من قضايا تسليح الفضاء - العالم يفكر - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 5:50 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من قضايا تسليح الفضاء

نشر فى : الجمعة 20 مايو 2022 - 9:10 م | آخر تحديث : الجمعة 20 مايو 2022 - 11:15 م

نشرت مؤسسة الفكر العربى مقالا للكاتب أحمد شعلان تناول فيه تأثير الحرب الأوكرانية والتوترات بين روسيا والغرب على التعاون بينهما فى مجال الفضاء، وانعكاسات ذلك على التقدم والتطور الذى وصل إليه الجنس البشرى.. نعرض منه ما يلى.
تداعيات الحرب الروسية ــ الأطلسية سرعان ما وصلت آثارُها إلى الفضاء، ومنذ الأيام الأولى بعد بدء الحرب، فى 24 فبراير، وربما قبل ذلك، عمدت روسيا، كضرورة عسكرية، إلى عملية تشويش مكثفة على أقمار الـ«جى.بى.إس» GPS الأمريكية فوق أوكرانيا. وقد صرَحَ الجنرال ديفيد طومسون، نائب رئيس العمليات الفضائية الأمريكية أن روسيا تستهدف نظام نافستار Navistar الأمريكى الصنع، والمُتاح للعديد من البلدان حول العالَم. والمعروف أن روسيا تمتلك نظام GPS خاصا بها يسمى GLONASS، بينما تستخدم أوروبا نظاما خاصا بها أيضا يسمى Galileo، وتعتمد الصين أيضا على نظامٍ خاص للملاحة عبر الأقمار الصناعية.
أَخذت الحرب فى فضاء الأقمار الاصطناعية مؤخرا، منحى جديدا بُعيد استهداف الطراد الحربى الروسى «موسكفا» Moskva فى البحر الأسود، بصواريخ أوكرانية وإغراقه، وإعلان القيادة الروسية عن دَور أقمار إنترنت «ستارلينك» Starlink ــ التابعة لشركة «سبيس إكس» Space X التى يملكها الملياردير «إيلون ماسك» Elon Musk ــ فى توجيه الصواريخ والمسيرات الأوكرانية.
وكانت صحيفة «تايمز أوف لندن» Times of London قد أفادت فى وقتٍ سابق، أن أقمار أسطول «ستارلنك» الاصطناعية تُساعِد وحدة الطائرات المسيرة من دون طيار الأوكرانية Aerorozvidka فى تدمير الأسلحة والآليات الروسية.
وتأتى خسارة «موسكفا» بمثابة ضربة خطيرة للجيش الروسى؛ لأنها لم تكُن سفينة عادية، بل كانت سفينة قيادة الأسطول الروسى فى البحر الأسود. وكانت مركزا عائما للدفاع الجوى مع ثلاثة مستويات من أسلحة الدفاع الجوى القوية، بما فى ذلك صواريخ بعيدة المدى من طراز S-300F، وصواريخ متوسطة المدى، إضافة إلى أنظمة أسلحة قصيرة المدى. وقد تركَ غرق هذه السفينة ثغرة كبيرة فى الدفاع الجوى الروسى فى البحر الأسود، ما كَشَفَ جميع السفن الروسية العاملة هناك.
وإثر هذا التطوُر الخطير، أَمر ديمترى ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن الروسى، بتدمير مجموعة ستارلينك الفضائية الواقعة فوق أراضى الاتحاد الروسى ومنطقة العمليات العسكرية الخاصة وحَوض البحر الأسود من أجل ضمان أمن جميع الوحدات العسكرية الروسية المُشارِكة فى الحرب الروسية ــ الأوكرانية. وذكر ميدفيديف كذلك أن روسيا ليس لديها نية لعسْكرة الفضاء الخارجى، لكنها لن تسمح أيضا للآخرين بالقيام بذلك، مُشيرا إلى أنها ستتخذ إجراءاتٍ ضد كل مَن يُحاول عسْكرة الفضاء الخارجى.
• • •
كان للعقوبات الاقتصادية المشددة التى اتخذها الغرب ضد روسيا، وإعلانه النية فى تدمير الاقتصاد الروسى، الأثر الكبير فى تردى كل العلاقات الروسية مع المُعسكر الغربى. وقد ردت روسيا بعددٍ من المواقف والإجراءات، وهدَدت بوقف التعاون مع وكالات الفضاء الغربية، والانسحاب من برنامج محطة الفضاء الدولية التى تُسهم بتشغيـلها، ولديها اثنان من الرواد على متنها بصورةٍ دائمة. والمحطة الفضائية الدولية تعتمد حاليا على أنظمة الدفع الروسية للحفاظ على ارتفاعها فى المَدار، وهى تنقسم إلى قسمَين أمريكى وروسى، وتعتمد على كلا الجانبَين للعمل. فبينما توفِر وكالةُ ناسا الأمريكية الكهرباءَ للمحطة بأكملها، توفِر الوكالةُ الفضائية الروسية «روسكوزموس» محركات الدفع التى تُحافظ على مَسار المحطة فى المَدار الصحيح.
جدير بالذكر، أنه فى العام 2014، وإثر تقاعُد المكوكات الفضائية الأمريكية، كانت سويوز الروسية هى مركبة النقل الوحيدة إلى محطة الفضاء الدولية، ما أعطى روسيا قدرا كبيرا من النفوذ فى مجال النقل الفضائى.
وفى مجال السباق إلى الفضاء، فإن تاريخ روسيا فى رحلات الفضاء البشرية زاخرٌ بالأوليات: أول رحلة فضاء بشرية قام بها الرائد الروسى يورى غاغارين، وأول سَيْرٍ فى الفضاء قام به أليكسى ليونوف، وأول امرأة فى الفضاء كانت فالنتينا تيريشكوفا، وأولى المحطات الفضائية كانت المركبة ساليوت السوفيتية.
ولا يقتصر التهديد الروسى على وكالة الفضاء الدولية، بل هدَد روغوزين، مدير «روسكوزموس»، بالتوقُف عن العمل مع الشركاء الأوروبيين فى القاعدة الفضائية الأوروبية فى غويانا الفرنسية، واستدعاء الخبراء الروس المُتمركزين هناك.
واليوم، بعدما أعلنت روسيا وقفَ جميع رحلات سويوز الصاروخية فى المهمات الفضائية الأوروبية، تسعى وكالة الفضاء الأوروبية جاهدة للعثور على رحلاتٍ صاروخية بديلة لما لا يقل عن خمسِ مهمات فضائية مقرَرة حتى العام 2023: اثنان من أقمار الملاحة الأوروبية Galileo، والقمر الصناعى لرصد الأرض Earthcare، والقمر أوكليد Euclid لكشف الطاقة المظلمة، إضافة إلى قمر صناعى وطنى فرنسى آخر.
وماذا عن مهمة أوروبا القادمة إلى المريخ؟ فقد كان من المُقرَر إطلاق المسبار الفضائى الأوروبى «إيكزومارس» ExoMars من قاعدة بايكونور الفضائية الروسية فى كازاخستان، خلال شهر سبتمبر المُقبل، على متن الصاروخ الروسى «بروتون»، وإذا لم تغادر المركبة فى ذلك الموعد، فسيتعيَن عليها الانتظار لمدة عامَين قبل الحصول على فرصة أخرى مؤاتية فلكيا للانطلاق نحو الكوكب الأحمر. هذه المهمة أيضا باتت غير مطروحة على الطاولة بعدما تبخَرت خطط الإطلاق فى سبتمبر 2022 مع انهيار التعاون الفضائى بين روسيا وأوروبا. ويتم الآن تقييم المهمة لإطلاقها فى العام 2024 فى حال تأمين الصاروخ البديل، بخاصة بعد تعثُر إطلاق المهمة فى العام 2020 بسبب مشكلاتٍ تقنية، وربما يضطر الأمر إلى الانتظار حتى العام 2026.
اليوم، تتجه الأنظار إلى شركة «سبيس إكس»، لتأمين وسائل نقل بديلة لرواد الفضاء الأمريكيين وزملائهم الأوروبيين. كما تبحث الشركة البريطانية «وَن وِب» OneWeb عن بديلٍ صاروخى جديد لحمْلِ كوكبة أقمارها الصناعية الخاصة بالإنترنت بعدما أعلنت روسيا عن نيتها تعليق إطلاق صاروخ سويوز Soyuz لمصلحة هذه الشركة وتعليق شراكتها مع المشروع الأوروبى الصاروخى Arianespace. وبالفعل، تم إلغاء مُخطَط إطلاق صاروخ سويوز الروسى إلى المَدار فى 4 مارس لحمل 36 قمرا صناعيا بريطانيا للإنترنت لمصلحة شركة «وَن وِب»، بعد أن طلبت روسيا من الحكومة البريطانية، الداعم المالى لـ«وَن وِب»، وقفَ الشراكة معها وتقديم ضماناتٍ بأن الأقمار الصناعية الإنكليزية لن تُستخدم لأغراض عسكرية. واستجابت الشركة البريطانية فسَحبت موظفيها من قاعدة بايكونور الفضائية الروسية فى كازاخستان، حيث كان من المُقرَر إطلاق المهمة. وقد عُلق برنامج الإطلاق إلى أجلٍ غير مسمى.
وإذا سارت الأمور على ما يرام، فسوف تُستبدل صواريخ سويوز الروسية، بصواريخ SpaceX Falcon 9 لمصلحة شركة «وَن وِب» البريطانية هذه.
تجدر الإشارة إلى أن شركة «سبايس إكس» تعمل على تطوير أسطولها من أقمار الاتصالات فى إطار مشروعها Starlink megaconstellation (أسطول ستارلنك الأعظم) لتوفير نطاق عريض من التغطية عالى السرعة حول العالَم، بخاصة فى المناطق النائية أو المحرومة؛ كما تهدف أقمار كوكبة «وَنْ وِبْ» الإنجليزية إلى أن تفعل الشىء نفسه، فى ما يبدو عملية سباق للسيطرة على فضاء الإنترنت المُحيط بالأرض!
واستكمالا لتداعيات الحرب نفسها، أوقفت وكالة الفضاء الألمانية DLR مهمة إرسال جهاز مخصَص لاكتشاف الثقوب السوداء، كان من المُقرَر دمْجه مع قمرٍ صناعى روسى وإطلاقه على متن صاروخ سويوز، وأوقفت التعاون العلمى مع روسيا.
• • •
على مدى عقودٍ من الزمن، تعاونت الولايات المتحدة وروسيا فى الفضاء الخارجى، من مشروع اختبار أبولو ــ سويوز فى العام 1975، الذى حَدَثَ فى منتصف الحرب الباردة، إلى الشراكة المستمرة فى برنامج محطة الفضاء الدولية، عمل البَلَدان معا فى الفضاء وسط الاضْطرابات السياسية على الأرض. ففى صيف العام 1975، التصقت مركبة أبولو وكبسولة سويوز معا فى المدار، وكانت أول مهمة دولية لرواد الفضاء فى التاريخ واستعراضا للانفراج بين القوى العظمى. واستمر روادُ الفضاء الأمريكيون والروس فى الالتقاء فى الفضاء فى التسعينيات من القرن الماضى، وتناوبوا على قضاء الوقت فى المكوكات الفضائية الأمريكية ومحطة الفضاء الروسية مير. وطلبت الولايات المتحدة فى النهاية من روسيا الانضمام إلى جهودها جنبا إلى جنب مع وكالات الفضاء الأوروبية واليابانية لبناء محطة فضائية جديدة تماما، وبدأوا معا فى تجميع محطة الفضاء الدولية الحالية ISS قطعة قطعة فى المدار فى العام 1998.
واليوم، وإذا كان لروسيا أن تستقيل فجأة من مشروع المحطة الفضائية الدولية، فيُمكن لوكالة ناسا وشركائها الآخرين، بحسب مديرة ناسا الحالية، باميلا ملروى، التوصُل إلى حلٍ طارئٍ قبل أن تُصبح المحطة فى خطرٍ أو تُصبح خطرا بحد ذاتها. وقد بدأت «ناسا» بالفعل تستكشف خيارات دفعٍ أخرى كبديلٍ عن الدور المُناط بالقسم الروسى فى المحطة.
ولا تقتصر تداعيات الحرب الروسية الأطلسية على مصير المحطة الفضائية الدولية والرحلات الفضائية الأخرى، بل إن هناك موضوعاتٍ لا تقل أهمية تتطلب استمرار الدول المتقدمة فى التعاون لإنجازها. فروسيا تُشارك فى مَصادم الهادرونات الكبير فى غرب جنيف فى سويسرا Large Hadron Collider الذى يعوِل عليه العُلماءُ فى البحث العلمى المعمَق عن أصل المادة، وبالتالى أصل الكون، وروسيا تُشارِك أيضا فى المفاعل الدولى الاندماجى الحرارى التجريبى ITER الذى يتم العمل على بنائه فى جنوب فرنسا بجهودٍ دولية وإسهامات بعشرات مليارات الدولارات، كأكبر تجربة اندماجٍ نووى فى العالَم، تَعِدُ بحل أزمة الطاقة على الأرض عبر تدجين الاندماج الهيدروجينى النووى، كما يحدث فى الشمس!
هذا ويُسهم العُلماء الروس فى تقدُم العلوم فى ميادين أخرى شتى، وسوف يكون لعزْلِ روسيا ووقْف التعاوُن العلمى الغربى معها مُضاعفاتٌ خطيرة يدفع ثمنها الجنسُ البشرى كله.

النص الأصلي

التعليقات