نبيلة إبراهيم.. «حافظة» التراث الشعبى - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الأحد 15 ديسمبر 2024 5:57 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نبيلة إبراهيم.. «حافظة» التراث الشعبى

نشر فى : الجمعة 20 يناير 2017 - 10:05 م | آخر تحديث : الجمعة 20 يناير 2017 - 10:05 م
«السيرة أطول من العمر».. قول مأثور خالد من أهم ما تعلمناه فى دراستنا الجامعية، ألقاه علينا أساتذتنا الأجلاء من حفظة كنوز تراثنا الشعبى الذى لا يقدر بثمن، كانت هذه المقولة التى احتلت مكانها فى نفسى وعقلى نافذة واسعة على عالم رحب فسيح، اسمه «التراث الشعبى» بكل ما يتضمنه من حكم وأمثال وحكايات شعبية وسير ومواويل.. وروائع لا تنفد متعتها ولا حكمتها ومغزاها.

على يد العالم الجليل أحمد مرسى (متعه الله بالصحة والعافية)، والأستاذة الجليلة القديرة نبيلة إبراهيم التى غادرتنا قبل أيام وفقدنا برحيلها رائدة كبيرة المقام من رواد البحث والترجمة فى الأدب الشعبى والمأثورات الشعبية فى مصر والعالم العربى، اكتشفنا قيمة وخلود وعظمة تراثنا الشعبى وغناه ووفرة مستوياته الفنية وثراء معانيه ودلالاته الإنسانية، صحيح أننى كنت شغوفا بأدبنا الشعبى كمتلقٍ ومستمعٍ وقارئٍ ومشاهدٍ، لكننى لم أتعرف عليه بتفصيل وأتعمق مجاليه ورحابه إلا على يد هؤلاء الأساتذة العظام.

كانت الدكتورة نبيلة إبراهيم، عليها رحمة الله وجازاها خير الجزاء عما قدمت وعلمت وأنجزت، من أبرز أساتذة الفولكلور والأدب الشعبى فى الجامعات المصرية والعربية، وأنا ممن تتلمذوا على كتبها ودراساتها وعلمها الغزير أكثر مما تتلمذت عليها بشكل مباشر، وأدركت من أول كتاب قرأته لها أن ما خطته وترجمته هذه السيدة العظيمة «علم نافع» بالمعنى الدقيق والمباشر والحرفى للكلمة.

لأكثر من نصف القرن، وهى تمارس أدوارها الأكاديمية والثقافية فى مجال تخصصها بإخلاص وتبتل منقطع النظير. وعلى مدى مشوارها الأكاديمى العامر تركت من المؤلفات والترجمات ما يشهد بطول باعها وغزارة علمها ودأبها فى مجال تخصصها الذى عشقته وقدمت فيه إسهامات لا تنسى؛ الأدب الشعبى.

نبيلة إبراهيم التى حصلت على الدكتوراه من جامعة جوتنجن بألمانيا عام 1962 عن رسالتها القيمة «سيرة الأميرة ذات الهمة ــ دراسة مقارنة»، تتلمذت على يد جيل من أساتذة الأدب الشعبى الأفذاذ فى جامعة القاهرة، فهى تلميذة مباشرة للأستاذة سهير القلماوى، التى كانت بدورها تلميذة للعميد طه حسين. كما تتلمذت نبيلة إبراهيم، فيما أظن، (بصورة مباشرة أو غير مباشرة)، على يد الراحل العظيم عبدالحميد يونس.

استهلت نبيلة إبراهيم مشوارها العلمى والبحثى فى ستينيات القرن الماضى، مشوارا امتد لما يزيد على خمسة وخمسين عاما، أنجزت خلاله أعمالا رائدة وكتابات مرجعية وترجمات رصينة لكتب تعد من كلاسيكيات الدراسات الشعبية فى العالم كله. يكفى أن نشير إلى ترجمتها الرائدة لكتاب جيمس فريزر «الفولكلور فى العهد القديم» فى مجلدين كبيرين (صدرت الترجمة العربية للمرة الأولى فى عام 1972)، وهو مراجع الدراسة الفولكلورية ومناهجها وتطبيقاتها، وترجمتها كذلك لكتاب فريدريش فون ديرلاين عن «الحكاية الخرافية ــ نشأتها مناهج دراستها فنيتها»، ثم ترجمتها الرائعة لكتاب «الماضى المشترك بين العرب والغرب ــ أصول الآداب الشعبية الغربية».

تأليفا، تركت الراحلة الجليلة إسهاماتٍ رائعة حقا؛ كتبا وعددا وافرا من البحوث والدراسات المرجعية؛ منها كتابها العمدة «أشكال التعبير فى الأدب الشعبى»، وهو كتاب فريدٌ فى بابه، و«قصصنا الشعبى بين الرومانسية والواقعية»، و«الدراسات الشعبية بين النظرية والتطبيق»، وكتابها الممتاز «فن القص بين النظرية والتطبيق» وهو من أوائل الكتب التى حللت المنهج البنيوى فى دراسة القص، ولها قراءة نقدية بديعة ضمنتها هذا الكتاب لرواية نجيب محفوظ الساحرة (ليالى ألف ليلة). وكذلك كتابها المبكر عن «نقد الرواية من وجهة نظر الدراسات اللغوية الحديثة».

أما دراساتها المستفيضة عن السيرة الشعبية، وتيمات الأدب الشعبى وموضوعاته فحدث ولا حرج؛ تكفى الإشارة إلى سلسلة كتبها القيمة: «البطولة فى الأدب الشعبى»، «من نماذج البطولة الشعبية فى الوعى العربى»، «البطولات العربية والذاكرة التاريخية»، و«الكون والإنسان فى التعبير الشعبى».. وغير ذلك مما يضيق المقام بحصره والإشارة إليه. كل ذلك فضلا عن كتابها المرجعى عن أستاذتها «سهير القلماوى» (صدر فى سلسلة نقاد الأدب عن الهيئة العامة للكتاب).

وحتى قبل وفاتها بفترة وجيزة لم تكف عن الإنتاج والكتابة والتأليف فكان آخر ما صدر لها عن هيئة الكتاب سيرتها الذاتية بعنوان «ذات الهمة فى القرن العشرين ــ يوميات نبيلة إبراهيم»، وهو كتاب على صغر حجمه وقلة عدد صفحاته يحمل من خلاصة تجربتها العلمية والحياتية والإنسانية ما يستحق القراءة والنظر والتأمل.

لعل رحلة نبيلة إبراهيم وإنجازاتها وما تركته من إرث عظيم وأعمال رائعة أبلغ تجسيد وتمثيل للمثل الشعبى الجميل «السيرة أطول من العمر»، الذى افتتحت به هذا المقال.

رحم الله الدكتورة نبيلة إبراهيم؛ سيرة عطرة وإنجازا باقيا وعلما نافعا.