كيف يفكر حكام إسرائيل؟ - مصطفى الفقي - بوابة الشروق
الأربعاء 24 سبتمبر 2025 12:08 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

برأيك.. من البديل الأنسب لـ ريبيرو في النادي الأهلي؟

كيف يفكر حكام إسرائيل؟

نشر فى : الإثنين 22 سبتمبر 2025 - 7:30 م | آخر تحديث : الإثنين 22 سبتمبر 2025 - 7:30 م

اتسمت تصرفات اليهود تاريخيًا بقدر كبير من المهارة وقسط وافر من الدهاء، وظل الأمر كذلك فى مواجهة الدول الأوروبية وبعض الأقطار الشرقية إلى أن بدأت أطماعهم فى وطن قومى جرى تصنيعه وتخليقه وفقًا للأكاذيب التاريخية والافتراءات الدينية وتمكنوا من الاعتماد على ركيزة تختلف من عصر إلى عصر، ولقد اعتمدوا فى البداية على الدولة العثمانية فلم يتحقق مرادهم فاتجهوا مباشرة إلى الدول الغربية بعد مؤتمر بازل مع نهاية القرن التاسع عشر ووجدوا ضالتهم فى بريطانيا صاحبة الانتداب على أرض فلسطين الموعودة وتمكنوا فى النهاية من الحصول على وعد بلفور الذى قال فيه جمال عبد الناصر ضمن رسالته إلى الرئيس الأمريكى الراحل جون كيندى أنه «وعد ممن لا يملك لمن لا يستحق».
ومضت الأمور بتنفيذ اتفاق سايكس بيكو وجرى تقسيم المنطقة فى وقت كان اليهود فيه نشيطون للغاية من أجل تحقيق هدفهم المنشود، فتوافدت قوافل المهاجرين إلى أرض الميعاد وتعددت المواجهات مع عرب فلسطين وبدأ اليهود يمارسون تقاليدهم المعروفة بالترهيب تارة والترغيب تارة أخرى حتى تزايدت نسبة وجودهم على أرض فلسطين ورغم ثورات العرب والفلسطينيين فى ثلاثينيات القرن الماضى وأربعينياته فإن اليهود تمكنوا فى النهاية من رفع نسبة وجودهم فى الأرض الفلسطينية حتى قامت دولة إسرائيل بعد قرار التقسيم الذى أكد اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين بدولة إسرائيل الصهيونية، وظلت إسرائيل تعيش على وهم اخترعته ثم صدقته ومؤداه أن العرب يريدون إلقاء إسرائيل فى البحر وأن مصر عبد الناصر تقود حينذاك حملة إعلامية تسعى لتدمير صورة إسرائيل وتحجيم انتشارها خصوصًا فى الشرق الأوسط وإفريقيا، ورغم أن شعار إسرائيل التقليدى (إن أرضك يا إسرائيل من الفرات) إلى النيل كان مطروحًا إلا أن الجميع لم يعطوه ما يستحق من اهتمام فإذا تلك هى خلفية الدولة الصهيونية لابتلاع الأرض وطرد أهلها وتغيير معالمها حتى يكون خروج العرب بلا عودة، وعندما تغيرت الأوضاع فى مصر منذ عام 1952 تغيرت لغة اليهود على الجانب الآخر الذى كان يمثل دور الحمل الوديع أمام الذئاب المفترسة على الجانب العربى، وخاضت مصر حروبًا شارك فيها أشقاؤها بدءًا من حرب 1956 عندما وقع العدوان الثلاثى بعد تأميم عبد الناصر لقناة السويس ثم كارثة عام 1967 بالهزيمة التى تعرض لها العرب وانتهت باحتلال أجزاء كبيرة من الأراضى الفلسطينية والأردنية والسورية والمصرية ولم تقم الولايات المتحدة الأمريكية فى ذلك الوقت بمناصرة العرب أو حتى استخدام لغة عاقلة وهادئة معهم، فانتهى الأمر بدخول جيش مصر حرب الاستنزاف الذى كان بحق نموذجًا للبسالة والقدرة على الفناء من أجل الأوطان حيث أبلى الجندى المصرى بلاءً رائعًا واختتم الأمر بحدوث المعجزة وعبور القوات المسلحة المصرية إلى الضفة الشرقية للقناة وانهيار الأسطورة التاريخية لجيش إسرائيل الذى لا يقهر.
يهمنى أن أسجل هنا أن الدولة العبرية فى تلك الفترة كانت حريصة على أن تمثل دور الدولة الشهيدة التى تريد أن تتعايش مع جيرانها ولكنهم يرفضون واستمرت ترفع شعار الوطن الضائع والشعب العائد إلى أن دخلت المنطقة فى أجواء السلام واستطاع اليهود اختراق معاقل القرار السياسى العربى وتحقق لهم ما أرادوه حتى وصلنا إلى ذلك الربيع المفقود وأعنى به الربيع العربى إذ لم يتمكن أحد من إدراك التصور الإسرائيلى لمستقبل الصراع القائم وتصورنا أو توهمنا أنهم يريدون التعايش مع الآخر ويسعون إلى التطبيع المتوازن ولكن الأمر كان على خلاف ذلك فقد كانت أهدافهم هى قضم أكبر قطعة من الأرض العربية فى فلسطين متحدثين صباح مساء عن السلام وكيفية تحقيقه ورغبتهم الشديدة فيه، وقد حاولت دول عربية أن تتعايش مع الأوضاع الجديدة وعلى سبيل المثال ما جرى عند زيارة بابا الفاتيكان لمصر وحديثه الرحب المتسامح عن دور مصر التاريخى فى رفع المعاناة عن دول المنطقة وتوفير البدائل لشعوبها، وقد بنى الإسرائيليون نظرتهم بعد ذلك على مفهوم ضيق لمصر يعادله على الجانب الآخر أطماع شديدة فى ثروات الخليج معتبرين أن المفتاح هناك هو المملكة العربية السعودية وهذا صحيح، ولكن المشهد تغير كثيرًا بعد السابع من أكتوبر عام 2023 والعدوان المستمر على غزة فى إبادة جماعية وحرب إجرامية ما زالت المنطقة تكتشف خطورتها وحجم آلامها خصوصًا وأن الشعب الفلسطينى الباسل قد أصبح مستحقًا عن جدارة لجائزة نوبل فى السلام التى يريد البعض منحها للإدارة المعادية للسلام فى واشنطن ونعنى بها إدارة دونالد ترامب.
وفى ظنى أن اليمين المتطرف الإسرائيلى والذى يتغطى بمسحة دينية ومكون رئيس فى التفكير الصهيونى المعاصر يستخدم جميع الأدوات وكل الأساليب لتحقيق أغراضه، فإسرائيل لا يهمها حاليًا صورتها فى الخارج ما دامت تعتمد على الولايات المتحدة الأمريكية من ناحية وبعض الداعمين فى مراكز الحكم واتخاذ القرار فى عدد من الدول الغربية، ولقد استخدم الإسرائيليون جميع الأوراق المتاحة وغير المتاحة ونجحوا نسبيًا فى تصوير الكفاح المسلح ضد الاحتلال على أنه نوع من الإرهاب بينما الإرهاب الحقيقى صناعة صهيونية وإنتاج إسرائيلى لا يختلف عليه حتى أولئك الذين يعادون العرب ولا يتحمسون للقضية الفلسطينية إلا أنهم يدركون فى الوقت ذاته أن ما تمارسه إسرائيل هو جرائم عنصرية ومحاولات إبادة الجنس البشرى بالقضاء الكامل على الفلسطينيين واقتلاع الشعب من جذوره التى نبت فيها منذ آلاف السنين، إنها بحق جريمة العصر وكارثة هذا القرن، والعجيب فى الأمر أن الإسرائيليين يكذبون دائمًا ثم يصدقون أكاذيبهم ويقنعون الداعمين لهم بأنهم الضحايا وأن المسألة اليهودية تلخص فى ذهنهم جريمة إنسانية كبرى ضد الشعب اليهودى فى كل مكان، ولم تتورع إسرائيل فى إلصاق التهم بغيرها وتحويل جرائمها إلى انتصارات وهمية، بينما يمارس نتنياهو دور أدولف هتلر بجرائم غير مسبوقة فى التاريخ البشرى، كما لو كان الفلسطينيون هم صانعو الهولوكوست ومدبرو الجرائم التى مارستها بعض الجماعات الأوروبية ضد الأقليات اليهودية فى أوروبا منذ العصور الوسطى، ونحن لا ننكر هنا أنه قد وقع عليهم ظلم فى مراحل معينة من التاريخ ولكنهم يقومون الآن بتصدير أضعافه إلى الشعب الفلسطينى صاحب الحق والأرض والتاريخ، حيث قام اليهود بأكبر عملية تشويه صاخب لتصوير مأساة الفلسطينيين على أنها ليست جزءًا من كفاحهم المسلح ضد الاحتلال الذى هو السبب الرئيس والأصل الحقيقى فى كل ما جرى ويجرى فى الشرق الأوسط على امتداد العقود الثمانية الأخيرة. ونحن نلاحظ حاليًا بوضوح أن القرار السياسى وبالتالى العسكرى هو إفراز لعقلية محمومة ونفسية دموية شرهة لأن قتل الأطفال وتجويع الصغار والكبار والمزيد من الدمار إنما تعكس فى مجملها مشاعر عدوانية ربما هى غير مسبوقة فى التاريخ الحديث، فتفكيرهم يقوم على الغطرسة وتطبيق سياسة القهر والعقاب الجماعى وتصدير خطاب الكراهية الذى سوف يبقى فى ضمير الأجيال ما بقى الشعب الفلسطينى حيًا وما ظلت إرادته متماسكة وإيمانه مطلقًا وتمسكه ثابت بأرضه وحقه، ولن يدوم ترامب إلى الأبد ولن يبقى نتنياهو على المسرح السياسى يعربد وحده فالتاريخ يعلمنا أن التعصب والعنف والعدوان هى مظاهر عابرة لا تستمر طويلا خصوصا وأن صمود الشعب الفلسطينى فى العامين الأخيرين تجاوز حدود الممكن وبدا لكل ذى عينين أنه ماضٍ فى طريقه يواصل الجهاد المقدس دفاعًا عن شرف العروبة والإسلام ويلخص الإرادة الحرة للشعوب المقهورة فى كل مكان. إن إسرائيل قد نجحت فى تصوير دولتها العنصرية العدوانية كفزاعة لشعوب الشرق الأوسط والعالمين العربى والإسلامى نتيجة التصرفات الإجرامية غير المسئولة لحكامها حاليًا والطريقة الدموية التى يفكرون بها.

نقلا عن إندبندنت عربية

التعليقات