بالأمس كتبت فى هذا المكان مقالا بعنوان: «سؤال الساعة.. كيف نؤمّن الاتصالات؟»، بمناسبة الحريق الكبير الذى اندلع فى سنترال رمسيس وتسبب فى انقطاع كبير للاتصالات والإنترنت وتعطل العديد من الخدمات المتصلة بالإنترنت خصوصا قطاع البنوك والعديد من الشركات المعتمدة على الإنترنت، وفى ختام المقال قلت نصا: «رب ضارة نافعة» وهى الفكرة التى أحاول أن أتوسع فيها وأركز عليها اليوم.
المؤكد أن الخسارة كبيرة وجسيمة وتستلزم مساءلة وحسابا عسيرا لكل المقصرين، وبالتالى فمن المهم أن تركز الحكومة وكل الجهات ذات الصلة على دراسة الحادث المروع بصورة مفصلة وهادئة، حتى نعرف الأسباب كى يمكن معالجة أوجه الخلل والقصور ونتمكن من معالجتها.
وبجانب هذه الجوانب وما يتعلق بالصيانة، وهى الأمور التى ستغطيها تحقيقات النيابة، فهناك أسئلة مهمة تتعلق بأسئلة جوهرية ومنها مثلا: هل شركات الاتصالات الكبرى تنفق ما يجب أن تنفقه من أجل إقامة شبكات بديلة فى حالة حدوث أى حوادث كبرى طارئة مثلما حدث يوم الإثنين الماضى؟!
بعد الحريق تحدثت مع خبير يفهم جيدا فى عالم الاتصالات، وقال لى إنه وباستثناء المصرية للاتصالات ومعها شركة وى فإن غالبية شركات الاتصالات ليس لديها شبكات احتياطية بديلة «باك اب»، وربما يفسر ذلك أن حجم الأضرار فى «المصرية للاتصالات» كان أقل من تلك المرتبطة ببقية الشركات.
يضيف الخبير أن نظام الاتصالات فى البنوك لم يتأثر كثيرا وبالتالى فإن معظم الـ ATM الموجودة داخلها ظل يعمل فى حين أن هذه الماكينات الموجودة خارج البنوك تعطلت لأنها مرتبطة بإنترنت بقية الشركات.
فى تقدير هذا الخبير أن غالبية شركات الاتصالات فى مصر ليس لديها شبكات بديلة، بل تعتمد على تأجير مواقع على نفس السيرفر الخاص بالمصرية للاتصالات التى تمتلك بنية تحتية جيدة ومتقدمة بسبب الاستثمار الكبير فيها. وبالتالى فإذا وقع حادث كبير، فلا توجد شبكة بديلة لهذه الشركات يمكنها العمل فى حالة الطوارئ.
لست خبيرا فنيا لأحكم على صحة الكلام السابق، لكن تلقيت رسالة من صديق عزيز وضع لها عنوانا هو: «تحذير عمره 5 سنوات من البنك الدولى»، ونص الرسالة يقول الآتى: يمثل الاعتماد الكبير على البنية التحتية الثابتة الوحيدة لشركة «المصرية للاتصالات» مثالا نموذجيا لما يعرف بـ«نقطة الفشل الوحيدة»، التى يمكن أن تهدد سوق الاتصالات بأكمله فى مصر، ففى حال تعرض شبكة المصرية للاتصالات لأى عطل، فإن الترتيبات الحالية قد تؤدى إلى تأثير كبير على قدرة مزودى خدمات الإنترنت ومشغلى شبكات الآخرين على الهاتف المحمول على مواصلة تشغيل خدماتهم وسيكون من الأفضل تقليل الاعتماد على شبكة المصرية للاتصالات وتمكين المشغلين الآخرين من الوصول إلى مسارات ألياف ضوئية بديلة ونشرها واستخدامها لبناء شبكاتهم الرئيسية على بنية تحتية وخدمات تبادلية، الأمر الذى من شأنه أن يعزز من مرونة شبكات وخدمات الاتصالات فى مصر».
انتهى الاقتباس ومعناه ببساطة أن شركات المحمول وبدلا من أن تنفق أموالا وتستمر فى بناء بنية تحتية خاصة بها، فهى تعتمد على البنية التحتية الموجودة فى «المصرية للاتصالات»، وبالتالى فإنه فى حالة حدوث حادث كبير مثل حريق الإثنين الماضى، فإن الخسارة تكون كبيرة لأن غالبية الشركات تعتمد على شبكة واحدة.
مرة أخرى لا أعرف مدى دقة الكلام السابق، وأرجو إذا ثبت صحته أن يكون أول قرار حقيقى هو إقناع أو إجبار كل شركة محمول أن تبنى بنيتها التحتية الخاصة بها، وأن نضمن وجود شبكات بديلة تعمل فور وقوع أى حادث صغيرا كان أو كبيرا. إضافة لإصلاح كل الأخطاء التى سوف تكشف عنها تحقيقات حريق سنترال رمسيس الذى فجّر أسئلة غاية فى الأهمية لا تتعلق فقط بالمكالمات والإنترنت والخدمات ولكن بصميم الأمن الوطنى والقومى المصرى فى ظل ما تشهده المنطقة والعالم من استخدام متعاظم لسلاح التكنولوجيا فى الحروب الراهنة.