعتماد على أى دول أخرى، وهذه رغبة يوتوبية، لأن إسرائيل تعتمد اعتمادًا كاملًا على استيراد المواد الخام كالمعادن والسبائك اللازمة لصناعة الأسلحة، بالإضافة إلى حاجتها إلى أنظمة توجيه ومناظير تلسكوبية ووسائل للرؤية الليلية وغيره وغيره. إذا حاولت إسرائيل أن تتحول إلى اقتصاد أوتاركى (مغلق على ذاته) ستواجه عدة مخاطر تمس وجودها، فهى دولة صغيرة فقيرة بالموارد الطبيعية وتعتمد على استيراد المواد الخام لصناعة التكنولوجيا المتقدمة. وفى ظل فرض عزلة متزايدة سترتفع الأسعار وينهار الاقتصاد، خاصة مع مقاطعة الجامعات العالمية ومراكز الأبحاث لإسرائيل، وهو ما تعانى منه الدولة العبرية حاليًا لأنه يبطئ التقدم والتطور العلمى. وهناك إنذارات مبكرة حيث يتوقع الاقتصاديون أن ينكمش الاقتصاد الإسرائيلى بنسبة ٤.٩٪ للفرد فى الربع الأخير من عام ٢٠٢٥، وسيكون له أثره على الحياة اليومية للإسرائيليين، فإسرائيل تستورد اليوم جزءًا كبيرًا من غذائها وسلعها الاستهلاكية، بدءًا من الحبوب الأساسية مثل القمح والأرز، وصولًا إلى السيارات والأدوية والقهوة. ناهيك عن احتمالية ضعف وضعها العسكرى وعدم قدرتها على مواصلة الدفاع عن نفسها بسبب وقف استيرادها للأسلحة والمواد الخام اللازمة من الخارج. ولا شك أنّ جميع هذه الإجراءات سيصاحبها عزلة دبلوماسية أيضًا، أى مقاطعة من جميع دول العالم، مما سيترك إسرائيل تواجه خصومها وحيدة.

لذا دعا الكاتب إلى محاربة حلم نتنياهو فى أن تكون دولته إسبرطة فى الشرق الأوسط، لأنه بمثابة انتحار جماعى للإسرائيليين، وسيقوّض للأجيال القادمة ما سماه نتنياهو فى أواخر التسعينيات «مكانًا تحت الشمس».

خلاصة القول، إن رؤية نتنياهو لتحويل إسرائيل إلى «سوبر إسبرطة» ليست سوى مشروع خطير يهدد وجودها على المدى الطويل، فهى تدفعها نحو عزلة خانقة، وانهيار اقتصادى، وتفكك اجتماعى داخلى، فضلًا عن تآكل ما تبقى من صورتها الديمقراطية. فالتاريخ يُظهر أن المجتمعات التى تبنّت نموذج إسبرطة العسكرى المغلق انتهت إلى الفناء، بينما المجتمعات المنفتحة التى قامت على التبادل والتعاون والإبداع هى التى تركت بصمتها فى الحضارة الإنسانية.

إعداد: وفاء هانى ورقية السيسى

النصوص الأصلية:
• هاآرتس


https://tinyurl.com/4z5bu74e


https://tinyurl.com/3fh5cjp3


• ذا جارديان


https://tinyurl.com/4sb73w33


• Forward


https://tinyurl.com/2hzdzfhr


• يديعوت أحرونوت


https://tinyurl.com/5av2wt9t

قضايا إسرائيلية قضايا يهودية
التعليقات