أن تذهب متأخرا - خولة مطر - بوابة الشروق
الإثنين 23 ديسمبر 2024 4:04 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أن تذهب متأخرا

نشر فى : الإثنين 21 سبتمبر 2015 - 2:30 م | آخر تحديث : الإثنين 21 سبتمبر 2015 - 2:30 م

شىء جميل أن تعطى اليونان منبع الديمقراطية معنى جديدا لها أو على الأقل أن تفتح الأبواب لحوار عالمى قد يبدو بعيدا بعض الشىء عن منطقتنا الغارقة فى دمها ولاجئيها وتخلفها وجهلها وكثيرا من الحديث المنمق على وسائل التواصل الاجتماعى عن الديمقراطية على «طريقتنا» كلٌّ يصورها بشكل مختلف عن الآخر..

•••

نشرت النيويورك تايمز ولمدة يومين أخيرا مقالات لمتخصصين وباحثين تعيد النظر فى الديمقراطية الحديثة أو أنماط الديمقراطية وتثير نقاطا كثيرة تدعو للتفكير. وفيما هم يعيدون النظر فى الديمقراطية كنظام للحكم أو لتنظيم الحياة لا نزال نحن، أو كثيرون منا، يحلمون بها ــ أى بالديمقراطية ــ وكلٌّ على طريقته وعلى تفسيره وهو فى كثير منه ضيق ومحدود وأحيانا محصور فى صناديق الاقتراع التى لا تعنى الديمقراطية أبدا.. وفيما يملك بعضنا القناعة الكاملة بأن ما يقوله أو مفهومه للديمقراطية هو الأخص، وقف الباحثون المختصون والذين نشرت مقالاتهم فى جريدة النيويورك تايمز عند علامات استفهام كثيرة ولم يدعوا الحكم المطلق او المعرفة بل فقط حاولوا رمى الحجر فى الماء الذى لم يتوقف عن الحركة أبدا فيما مياهنا راكدة جدا منذ الأزل مغلفة بأحكام مطلقة جاهزة!!!

وفيما ادعى الكثيرون ودافعوا عن وسائل التواصل الاجتماعى كأحد الوسائط التى تعزز الديمقراطية، تطرق أحد الباحثين ليقول بأن هذه الوسائط على عكس ما كان متوقعا قد عمقت من الانقسامات الطائفية والمذهبية وأصبحت وسيلة لتعزيز تمزق المجتمعات وتفرقتها بدلا من وحدتها وتقبلها للآخر. وفى ذلك صدمة حقيقية لمن أطلق التسمية «ثورة الفيسبوك» على تلك الانتفاضات أو الثورات، أو سمها ما تشاء، التى بدأت من شرارة تونس لتشعل كل السهل العربى نارا بل حريقا. فالفيسبوك وتويتر وغيرهما من وسائل التواصل أصبحا وسيلة حقيقية فى أيدى الكثيرين من ناشرى الحقد والكراهية بل والتحريض على القتل والموت باسم الدين والطائفة والكفر والتدين!!!

•••

وفى العودة لليونان التى انتشرت بها الديمقراطية كمفهوم للحكم من المصطلح الإغريقى «ديموس» أى الشعب و«كراتوس» أى السلطة او الحكم، فإن الكثير من اليونانيين المختصين بدأوا ينظرون لكل تلك المفاهيم بكثير من الشك والتوجس فى ظل نظام عالمى أكثر تعقيدا من الدولة القديمة المستقلة. حتى اليونانيون البسطاء بدأوا يستهزئون باستقلالية أى دولة، فسائق التاكسى يحدثك طويلا عن أن اليونان لن تستطيع أن تخرج من الوضع الاقتصادى المنهار الذى تعيشه لأن هناك مؤسسات ودول أكبر منها ولن تسمح لأى رئيس حكومة بأن يقوم بأى شىء خارج اطار النظام العالمى الجديد. ويتحدث بحسرة «لو جاء رئيس حكومة ماركسى، يسارى، يمينى أو نيو ليبرالى فلن يستطيع سوى أن يطيع أوامر مؤسسة النقد الدولية ومقترحاتها التى ستكسر ظهر كل يونانى». ويواصل آخرون فى الحديث عن أحلامهم التى تبددت سريعا بعد موجة الاحتجاجات وتفاؤلهم فى المراحل الأولى منها إلا انهم ما لبثوا وعادوا وبدل الحديث عن «ربيع يونانى» فقد انكفأ الجميع ليبحث عن مصدر رزق وربما خارج الوطن لتبدأ موجة هجرة ثانية لليونانيين بعد أن تفاءلوا بأنهم ضمن المجموعة الأوروبية وأن فى ذلك شكل من أشكال الحماية.. كتب أحد الأصدقاء أن التحالف مع الأغنياء لا يعنى سوى أن تكون عبدا لهم وتبقى كذلك، ففى نادى الأغنياء لا مكان للفقراء سوى أن يكونوا خدما وعبيدا وهو فى ذلك يشير إلى الدول الأوروبية الأخرى وليست اليونان فى ذلك لوحدها فى مقابل الاقتصادات الأوروبية القوية..

وفى اليونان أيضا الآن نقاش حيوى حول الديمقراطية ومعناها فى زمن الهيمنة والسيطرة للاقتصادات الأقوى ودور الضعيف فى مثل هذه الظروف، وكذلك معنى الديمقراطية. يسيطر حزبان رئيسيان على البلد ويتناوبان السلطة فيها كما هو حاصل فى العديد من الدول أولها امريكا وحيث تقل نسبة المشاركين فى الانتخابات عن الخمسين فى المائة بل تصل أحيانا إلى 30% فقط من الناخبين.. إلخ. شىء مثير أن يكون العالم الذى جرب الديمقراطية مبكرا يعيد التفكير فيها الآن فيما بعض العرب يقدم دمه وحياته من أجلها أو من أجل شكل مسخ منها!!

•••

هذا أحد المؤشرات الحقيقية التى تبعث على الكثير من الخوف والحزن على هذه الأوطان أو ما تبقى منها.. فبعضنا مستعد أن يرفع علم على قريته ويعلنها جمهورية وآخرون مستعدون أن يأخذوا النماذج الممسوخة لبعض ما يسمى بالديمقراطيات الغربية ليطبقوها على بعض أرض أو حتى جزيرة.. كم هو محزن حقا أن تأتى متأخرا.. كم نحن دوما آخر الملتحقين.. أو كما يقول اللبنانيون «الله يطعمك الحج والناس راجعه».!!!!

خولة مطر  كاتبة صحفية من البحرين
التعليقات