نشر المركز الفلسطينى للدراسات الإسرائيلية (مدار) مقالًا للكاتبة شيرين يونس، تعرض فيه المشهد السياسى الإسرائيلى المعقد فى أعقاب حرب غزة، مع التركيز -بشكل خاص- على محاولات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لضمان استقرار حكومته وتحديد موعد الانتخابات المقبلة فى ظل خلافات داخلية حول أهداف الحرب، وقوانين التجنيد، وقضايا الفساد، ومستقبل الائتلاف.. نعرض من المقال ما يلى:
لم ينقشع غبار الحرب تماما فى قطاع غزة الذى لا يزال يعد شهداءه ويحصى جرحاه ومفقوديه ويتفقد أهله المبانى التى دمرتها حرب العامين. وفى إسرائيل لا يزال النقاش محتدمًا بل زاد حدة بشأن ما حققته هذه الحرب من نتائج وهل بلغت الأهداف التى أعلنتها الحكومة.
لا تزال هناك بعض الجهات الإعلامية والسياسية فى إسرائيل التى تشير إلى مخاوف من قرار العودة إلى الحرب فى حال أدار ترامب ظهره للمنطقة وانشغل فى ملفات أخرى أو إن وجد نتنياهو بتلك العودة وسيلة تزيد استقرار ائتلافه وأيام حكومته. ويرى هؤلاء أن عدم إعادة جثث المحتجزين الإسرائيليين من قطاع غزة دفعة واحدة قد يكون أحد دوافع نتنياهو لاستئناف التوتر، غير أن وسائل إعلام كانت قد نشرت أن الجيش والأجهزة الأمنية أوصت الحكومة باستخدام الطرق الدبلوماسية لتجاوز «أزمة الجثث».
بكل الأحوال فإن أداء رئيس الحكومة الإسرائيلية فى الأيام التى أعقبت زيارة الرئيس الأمريكى إلى المنطقة يوحى بأن الرجل يستعد لكل السيناريوهات بما فيها إطالة أمد حكومته الحالية بقدر الإمكان وإعادة الأحزاب الدينية المحتجة إلى صفوفها. فنتنياهو الذى يقال إسرائيليًا وتوضح تصريحات دونالد ترامب أن الاتفاق فرض عليه بات يتحول نحو استغلال كل مراحل الاتفاق لترتيب أوراقه السياسية، خاصة أن خطة ترامب تسعى لتوسيع إطار اتفاقات التطبيع بين إسرائيل وعدد من الدول العربية والإسلامية.
ويكثر رئيس الحكومة الإسرائيلية فى الأيام الأخيرة الحديث عن وحدة الإسرائيليين، وضرورة تثبيتها بعد الحرب، كما يحاول مخاطبة الشارع من خلال خطوات من شأنها أن تزيد شعبيته كزيارة المحتجزين الذين أفرجت حماس عنهم أو الاتصال بذوى الموتى. كما أنه سعى ووزير الدفاع إلى تغيير الاسم الإسرائيلى للحرب على غزة من «السيوف الحديدية» إلى حرب «الانبعاث» أو «النهوض»، وهو بهذه الخطوات يحاول تعزيز رواية الانتصار الإسرائيلى على حماس مستعدًا بذلك للانتخابات المقبلة. فمع افتتاح الدورة الشتوية للكنيست يكون العد التنازلى للانتخابات قد بدأ ليبقى السؤال هل ستعقد فى موعدها المحدد فى أواخر أكتوبر المقبل أم أن إسرائيل ستشهد انتخابات مبكرة؟
• • •
ما من إجابة واضحة حقا لهذا السؤال، فهى تتعلق بعوامل كثيرة نعدد بعضها كما وصفها مراقبون إسرائيليون:
تقول الصحافية دافنا ليئيل، مراسلة الشئون السياسية فى القناة الثانية عشرة الإسرائيلية، إن ائتلاف نتنياهو بشكله الحالى قد لا يشهد مزيدا من الانسحابات خاصة من جانب حزبى بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير اللذين لم يعد لديهما "مصلحة" انتخابية بالانسحاب خاصة أن الاتفاق أعاد المحتجزين الأحياء دفعة واحدة ورتب من جانب رئيس أمريكى مقبول على أروقة اليمين. وتتابع ليئيل قراءتها بالقول إن بن غفير وسموتريتش قد يلجآن بين وقت لآخر إلى اتهام الحكومة ورئيسها بالتراجع أو الضعف أمام حماس لكنهما لن يذهبا باتجاه الانسحاب من الائتلاف فى المرحلة الحالية.
فى المقابل يسعى نتنياهو فى الأشهر المتبقية لولاية الكنيست الحالية لتشريع قوانين تزيد سيطرة السلطة التنفيذية وتقلص دور الجهاز القضائى وتتدخل حتى فى وتيرة محاكمة نتنياهو نفسه فى قضايا الفساد التى يتهم بالضلوع فيها إلى جانب تجنب تشكيل لجنة تحقيق رسمية فى أحداث السابع من أكتوبر 2023 وإخفاق الحكومة والأجهزة الأمنية والعسكرية بالتنبؤ بها والتعاطى معها لحظة وقوعها.
• • •
فى مقابل مواقف بن غفير وسموتريتش التى رافقت تحليلات استمرار الحرب على غزة، تعود الأحزاب الحريدية شاس ويهدوت هتوراة التى انسحبت من الائتلاف لكنها أبقت على دعمها له، إلى الواجهة فى ظل الأزمة المستمرة حول قانون إعفاء الحريديم من التجنيد الذى تصر تلك الأحزاب على تمريره.
وقبل أيام أعلن رئيس لجنة الخارجية والأمن البرلمانية النائب بوعاز بيسموت، أنه سيقدم أفكارًا رئيسة ووثيقة مبادئ لقانون «الإعفاء من التجنيد» تعرض على الكنيست للبحث، وسط تساؤلات عما إذا كانت سترقى للمستوى الذى يطالب به الحريديم من ناحية ويمكن أن تتجاوب مع روح ما أقرته المحكمة العليا بشأن قانون التجنيد من ناحية أخرى. وبهذا الصدد يتساءل المعلق السياسى فى صحيفة هآارتس يوسى فيرتر عن أهداف بيسموت - نتنياهو من هذه الوثيقة «غير المدروسة»، وهل تسعى لإغراء نواب شاس ويهدوت هتوراة بالعودة إلى الحكومة أم خلافًا لذلك لإثارة أزمة ائتلافية مع الأحزاب الدينية والتوجه إلى انتخابات يكون عنوانها «قانون التجنيد» بدلًا من نتائج الحرب على غزة؟
• • •
يعتمد استقرار الحكومة فى المرحلة المقبلة أيضا على إمكانية تمرير الموازنة العامة فى إسرائيل، إذ ينص القانون على إقرار الموازنة قبل نهاية مارس وحل الكنيست فى حال تجاوز الموعد من دون إقرارها والتوجه لانتخابات مبكرة. ومما هو واضح أن الموازنة المقبلة بالذات ستخضع للكثير من النقاش وربما الابتزازات من جانب أحزاب الائتلاف (خاصة الحريدية فى حال لم يتم التوافق على صيغة بشأن قانون التجنيد)، كما أنها قد تشهد تضخمًا واضحًا فى موازنة الأمن بعد الحرب على غزة.
ذكرنا فى سياق موعد الانتخابات المقبلة ثلاثة عوامل أساسية تؤثر فى هذا الموعد من ناحية بنيامين نتنياهو (الموازنة، الحريديم والأحزاب اليمينية المتطرفة)، وفى الحقيقة أن جميعها يؤخذ بعين اعتبار نتنياهو وفق وضعه السياسى وفرصه فى تشكيل الحكومة المقبلة، لكن الأهم أن هناك مزيدًا من القضايا التى باتت تناقش فى الأروقة الإعلامية بشكل خاص كعوامل من شأنها أن تحدد شكل المرحلة المقبلة والتحديات التى تواجهها إسرائيل وحكومتها.
• • •
تدرج صحيفة «يسرائيل هيوم» وغيرها من وسائل الإعلام ملفات الفساد التى يبدو أن نتنياهو ضالع فيها خاصة «ملف 1000» المعروف بملف الهدايا ضمن القضايا التى يأخذها نتنياهو بالحسبان فى الاستعداد للمرحلة المقبلة، وتقول الصحيفة إن أى تقدم أو تباطؤ فى هذه القضايا أمام القضاء سيؤثر فى اعتبارات نتنياهو. فى المقابل تقول «هآارتس» إن الطلب المباشر الذى تقدم به الرئيس الأمريكى خلال خطابه فى الكنيست بمنح عفو رئاسى لنتنياهو فى ملف السجائر والشمبانيا سيكون له دور فى تحديد شكل المرحلة المقبلة، خاصة أن الصحيفة تنصح الرئيس الإسرائيلى بعدم الاستجابة لهذا الطلب إلا فى حال أعلن نتنياهو تحمله المسئولية عن هذه الملفات والتزم اعتزال الحياة السياسية.
لا تقل أهمية الأوضاع الاقتصادية السيئة التى أدت إليها حرب العامين فى إسرائيل والتوقعات بأن نتنياهو سيبحث عن صيغ «مرضية» لشرائح واسعة من المجتمع الإسرائيلى ضمن موازنة العام المقبل والسياسة الاقتصادية للحكومة ما بعد الحرب.
أما الشرخ المتواصل فى المجتمع الإسرائيلى والذى بدأ خلال محاولة الانقلاب القضائى قبل أحداث السابع من أكتوبر وتعزز طوال الحرب، فيعد جانبا من جوانب التحديات التى تواجهها إسرائيل عمومًا وحكومة نتنياهو بشكل خاص، لا سيما أن ذلك التصدع قد يزداد مع بدء المطالبة الجدية بلجنة تحقيق رسمية تتقصى فى حيثيات الحرب وتحمل الحكومة المسئولية عن اخفاقاتها. فى هذه المرحلة ما هو واضح أن الحكومة الحالية لن تسعى إلى تشكيل مثل هذه اللجنة بل ستتصدى لها بكل الطرق، لكن أى حراك شعبى يدعم تشكيل اللجنة من شأنه أن يؤثر أولًا فى حالة المجتمع الإسرائيلى وكذلك فى التفاعلات داخل الحكومة.
وسط كل هذه القضايا، لا يزال المشهد السياسى المقبل فى إسرائيل ضبابيًا يعززه تفاوت الخلاصات الداخلية بشأن الحرب وعدم قدرة المعارضة البرلمانية على بناء بديل واضح لبنيامين نتنياهو فى المرحلة المقبلة، بعد أن تماهت هذه المعارضة مع سياسة نتنياهو حيال قطاع غزة وبقى صوتها خافتًا أمام حالة تراجع صورة إسرائيل وسط المجتمع الدولى.
النص الأصلى:
https://tinyurl.com/yf8f2tb6