المقاومة والمفاوضة - مصطفى الفقي - بوابة الشروق
الثلاثاء 7 أكتوبر 2025 12:46 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

برأيك.. هل تنجح خطة الـ21 بندًا لترامب في إنهاء حرب غزة؟

المقاومة والمفاوضة

نشر فى : الإثنين 6 أكتوبر 2025 - 6:25 م | آخر تحديث : الإثنين 6 أكتوبر 2025 - 6:25 م

وقر فى ذهن الكثيرين أن الصراع بين قوتين إما أن يرتكز على المعارك المسلحة أو المفاوضات المطلقة مع التوقف الكامل عن إحداث ضغوط على الطرف الآخر، وفى ظنى أن كلا الحالتين لا تؤديان إلى نهاية للصراع أو حسم للمواجهة.

لقد أثبتت التجارب التى مرت بها الأمم والمحن التى اجتازتها الشعوب أن النصر لا يكون بالمعارك وحدها ولا بالدبلوماسية والمفاوضات دون غيرها، والأمر الذى لا مراء فيه هو أن الكفاح قد يكون مسلحًا ولكن تكتمل عناصره بالمفاوضات الموازية، فالمقاومة التى تتمسك بها الشعوب المناضلة لا تقتصر على العمل العسكرى أو حتى حرب العصابات دون غيرها، فالثورات المنتصرة والدول المستقلة قد حققت أمانيها بالعنصرين معًا إذ إن للسياسة كما يعلم الجميع وجهين، وجه عسكرى يعتمد على قوة الجيوش وكفاءتها تدريبًا وتسليحًا وتطورًا تكنولوجيًا، بينما هناك وجه آخر للعملة ونعنى به الجهود الدبلوماسية لدولة معينة أو جماعة قادرة على استخدام التفاوض بذكاء بحيث تمتلك مقومات النصر على الجانبين.

أقول ذلك بمناسبة التفاؤل الذى أقدمت عليه عدد من الدول العربية مؤيدة النقاط التى وضعها ترامب وأفكاره ومن حوله من الجانبين الأمريكى والإسرائيلى والتى جعلته يتباهى أمام العالم بأنه يملك مفاتيح السلام ويتجه ــ من وجهة نظره ــ  إلى استحقاق جائزة نوبل يرصع بها التواطؤ المكشوف الذى مارسه ويمارسه رئيس الولايات المتحدة الأمريكية استجابة للقاتل الإرهابى المدلل نتنياهو.

الأمر يكشف لنا كل يوم عن متانة العلاقة بين تل أبيب وواشنطن والتنسيق الكامل بينهما فى جميع المجالات وتبنى الإدارة الأمريكية الحالية أجندة إسرائيل بتفاصيلها، بل إنها تفتح أمامها الأبواب لكى يطل منها بنيامين نتنياهو على خريطة وهمية لإسرائيل الكبرى فى الشرق الأوسط بدعم من مساعديه وفى مقدمتهم صهره «كوشنير» حتى تبدو إدارة الرئيس ترامب إدارة كاشفة للسياسة الأمريكية وليست منشئة لها.

لقد تبنى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب كل آمال إسرائيل وتطلعات اليمين المتطرف فيها واتخذت سياساته منحى جديدًا يفضح بشكل كبير الانحياز الأمريكى المطلق للحركة الصهيونية وسياسة إسرائيل التوسعية العدوانية العنصرية، وفى هذه الظروف الصعبة والأوضاع المعقدة يصبح أمام العرب خريطة سياسية واضحة تختلف عن كل ما تداولناه فى الماضى، إذ إن قراءة الحاضر تتأرجح بين ملفاتٍ سياسية اقتصادية وأخرى استراتيجية عسكرية، دعنا نطرح بعض الملاحظات فى هذا السياق:

أولاً: نتوهم دائمًا فى الإقليم العربى أن العلاقات بين الدول خصوصًا المتجاورة تقوم على واحد من دعامتين إمام مواجهة عسكرية فى ميادين القتال أو تراشق سياسى باهت فى مجالات السياسة، ولكننا لم نتعلم أبدًا أن العلاقات بين الدول تقوم ــ صعودًا وهبوطًا ــ على عوامل متداخلة ليست بالضرورة خاضعة للتقسيم الحدى بين الحرب والسلام أو بين العمل العسكرى والنشاط الدبلوماسى، ولقد أثبتت تجارب الشعوب فى صراعات الدول المختلفة أنه يمكن استخدام الأمرين معًا.

لعل عبارة الزعيم الفلسطينى الراحل ياسر عرفات أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عندما صاح صيحته التاريخية (لقد جئتكم أحمل غصن الزيتون فى يد والبندقية فى يدى الأخرى، فلا تسقطوا غصن الزيتون من يدى) كان للدلالة على اختلاف بين النمطين من التعامل رغم أنهما يعملان معًا فى الحقيقة من أجل هدفٍ سياسى واحد، ويكفى أن ننظر إلى العامين الماضيين حيث تكفلت جرائم إسرائيل فى غزة بتغيير مواقف عدد كبير من الدول شعبيًا بل ورسميًا أيضًا، فقد أدرك الجميع أن إسرائيل ليست هى ذلك الحمل الوديع الذى يحيط به أعداء من الذئاب العربية، بل تيقن الكثيرون أن إسرائيل سرطان دولى ينهش فى كيان الشعب الفلسطينى بل والأمة العربية كلها، ولا شك أن الجهود الدبلوماسية التى جرى بذلها فى الحقبة الماضية هى المسئولة عن تحقيق النتيجة التى وصلت إليها القضية الفلسطينية اليوم وحقوقها الضائعة فى غمار السياسات الإسرائيلية التى تحترف الكذب والتزوير والتضليل فى الماضى والحاضر، كما تفعل حاليًا فى تغيير نصوص نقاط ترامب الإحدى والعشرين حيث عبثت حكومة تل أبيب بالنص الذى يشير إلى الانسحاب الإسرائيلى من غزة فأحالوه إلى وضع متدرج رغم حديث النقاط ذاتها عن الإفراج المباشر عن الرهائن الإسرائيليين، وليس ذلك جديدًا على إسرائيل التى احترفت تاريخيًا العبث بالنصوص وتشويه الاتفاقيات وتطويع السياسات الدولية لصالحها بالتزوير الكاذب حتى فى الوثائق الأمريكية!

ثانيًا:  تبدو نقاط ترامب مزيجًا من التعامل مع الأمور العاجلة والقضايا الآجلة، فهو يتحدث عن أمور وترتيبات سريعة لاتخلو من إيجابية للجانب العربى منها إسقاط أسطورة التهجير والكف عن أكذوبة الضم، وكلاهما كان ولا يزال يشكل عقبة كبرى أمام حل الدولتين الذى تناوله النص الترامبى فى آخر النقاط على نحو هامشى وبطريقة عابرة، وقد يكون ذلك لأن النقاط التى يتحدث عنها ترامب تتعلق بالحلين العاجل والآجل فى خلطٍ متعمد يعطى إسرائيل دائمًا اليد العليا فيما تفعل وما تقول. ونحن نرى بوضوح أن التفاوض أمر لابد منه لتسوية النزاعات والوصل إلى مراحلها النهائية، إذ إن مائدة المفاوضات هى المحطة الأخيرة لأى صراعات، ولنأخذ العلاقات المصرية الإسرائيلية نموذجًا لذلك، فقد استرد المصريون سيناء وطابا بكل الوسائل المتاحة عسكرية ودبلوماسية، فالحروب المصرية الإسرائيلية معروفة وكذلك اللجوء إلى الوساطة والتحكيم والمفاوضات غير المباشرة ثم المباشرة، وهى كلها تصب فى خانة العمل السياسى الذى يدعمه قوة عسكرية رادعة ليست بالضرورة هى الأداة العاجلة، بل قد لا تستخدم أبدًا ولكن وجودها يضيف إلى أسلحة الردع مهابة واهتمامًا.

ثالثًا: يتوهم بعض العرب أمام جبروت الآلة العسكرية الإسرائيلية أننا الأضعف وهم الأقوى، وذلك ليس أمرًا محسومًا فالفارق بين الانتصار التكتيكى والهزيمة المرحلية معروف جيدًا فى تاريخ الصراع العربى الإسرائيلى، ولقد كشفت أحداث الشهور الماضية أن القوى الكامنة لدى الجانب العربى والفلسطينى كبيرة رغم سقوط الشهداء والخسائر الفادحة التى تكبدها الشعب الفلسطينى الباسل وأهل غزة الأبطال.

كل ذلك يؤكد أن لدينا أوراقًا لم نحسن استخدامها ولم نتمكن من وضعها فى مكانها الصحيح، لذلك فإن مرحلة التفاوض القادمة –إذا صدقت النوايا– سوف تكون حاسمة وقاطعة لحل صراع طويل تعاقبت عليه الحكومات العربية والإدارات الأمريكية والظروف الدولية، وما زال مع كل ذلك عصيًا على الحل لأن الطرف الآخر يجيد أساليب الخداع والتعنت ويتخذ مواقف مضللة لا تتفق مع الحقيقة والواقع بل ولا التاريخ والماضى أيضًا.

رابعًا: إننا نتطلع إلى أن تكون نقاط ترامب بكل ما لها وما عليها مقدمة للالتزام الكامل من الطرفين بالسعى نحو الحل النهائى للصراعات القائمة فى المنطقة ووضع دولها فى المكان الطبيعى بعد طول معاناة فى صراع هو الأطول عمرًا فى عالمنا المعاصر والأشد قسوة على شعوبه خصوصًا الشعب الفلسطينى الذى دفع ويدفع فاتورة الدم عدة مرات ويقدم مواكب الشهداء طواعية.

ونحن نثمن التطورارت غير المسبوقة التى أدت إلى توافق مبدئى بين المقاومة الفلسطينية بما لها وما عليها وبين إسرائيل بتاريخها الطويل وسجلها الحافل لنقرر هنا أننا لأول مرة نشم رائحة الأمل فى مستقبل واعد بالسلام والاستقرار بعد سنوات طويلة من الصراع.

دعنا نتطلع فى ثقة وأمل إلى حياة أفضل لنا ولأجيالنا القادمة حتى يسود السلام أرض الديانات ومهبط الرسالات فى أجمل بقاع الدنيا كى تزول هذه الغمة وتنتصر الأمة داعين الله أن تزدهر بارقة الأمل لشعوب المنطقة بغير استثناء بالبعد عن العنف ونبذ المواجهات الدامية من أجل سلام عادل وشامل.

نقلا عن إندبندنت عربية

التعليقات