نشرت جريدة الشرق الأوسط اللندنية مقالا للكاتب العراقى وليد خدورى، تناول فيه تحسّن أسعار النفط الخام نتيجة لتطورات جيوسياسية واقتصادية عالمية، كما أوضح تأثير التفاهمات الدولية والزيارات الرئاسية ــ خاصة زيارة الرئيس ترامب إلى الخليج ــ على أسواق الطاقة والعلاقات الإقليمية، فى ظل استمرار ثلاث أزمات عالمية رئيسة (الحرب الروسية ــ الأوكرانية، الملف النووى الإيرانى، وحرب غزة).. نعرض من المقال ما يلى:
تحسنت أسعار النفط الخام خلال الفترة التاريخية الراهنة التى تشهد أحداثًا جيوسياسية واقتصادية مهمة. فبعد أيام من انخفاض سعر النفط إلى نحو 59 دولارًا، إثر الخلاف الأمريكى ــ الصينى الجمركى، استعادت أسعار النفط عافيتها، فارتفع سعر نفط برنت، وسجل 67 دولارًا للبرميل.
الآن، وقد «تفاهمت» الصين مع الولايات المتحدة على عقد مفاوضات فى وقت لاحق من هذا العام لبحث الشأن الجمركى بينهما، يتوقع أن يتراجع الاهتمام بهذا الموضوع الخلافى الذى غطى على الأخبار العالمية الأخرى، خلال فترة الأشهر الثلاثة الأولى من عهد الرئيس دونالد ترامب فى دورته الثانية.
فى الوقت نفسه، حازت زيارة الرئيس ترامب لدول الخليج العربى الثلاث: السعودية، وقطر، والإمارات، اهتمام وسائل الإعلام العالمية، خصوصًا بالاتفاقيات التى تم توقيعها حول الذكاء الاصطناعى، والطائرات، والطاقة. وهو ما يعنى أن العلوم، وشراء الطائرات، والطاقة، حازت أولوية الاهتمامات بين دول الخليج العربى الثلاث والولايات المتحدة.
وقد ساعد كثيرًا فى نجاح الزيارة الاهتمام الذى حازته سوريا، من خلال الدور الذى قام به ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان، فى التحضير لاجتماع الرئيسين: السورى أحمد الشرع، والأمريكى دونالد ترامب الذى وعد بإلغاء العقوبات الاقتصادية على سوريا.
وَمن المتوقع أن يساهم إلغاء العقوبات الأمريكية ــ خصوصًا «قانون قيصر» وغيره من قوانين العقوبات ــ فى إنعاش الاقتصاد السورى، وفتح إمكانية إعادة الضخ فى عدة أنابيب نفط عربية عبر سوريا (خط الغاز العربى من مصر إلى تركيا) الذى كان قد تم مدُّه إلى داخل الأراضى السورية قبل توقف العمل به. وهناك كذلك إمكانية الضخ ثانية ــ فى حال تحسن العلاقات العراقية السورية ــ فى خط أنابيب كركوك ــ بانياس، والخط المتفرع عنه إلى مصفاة ميناء طرابلس اللبنانية.
ومما ساعد أيضًا فى نجاح الزيارة هو دور ترامب فى التوسط ما بين الجارتين النوويتين (الهند وباكستان) لإيقاف نزاعهما العسكرى فى كشمير، وبخاصة للعلاقات الواسعة ما بين دول الخليج والدولتين الجارتين.
وبقيت هناك ثلاثة خلافات رئيسة ستستمر على نار حامية. ولكل من هذه النزاعات الثلاثة أبعاد دولية وعلاقات جيوسياسية ونفطية مع دول الخليج العربى. ونظرًا إلى أبعاد هذه الخلافات، لا يتوقع التوصل إلى حلول لها فى القريب العاجل:
فهناك أولًا الحرب الروسية ــ الأوكرانية، وهى فى عامها الرابع، والمتداخل فيها كل من الولايات المتحدة وأقطار الاتحاد الأوروبى، بالإضافة إلى روسيا وأوكرانيا. نفطيًا، من المتوقع أن يترتب على نتائج هذه الحرب اتخاذ أقطار الاتحاد الأوروبى فى نهايتها قرارًا استراتيجيًا مهمًا: ما هى الدول الرئيسة التى ستستورد منها أوروبا الغاز مستقبلاً؟ هل ستحوِّل أوروبا معظم إمداداتها الغازية إلى تلك التى من الولايات المتحدة وقطر، ومن ثم ستتوقف عن الاستيراد من روسيا كما كان الأمر سابقًا؟ وما هى الآثار المترتبة على هذا القرار جيواستراتيجيًا وغازيًا، بخاصة أن أوروبا سوق ضخمة للغاز، وبسبب سياساتها البيئية تنوى زيادة الاعتماد على الغاز. وستواجه أوروبا صعوبة فى تغيير اعتمادها الغازى من روسيا إلى الولايات المتحدة، نظرًا للفرق السعرى بين المصدرين؛ إذ إنه كان قد تم تشييد البُنى التحتية والأنابيب منذ عقد الثمانينيات، بينما تشيِّد الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة الموانى والناقلات المتخصصة بتصدير الغاز المسال، ما سيرفع من أسعاره، ناهيك عن ارتفاع سعر الغاز المسال عن التصدير بالأنابيب.
وثانيًا، هناك المفاوضات النووية الأمريكية ــ الإيرانية. هناك وجهات نظر مختلفة بين الطرفين يتم الإعلان عنها من قبل الوفود المتفاوضة. فهل هناك طلب أمريكى محدد تجاه النشاط النووى الإيرانى؟ بمعنى آخر: هل سيكون مسموحًا لطهران بالعمل فى نطاق برنامج نووى سلمى، كما هو مسموح به لدول أخرى؟
ولماذا تهديد الولايات المتحدة بإضافة عقوبات اقتصادية إضافية على إيران، فى حال عدم التوصل إلى اتفاق؟ من الملاحظ، أن الخلاف فى التصريحات بين الطرفين أصبح وسيلة للمتلاعبين فى الأسواق برفع الأسعار أو تخفيضها، كما حصل الأسبوع الماضى، عند تحسن الأسعار بعد التفاهم الصينى ــ الأمريكى، ما أدى إلى تراجع الأسعار إلى نحو 65 دولارًا للبرميل.
وثالثًا، هناك حرب غزة والإبادة الجماعية والتهجير السكانى. من اللافت أن وسائل الإعلام الأمريكية تتحدث عن جو «متلبد» بين الرئيس ترامب ونتنياهو. فى الوقت نفسه، يشير الإعلام الإسرائيلى إلى «مبالغة» حول الخلاف. واقع الأمر، وبغض النظر عن الإعلام، يستمر نتنياهو فى توجيه الأوامر لجيشه فى غزو غزة ثانية، ناهيك من الاستمرار فى سياسة التجويع التى انتقدها الرئيس ترامب.
من الواضح أنه قد سبقت زيارة ترامب للخليج تحضيرات وإعدادات واسعة على أعلى المستويات. والدليل على ذلك الاتفاقات التى تم التوقيع عليها خلال فترة الزيارة التى امتدت 4 أيام.