ترى هل يمكن محاسبة الأشخاص أو الجهات التى قامت بطمس التراث السينمائى الضائع على مدى 90 عاما فضاع التراث الثمين بين أغراض متعددة.. لقد اكتشفت هذه المصيبة أثناء مشاهدة نسخه فيلم «لست ملاكا» الناقصة، فمن الغريب أن تضيع أصول فيلم من الأفلام المشهورة تمثيل محمد عبدالوهاب، والغريب أنه الفيلم الأحدث فى تاريخه، فى الوقت الذى توجد لدينا النسخ الكاملة لأعماله الأخرى بحالة جيدة للغاية، أما فيلم لست ملاكا فقد ظل ضائعا أقصر من 40 عاما بعد ثورة يوليو، وقد كنت شاهدا على المجهود الذى بذلته إحدى الجمعيات للحفاظ على تراث السينما، لكن النسخة المستعادة كانت ينقصها بكرة كاملة في نهاية الفيلم, ولم ينتبه أحد إلى السبب الخفى أو المفترض وراء اختفاء الفيلم.
ما نكتبه هنا افتراض قد يكون بعيدا عن الحقيقة وقد يكون الواقع نفسه. هذا الواقع يتمثل فى قيام بعض الأشخاص أو المؤسسات بكشط وقص كل ما يخص تمجيد أسرة محمد على فى السينما، مثل الشطب باللون الأسود على صورة الملك فى كل الأفلام مثل غزل البنات والأسطى حسن وغيرها وعلى الناحية الأخرى تمت إزالة الأغنيات التى يذكر فيها اسم الملك فاروق فى افلام منها «الماضى المجهول» «حلاوتهم» و«ليلى بنت الفقراء» وغيرها فالفيلم الأخير مثلا كانت به أغنية تمجد الملك فاروق باعتباره القائد الأعلى بالجيش وقد اختفت هذه الأفلام دون أن نعرف الفاعل لكن الهدف واضح وهو التاكيد على أن مصر الحديثة بدأت فى يوليو 1952 ومشاهده فيلم «لست ملاكا»، بأحداثه السياسية والاجتماعية تجعلنا ندرك لماذا ضاع الفيلم ولماذا هذه البكرة بالذات..
هذا فيلم اجتماعى فى المقام الأول وعلى الرغم من أنه غنائى ملىء بالألحان الجميلة الشهيرة لمحمد عبدالوهاب التى غنتها معه نور الهدى ومطربة لا أذكر اسمها ومن المعروف الأفلام محمد عبدالوهاب تميل إلى اللون الكوميدى لكن القصه تحكى عن صاحب مصنع الأقطان فى شبرا يعمل به مئات العمال الذين ينتمون إلى الحى العريق، هذا الرجل اسمه حسن بك أبو الدهب يجسده سليمان نجيب، هذا الرجل يؤمن بالصناعه ومصالح العمال ويشجع المهندسين خاصة محمد رءوف الذى يكذب عليه ويدعى أنه المهندس ويقوم بتعيينه على الرغم من إنه محام بدافع الإيمان بتطوير المصنع، هذا الرجل وطنى مخلص يعترض على قيام مشرف العمال بفرض ساعات عمل إضافية دون أجر وذلك لتأليب العمال ضد هذا الرجل يقوم بتدبير مؤامرة لبيع المصنع الكبير خردة إلى أطراف أخرى وتحقيق مكاسب مادية لنفسه ولأعوانه فهناك محاولة بيع المصنع وتدمير الصناعة وطرد العمال.
محمد رءوف واقع فى غرام الفتاة يسرية الجميلة، ابنة صاحب المصنع ويتولى العمل فيما لا يفهم ويستعين بابن خالته المهندس مصطفى الذى لم يكمل دراسته فى الهندسة كى يقوم بإسعافه، وهذا هو ما يتضمنه الجزء الضائع من الفيلم حول الصراع بين رجل رأس ماله شريف وموظف إدارى يدبر خطة لتدمير المؤسسة الصناعية وبيعها ونحن فى حاجة إلى معرفة ماذا يتضمن هذا الجزء من الفيلم بالضبط وإلى أى حد يتطور الصراع باعتبار أن المشهد الختامى من الفيلم يبلغنا أن محمد رءوف تخلى عن وظيفته وعن حبه ليسرية من أجل أن يتزوج من ابنة خاله سعاد.. يبقى الفيلم لغزا حائرا للغاية هذه الفترة من الأربعينيات كانت السينما مهتمة كاثيرا بقضايا العمل والعمال فى افلام منها: «الورشة» «ابن الحداد» وغيرهما.
الغريب أن الملخص المتوافر حول قصه فيلم لست ملاكا يحكى فقط المشكلات العاطفية التى يعيشها الشاب المستهتر الذى تصارعت النساء من أجله ويظل الأمر مجهولا فيما يخص المصنع والصراع حول ملكيته وعلى كل فإن كل هذه المنافسات تؤكد أن الفيلم ضحية لمؤمرات حدثت له ويجب ألا نتوقف عن البحث فهناك مشهد من الفيلم عبارة عن حفل خيرى يقيمه رجل الصناعة لتشجيع صغار المزارعين وهو الذى عرف فيما بعد باسم الإصلاح الزراعى وفى هذا الحفل يقوم الأغنياء بالتبرع بمبالغ مالية من اجل هذا الهدف الوطنى.. الجدير بالذكر أن محمد كريم مخرج الفيلم عام 1946 كان قد انشغل بعمل كثير من الأفلام التسجيلية حول الصناعة والزراعة فى مصر بما يعنى أنه يعرف ماذا كان يدور فى هذا الشأن وأنه استفاد من هذه الأفلام لمزجها فى فيلمه السينمائى.. ابحثوا عن الأفلام الضائعة، فوراء كل فيلم حكاية يجب أن نعرفها.