ثُلة ٌقليلة من أصحاب أُطروحة (فصل الدين عن السياسة) هم من استشعرالصدق فى جدالهم عن هذا المنطق رغم تحفظى الشديد على اختزاليته المُخلة وتحريفه للجملة الأصلية (فصل الكنيسة عن الدولة) التى خرجت فى سياقات تاريخية أوروبية قرنوسطية بعيدة تماما عن سياقات تاريخ العرب والمسلمين.. ليس طرح هذه الجدلية الأبدية هو مقصدى فيما أسطر الآن وإنما أردت توجيه السؤال إلى هؤلاء الصادقين منهم.. وماذا عن تزاوج المال والسياسة؟ عن تزاوج المال والثقافة؟ عن تزاوج المال وكل شىء؟
منطق (من يملك المال يملك كل شىء) منطق ٌمتهافت مُستهلك على مدى التاريخ البشرى، لكن للأسف كلما تضخم المال فى يد أحدهم ظن مخدوعا أنه بإمكانه اعتلاء هذا (الانتفاش) للسمو به على كل قيمة والتكبر من خلاله على كل إنسان والتنافس به فى كل مجال!
الروائيون الرومانسيون يؤكدون دائما أن المال لا يشترى الحب.. لا يشترى تقدير الناس.. لا يشترى السعادة، وأنا أصدقهم تماما... بل ولا يشترى الثقافة ولا يجعل منك إنسانا ولا وطنيا ولا بطلا...لو افتقدت فى الأصل مقومات هذا كله!
أموالك لن تحصن لسانك من زلات يضحك لها الصغير قبل الكبير...ولن تستر عن الناس طائفية بغيضة تتحين الفرص لتطل برأسها... وأموالك لن تسقط عنك تهما بالتهرب من أداء حقوق الوطن...ولن تصنع منك مثقفا وأنت بالكاد تُركب الجمل الركيكة... وأموالك لن تحمل الناس على نسيان إساءاتك المتكررة لمقدساتهم وحرماتهم!
إن تمتلك قناة إعلامية أو حتى عدة قنوات تنفق فيها ببذخ على من تسبق أسماءهم مجازا كلمةُ (إعلامى) لينكلوا بكل منافس لك وهم يتغافلون فى الوقت نفسه عن مجرد الإشارة إلى عشرات تهم الفساد والتربح غير المشروع والتهرب الضريبى الموجهة لك... فهذا ممكن جدا فى مصر، وفى غيرها من دول العالم أيضا، لكن من قال إنه يدوم؟
أن تشترى نوابا برلمانيين ــ بمعنى كلمة الشراء ــ وتشترى ذمم مسئولين وتشترى ثناء أنصاف مثقفين وتشترى نفاق وتزلف أكاديميين وتشترى مقالات فى صحف...كل هذا ممكن أيضا لكن من قال إنه نفع من كان قبلك؟