ترامب من جديد - مصطفى الفقي - بوابة الشروق
السبت 14 ديسمبر 2024 7:00 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ترامب من جديد

نشر فى : الإثنين 18 نوفمبر 2024 - 6:40 م | آخر تحديث : الإثنين 18 نوفمبر 2024 - 6:40 م

يعود دونالد ترامب إلى البيت الأبيض على حصان أحمر كفرسان الأساطير، وقد سئلت فى أحد البرامج التليفزيونية قبل الانتخابات الأمريكية بأسبوعين أو أقل عن توقعى لاسم الرئيس القادم هل هو ترامب أم كامالا هاريس نائبة الرئيس الذى سوف يرحل عن البيت الأبيض جون بايدن بكل ما له وما عليه، وكانت إجابتى سريعة وقاطعة أننى أظنه دونالد ترامب مرة أخرى، يومها لمعت عينا المحاور أمامى بشىء من الشك ومزيد من الدهشة، ولم يكن ذلك بالطبع نتيجة ضرب الودع أو فتح المندل كما يقولون، إنما كانت حساباتى مبنية على عدد من العوامل التى رجحت كفّة ذلك الأمريكى الشرس نسبيًا والجسور أحيانًا لكى يعود إلى المكتب البيضاوى مرة ثانية بعد غياب أربع سنوات خسر فيها الانتخابات أمام جون بايدن عام 2020، ولقد لاحظت منذ سنوات أن الشخصية الجدلية التى ملأت الدنيا، وشغلت الناس هى نموذج أمريكى لصورة رعاة البقر فى الأفلام القديمة، فالرجل لا يحترم القواعد ولا يلتزم بالحدود، لكنه يتصرف وفقًا لمزاجه الحاد وشخصيته العنيفة، ولقد لاحظت أنك إذا شاهدت مجموعة من الأمريكيين يتابعون مشاجرة بالأيدى بين شخصين فإنهم لا ينحازون إلى الأضعف المضروب لكن يتحمسون للضارب الشرس القوى، ويصيحون «اضربه اضربه»، لأنهم يعتقدون أن القوة هى المظهر الحقيقى للنفس البشرية وليست العدالة ولا الشرعية بأى حال، وترامب يرضى هذا النموذج الأمريكى تمامًا ويتوافق مع منطق القوة ولا يعنيه كثيرًا مفهوم العدالة، ولذلك فإن شهيته مفتوحة لمصادر القوة المادية وتراكمات الثروة لدى الشعوب الأخرى تحركه الأطماع ويقوده غرور السلطة واضعين فى الاعتبار أن صلاحيات الرئيس الأمريكى -أى رئيس- هى من أقوى الصلاحيات لحاكم على الأرض، فالنظام الأمريكى نظام رئاسى ورغم التوازنات بين مؤسسات الدولة فإن موقع الرئيس يبقى متفردًا ومؤثرًا فى كل الأحوال، ولعل ذلك كله يفسر الاهتمام الدولى على المستويين الرسمى والشعبى للانتخابات الرئاسية الأمريكية التى كانت أحد الشواغل ليس بين النخب فقط ولكن بين الاتجاهات الشعبوية أيضًا حول القادم الجديد إلى سدة الرئاسة فى الولايات المتحدة الأمريكية، ومع ذلك كله فإننى أجتهد بالقول إن ترامب سوف يختلف هذه المرة عن فترة رئاسته الأولى لأسباب عديدة يقع فى مقدمتها تزايد جرأته فى مدة رئاسته الثانية عن الأولى إذ لن يكون محتاجًا إلى التصويت عليه مرة أخرى فى انتخابات رئاسية قادمة، كما أنه قد وعى الدرس وأدرك أن كثيرًا من معاونيه فى الرئاسة الأولى انقلبوا عليه، ولم يناصروه فى أزماته بل أصدروا الكتب وأسرفوا فى التصريحات عندما توهموا أنه لن يعود إلى السلطة مرة أخرى، ولعلى أطرح هنا بعض التوقعات -والتوقعات فى علم السياسة مخاطرة محسوبة- لأن الخطوط العريضة للرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى رئاسته القادمة سوف تدور حول عدد من المحاور ألخصها فيما يلى:

أولًا: إن المقارنة بين ترامب وبين هاريس وأى مرشح أمريكى آخر تجاه القضية الفلسطينية هى مغالطة كبرى، لأنه لا ترامب ولا بايدن ولا أى رئيس أمريكى آخر سوف يخرج عن الخط العام القائم على الانحياز المطلق لإسرائيل والذين يتحدثون عن بعض مواقف إيزنهاور وتصريحات جون كيندى إنما يغفلون عامل الزمان وطبيعة الظروف فى ظل الحرب الباردة وحركة الاستقطاب الدولى التى كانت واضحة فى ذلك الزمان، فإيزنهاور كان يسعى أن ترث الولايات المتحدة النفوذين البريطانى والفرنسى فى الشرق الأوسط، لذلك رفع شعار مبدأ إيزنهاور، وتحدث عن نظرية الفراغ، أما جون كيندى فقد كان يتوهم أن باستطاعته حل الصراعات الكبرى بتصرفاته الهادئة وشعبيته الدولية الكبيرة، وكانت نتيجة ذلك رصاصات من بندقية بتليسكوب على موكبه من أحد المبانى فى مدينة تكساس، ولذلك فإننى أقول صراحة إنه لن يأتى رئيس أمريكى عادل يؤمن بالحقوق الفلسطينية إيمانًا صادقًا ولن يكون لأى منهم نظرة إيجابية للعرب إلا ما يتصل منها بأطماعهم فى الثروة وحرصهم على الدفع بالادعاءات المتتالية لإرهاق نظم الحكم العربية -بحق أو بغير حق- حول قضايا الحرية والتجاوزات فى حقوق الإنسان بينما يغامر الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بالعبث الدائم فى الصراع العربى الإسرائيلى، وأنا أقول هنا إنه لا فائدة من مواقف رسمية عادلة للدول الكبرى وفى مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية ما دام التنظيم الدولى لايزال على حاله محتميًا بحق الفيتو، حيث تظل نتائج الحرب العالمية الثانية سيفًا مسلطًا على المجتمع الدولى، دون اهتمام بحقوق الشعوب التى تحررت والأمم التى استيقظت والإنسانية التى تعبر إلى مشارف عالم جديد مختلف تمامًا بينما لا يزال جوهر النظام الدولى على ما هو عليه!

ثانيًا: يتوهم ترامب حاليًا أن باستطاعته حل المشكلات الدولية والنزاعات الإقليمية بأيسر الطرق وهو أمر يدعو للدهشة، إذ أن القادم الأمريكى للبيت الأبيض يتصور أن الحالة الجديدة التى صنعها وصوله إلى كرسى الرئاسة الأمريكية سوف تكون عونًا له فى صنع كاريزما من نوع خاص تجعله قادرًا على إدارة الأمور، وقد يكون هذا صحيحًا، لكن إدارة الأمور أمر وحل الصراعات أمر آخر، وأظن أنه سوف يكون امتدادًا للمدرسة الأمريكية فى إدارة الصراعات دون حسمها، وعلى سبيل المثال فإننى أتوقع عودته إلى مشروع صفقة القرن رغم أن العرب والفلسطينيين خصوصًا قد رفضوه واعتبروه التفافًا حول حقوقهم ومناورة مكشوفة لتصفية القضية الفلسطينية وإجهاض الزخم الدولى المناصر لها خصوصًا بعد الحرب على غزة والتدخل فى لبنان وضرب الضاحية الجنوبية وما حولها، وهنا لا بد أن أؤكد أن نوايا إسرائيل أصبحت مكشوفة، فالبرنامج التاريخى لمشروع تيودور هرتزل الذى تجسد فى مؤتمر بازل 1897 يجد الآن بيئة حاضنة لم تكن متاحة من قبل، ولعل الخريطة التى تباهى بها سفاح غزة نتنياهو هى خير دليل على صحوة ذلك المشروع المكتوم للقضاء على الشعب الفلسطينى وسرقة وطنه والعدوان على شعبه فى عنصرية واضحة وإجرام لا يخفى على أحد.

ثالثًا: أحسب أن ترامب سوف يركز فى هذه الفترة أكثر على الحرب الروسية الأوكرانية باعتبارها خطرًا أوروبيًا، كما أن علاجها وإيقاف الحرب فيها يفتح له أبواب عدد من العواصم وليس موسكو وحدها، إذ إن بكين وبيونج يانج وغيرهما يمكن أن تتجاوب مع جهوده فى هذا الشأن وتسمح له بأن يقود مسيرة سلمية تحقق نجاحًا نسبيًا فى فترة رئاسته، ولذلك فإننى أتوقع أن الحرب الروسية الأوكرانية مرشحة للحلحلة أكثر من الصراع الدامى فى الشرق الأوسط الذى لم تلتئم جراحه ولم يتوقف نزيف الدم فيه، وما زلنا نسمع صراخ الأطفال الذين استهدفهم جيش الاحتلال الإسرائيلى متعمدًا القضاء على الأجيال القادمة على أرض فلسطين المسروقة والمحروقة أيضًا، وقد يغازل ترامب السلطة الفلسطينية ببعض العبارات المعسولة والوعود الكاذبة لتسكين الموقف وشراء فترات زمنية قادمة تسمح له بأن يتحدث عن إنجازات وهمية ونجاحات غير منظورة. إننى متأكد أن ترامب سوف يبيع الوهم فى المائة يوم الأولى من رئاسته ثم يكرس الأيام الباقية للمضى فى تبرير ما يفعل وانتقاد من يعارض مع مزيد من التخويف الإسرائيلى والإرهاب الموروث لديهم تجاه الشعوب العربية، وفى مقدمتها فلسطين.

هذه هواجس مشروعة نرددها بين أنفسنا حتى الآن حول سياسات الرئيس الجديد لا نصادر عليه ولا نسبق الأحداث، لكننا نفتح قلوبنا وعقولنا لما هو قادم.

التعليقات