هل تملك إسرائيل قدرة تكنولوجية تمكنها أن تجبر دولًا على الركوع والاستسلام؟ - أحمد فاضل يعقوب - بوابة الشروق
الخميس 10 يوليه 2025 3:02 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

من أفضل فريق عربي في دور المجموعات بمونديال الأندية؟

هل تملك إسرائيل قدرة تكنولوجية تمكنها أن تجبر دولًا على الركوع والاستسلام؟

نشر فى : الأربعاء 9 يوليه 2025 - 8:50 م | آخر تحديث : الأربعاء 9 يوليه 2025 - 8:50 م

‎لاشك أن الحروب التى قامت بها، ولا تزال، إسرائيل على غزة، وعلى إيران مؤخرًا، وعلى حزب الله فى لبنان، وعلى سوريا، وعلى الحوثيين فى اليمن، قد فاجأت المنطقة بقدرات استخباراتية وتكنولوجية متقدمة جدًا، فقد استخدمت فيها أدوات الذكاء الاصطناعى، ومسيرات بدون طيار يتم تحريكها عن بعد، للتجسس والتصوير الفورى ثم توجيه وإطلاق القنابل أو بعض الصواريخ على الأهداف بكل دقة، وقد كان لافتاً أنها استطاعت (بضغطة زر) عن بعد، أن تقتل المئات من أعضاء حزب الله، من خلال تفجير تليفونات البيجر التى يحملونها وتتواجد معهم فى بيوتهم، وليس معروفا على وجه الدقة إلى الآن، ما هى نوعية المتفجرات التى زرعتها فى هذه التليفونات، بعملية استخباراتية معقدة بدأت منذ سنوات، ومن غير المتصور أن تكون متفجرات عادية، فبالتأكيد قام مهندسون من حزب الله بفتح بعض هذه التليفونات وفحصوها، وبالتالى فمن الوارد أن تكون شريحة ما، بتقنية سرية غير معروفة، تتفاعل عند تلقى رسائل معينة، وتؤدى للانفجار، كما كان لافتاً قدرتها على تحديد أماكن وشخصيات القيادات العسكرية والعلماء الإيرانيين المدنيين، وتقتلهم تباعا، كما استطاعت أن تحدد مواقع وتحصينات الدفاع الجوى الإيرانى، وتقوم بتوجيه ضربات دقيقة لها، ونشير كذلك لقدرتها على معرفة أماكن وتوقيتات اجتماعات حزب الله وتوجه لهم ضربات قاتلة دقيقة، إضافة بالطبع لقدراتها العسكرية، وخاصة قدرات قواتها الجوية التى استطاعت أن تتحرك لمسافات بعيدة لدول ليس لديها معها حدود كإيران واليمن، وتوجه ضربات قوية.
• • •
‎فكل هذا التطور التقنى الحربى، ذكرنى بخطاب لرئيس الوزراء الإسرائيلى ألقاه فى مؤتمر «التكنولوجيا السيبرانية»، منذ أكثر من ثمانى سنوات، (Cyber – Tech conference)، ومنشور على صفحة مكتب رئيس الوزراء الرسمية فى 31 يناير 2017، وهو مؤتمر يعقد فى إسرائيل سنويا، ويحضره نحو عشرة آلاف من العلماء من ممثلى كبريات الشركات والدول، التى تبحث فى مجال الأمن السيبرانى، والذكاء الاصطناعى، والتطور العلمى الرهيب فى هذا المجال، والتركيز على هذه العلوم وتطبيقاتها خاصة فى مجالات الدفاع والأمن، وكان من أهم ما ذكره نتنياهو النقاط التالية:
‎1- «لقد تغيرت الحروب بشكل درامى، وأننى (أى نتنياهو) أتحدث عن القدرة التى أصبحت (حقيقة) وليست خيالاً، كما لم تعد شيئا مستقبليا، وليست (كذلك) أمرًا مبالغًا فيه، بل إنها أمر يتحقق بسرعة، لدرجة أنه بضغطة زر، أصبح بقدرتك أن تجعل أممًا تركع على ركبها وبسرعة، (تستسلم) إذا رغبت فى ذلك، وإذا كنت قادرا على المخاطرة»، واستمر فى خطابه يقول «الآن أى نظام يمكن «تهكيره» أى تخريبه، ومنها الطائرات (المدنية)، والمستشفيات، والسيارات، والبنوك وبياناتها».
‎2- إنه (نتنياهو) وضع هدفاً منذ بضع سنوات، وهو أن تكون إسرائيل واحدة من القوى الخمسة القائدة على مستوى العالم فى مجال الأمن السيبرانى، وقد تحقق هذا الهدف، ووضع الإدارات المركزية المختصة بجوار جامعة بن جوريون، ويعمل فى هذا المكان، بالتناغم شركات متخصصة كبيرة من الحكومة، والأكاديمين، والقطاع الخاص، وأفضل العقول لدى إسرائيل.
‎3- أن العلماء العشرة آلاف المشاركين فى هذا المؤتمر من كل القارات، أتوا لإسرائيل لإدراكهم أن إسرائيل دولة رائدة على مستوى العالم فى الأمن السيبرانى، ولدى إسرائيل عقول شابة متفوقة فى هذا المجال ومن خلفيات مختلفة.
‎4- تتلقى إسرائيل نحو خُمس الاستثمارات العالمية فى مجال الأمن السيبرانى، رغم أن إسرائيل هى واحد من عشرة من واحد فى المائة من سكان العالم، وهو ما يعنى أن إسرائيل لديها قدرة مائتين مرة أكبر من حجم سكانها، (ووزنها الديموغرافى). وكل يوم تحقق تقدمًا وتزيد من قدراتها وتكتشف فرصا جديدة. وهو ملتزم بدفع هذه الصناعة، كم تقدم إسرائيل إعفاء من الضرائب للعلماء سواء من إسرائيل أو الأجانب، وكذلك الشركات المستثمرة كما قللت من القيود والإجراءات المنظمة.
‎5- شرح أن حكومته تعمل على تطوير المصادر البشرية من الشباب ببرامج مختلفة، خاصة فى الجيش.
‎6- أشار إلى أن تكنولوجيا (الفضاء السيبرانى) الذى يمكن أن يستخدمه أعداء إسرائيل ضدها، أصبحت إسرائيل قادرة على استخدامه، ولكنه يفضل ألا يستطرد كثيرًا فى هذه النقطة. (ما يشير إلى امتلاك إسرائيل لتكنولوجيا التخريب ضد أعدائها ولكنه يتحفظ فى الكشف عن ذلك).
‎7- أكد على وجود تعاون فى هذا المجال مع الولايات المتحدة، سواء على المستوى الحكومى، أو بين الشركات، باعتبار الولايات المتحدة هى الدولة الأولى على مستوى العالم فى هذا المجال.
• • •
‎وفى إطار ما ذكره نتنياهو فى خطابه المشار إليه، وما أثبتته الحروب التى قامت بها إسرائيل مؤخرًا، يمكن استخلاص النتائج التالية وهى:
‎أولاً: لقد حققت إسرائيل طفرة كبرى فى مجال البحث واستخدام التكنولوجيا السيبرانية والذكاء الاصطناعى وهى علوم حديثة، وتطويرها وتطبيقها فى الحروب الحديثة، وبغرض الهجوم وليس فقط الدفاع، وما تم استخدامه فى حربها الأخيرة مع إيران وضرباتها لحزب الله فى لبنان، من المرجح أن يكون جزءًا فقط مما لديها، وليس كل ما لديها، وكان ذلك نتيجة السياسة الذكية التى اتبعتها منذ سنوات، والاستثمارات الضخمة فى هذا المجال، والتعاون مع كبريات الشركات العالمية، وتوفير البنية الأساسية وتعاون جميع قطاعات الدولة ومنها الجيش والاستخبارات وعلماء الجامعات ومراكز البحوث، واستخدامها فى أمور الدفاع والأمن، وكذلك بهدف تحقيق مكاسب اقتصادية.
‎ثانيًا: فى تقديرى، وبناء على ما ذكره نتنياهو فى خطابه المشار إليه، خاصة فى البند (1) والبند 6، فإن إسرائيل أصبحت بالفعل تمتلك القدرات العلمية، والوسائل التى من خلالها، وعلى حد تعبيره (وبمجرد ضغطة زر) تستطيع إجبار أمم (دول) أن تركع (وتستسلم) وإذا كانت اعتبارات الأمن القومى لأى دولة وتخطيطها الاستراتيجى يقوم على افتراضات كل السيناريوهات بما فى ذلك أسواها، وليس أفضلها، فعلينا افتراض أنها يمكنها القيام بما يلى ضد أى دولة تراها عقبة أمام مصالحها وأمنها:
‎‌أ- إنها قادرة على أن توجه عن بعد تخريبا للنظم الإلكترونية الخاصة بالطائرات المدنية فى الجو، وأنظمة التوجيه والمتابعة فى المطارات المدنية، وأنظمة الحجز والتشغيل فى المطارات، وبالتالى تصور ما يمكن أن يسببه ذلك من مقتل آلاف المسافرين على هذه الطائرات، أو على أقل تقدير إحداث شلل فى حركة السفر والوصول.
‎‌ب- ماذا لو وجهت سلاحها التكنولوجى بهجمة على أنظمة البنوك وحساباتها، وبالتالى إحداث شلل للجهاز المصرفى، وضياع بيانات وحسابات العملاء، وربما الاستيلاء عليها، وبالتالى انهيار اقتصاد دولة كاملة.
‎‌ج- وماذا لو وجهت ضربة، عن بعد كذلك، وبضغطة زر، لأنظمة الاتصالات، والانترنت، والتليفونات المحمولة، ولوسائل المواصلات الأخرى كأنظمة القطارات، بل أشار نتنياهو فى كلمته كذلك للمستشفيات.

‎ثالثًا: قد يرى البعض أن مثل هذه السيناريوهات غير ممكنة وغير متصورة الحدوث، لأنها مخالفة للقوانين الدولية، وضد المدنيين الذين تحميهم الاتفاقيات الدولية حتى أثناء الحروب، والرد كما «يعلم جميعنا هو من واقع ما تقوم به إسرائيل فى غزة إلى الآن، وقتلها لعلماء ومدنيين فى إيران، فقد صدرت ضدها قرارات من الأمم المتحدة، وعديد من المنظمات الإقليمية ومنظمات حقوق الإنسان، بل وصدر اتهام رسمى بأنها تقوم بأساليب إبادة، من أعلى سلطة دولية قضائية ضد قادتها، وهى المحكمة الجنائية الدولية، ولا تزال مستمرة فى نفس سياستها بإبادة المدنيين فى غزة، والعمل على تهجيرهم من أرضهم كسياسة معلنة» وبالتالى فهى دولة لم تعد تكترث بأى قوانين دولية ولا قيم إنسانية ولا أى قيود على حركتها.
‎رابعًا: أهمية أخذ هذا التطور فى الاعتبار من دول المنطقة، والتعاون فيما بينها وبين الدول الأخرى خارج الإقليم ذات المخاوف المشتركة لتطوير وسائل تكنولوجية مماثلة، فى إطار الأمن القومى بمفهومه الشامل العسكرى والاقتصادى، دفاعًا وهجومًا، وتحسبًا لأى تقلبات، فالتوازنات الإقليمية تتغير حولنا كالكثبان الرملية، والمصالح الاستراتيجية بدورها عرضة لتغير الأشخاص وأيديولوجياتهم ورؤاهم السياسية كذلك، وحليف أو صديق اليوم قد يكون عدو الغد.

أحمد فاضل يعقوب مساعد وزير الخارجية الأسبق وسفير مصر السابق لدى باكستان
التعليقات