تستمر الحرب بين البيت الأبيض والرئيس ترامب، وبين المقاطعة فى رام الله ورئيس السلطة الفلسطينية. فى نهاية الأسبوع أعلنت الإدارة الأمريكية تجميد أموال إضافية للفلسطينيين، والمقصود هو مبلغ 10 ملايين دولار كان يجب أن تُحوّل إلى منظمة تعمل من أجل التعايش بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
جيمس جرينبلات موفد الإدارة الأمريكية إلى الشرق الأوسط قال إن هذه المشاريع «عديمة الأهمية» إذا واصلت السلطة الفلسطينية إدانة خطة الرئيس الأمريكى للسلام التى لم يرها الفلسطينيون.
وبحسب مصادر فى السلطة الفلسطينية سيبدأ رئيس السلطة محمود عباس فى الأسابيع المقبلة بمواجهة دبلوماسية جبهوية مع إدارة ترامب ستصل إلى ذروتها مع الخطوات التى تخطط السلطة القيام بها فى الأمم المتحدة بشأن مسألة التأييد للأونروا، وفى الخطاب الحاد اللهجة الذى سيلقيه محمود عباس فى الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 27 سبتمبر.
حتى الآن قررت السلطة الفلسطينية تحدى قرار إدارة ترامب بإغلاق مكاتب منظمة التحرير فى الأمم المتحدة وتقديم شكوى إضافية إلى محكمة الجنايات الدولية فى لاهاى ضد نية إسرائيل هدم قرية خان الأحمر البدوية المتاخمة للقدس.
تقول مصادر فى السلطة الفلسطينية إن إدارة ترامب تتعامل مع السلطة كمنظمة إرهابية ولذا أغلقت مكاتبها فى واشنطن، وإنها أشد تطرفا فى علاقتها بها من حكومة اليمين فى إسرائيل.
وتتخوف السلطة من أن يشدد ترامب على خطواته فى مجالين وهما أولا: أن تفرض إدارة ترامب عقوبات على كبار المسئولين فى منظمة التحرير، وتمنعهم من دخول الولايات المتحدة.
ثانيا: أن تمارس الإدارة الأمريكية الضغط على دول أوروبية ودول عربية لفرض عقوبات على السلطة الفلسطينية على غرار إغلاق مكاتبها ومنع دخول أفرادها إلى تلك الدول.
تصر الإدارة الأمريكية على إجبار الفلسطينيين على العودة إلى طاولة مفاوضات «صفقة القرن» للرئيس ترامب، ومحمود عباس مصرّ من جهته على إحباط خطة الرئيس الأمريكى السياسية الجديدة وطرح بديل منها يحظى بتأييد الاتحاد الأوروبى وروسيا واليابان.
وبحسب مصادر فى السلطة سيتوقف عباس وهو فى طريقه إلى نيويورك للمشاركة فى الجلسة العمومية للأمم المتحدة فى باريس، حيث سيلتقى بالرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون. يريد عباس إعادة إحياء المبادرة الفرنسية لعقد مؤتمر سلام دولى لا تكون الولايات المتحدة الراعى والوسيط الأساسى فيه نظرا إلى مواقفها التى تميل كليّا لمصلحة إسرائيل. وكانت باريس قد أجرت استعدادات لعقد مثل هذا المؤتمر فى سنة 2017 بمشاركة 70 دولة وقاطعت إسرائيل المؤتمر.
فى المقابل، بدأت السلطة الفلسطينية باتصالات دبلوماسية بروسيا والصين واليابان لتأييد هذه الفكرة. ومن المتوقع أن يلتقى عباس أيضا بالرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى قبل ذهابه للمشاركة فى نقاشات الجمعية العامة للأمم المتحدة فى نيويورك، كى يطلعه على مستجدات خططه وينسق معه خطواته السياسية المقبلة.
وتنوى السلطة تمرير قرار جديد فى الجمعية العامة فى الأمم المتحدة يؤيد الأونروا فى مواجهة قرار إدارة ترامب وقف المساعدة المالية للوكالة، وستحاول تجنيد مصادر تمويل أُخرى.
ومن المنتظر أن يُلقى عباس خطابا حادا فى الجمعية العامة ضد إدارة ترامب، وبحسب مصادر فى «فتح» سيخرج عباس عن اللهجة الدبلوماسية ويستخدم تعابير حادة ضد الرئيس الأمريكى. كما سيحاول بواسطة خطابه تحريك احتجاج فلسطينى فى القدس الشرقية عبر توجيه اتهامات قاسية إلى إسرائيل لهدمها قرية خان الأحمر البدوية القريبة من القدس، وبسبب زيارة يهود إلى جبل الهيكل «الحرم القدسى الشريف» فى فترة الأعياد. كما سيحاول الرئيس الفلسطينى إيجاد أدوات سياسية للنضال ضد إسرائيل وإدارة ترامب من خلال التوجه إلى محكمة الجنايات الدولية فى لاهاى، حيث لا تستطيع الولايات المتحدة فرض الفيتو، لتشويه صورة إسرائيل وإحالة كبار المسئولين فيها إلى المحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم حرب.
وبحسب مصادر أمريكية لا تنوى الإدارة الأمريكية التنازل، والتقدير هو أنها ستفرض على محمود عباس وعلى كبار المسئولين فى السلطة عقوبات شخصية قاسية لإجبارهم على وقف الخطوات القانونية فى محكمة الجنايات الدولية فى لاهاى.
وبحسب مصادر رفيعة المستوى، سيمضى عباس حتى النهاية فى صراعه مع الرئيس ترامب، وليس لديه ما يخسره لدى الرأى العام الفلسطينى بل هناك ما يربحه فقط. وقد أشار استطلاع للرأى العام أجراه معهد الأبحاث برئاسة خليل الشقاقى ونُشر فى 13 سبتمبر أن 62% من سكان المناطق يريدون استقالة رئيس السلطة من منصبه.
إن السلاح الأخير الذى يملكه محمود عباس هو إعلان تفكيك السلطة، الأمر الذى يُعتبر «سلاح يوم القيامة» بالنسبة إلى السلطة، لكن مسئولين كبارا فيها يدّعون أن الرئيس ترامب يدفع محمود عباس إلى هذه الزاوية وأنه بالنظر إلى عمر رئيس السلطة ووضعه الصحى الهش، فإن الأمر قد يتحول إلى خيار واقعى.
يونى بن مناحيم
محلل سياسى
مركز القدس للشئون العامة
مؤسسة الدراسات الفلسطينية