ترامب ملكا - جميل مطر - بوابة الشروق
الخميس 23 أكتوبر 2025 8:22 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

برأيك.. هل تنجح خطة الـ21 بندًا لترامب في إنهاء حرب غزة؟

ترامب ملكا

نشر فى : الأربعاء 22 أكتوبر 2025 - 7:45 م | آخر تحديث : الأربعاء 22 أكتوبر 2025 - 7:45 م

قبل أسابيع كنا شهودا على سعى الرئيس الأمريكى ليحتفظ بأسبقيته فى المشى أمام الحرس الملكى. تساءلنا هل تعمد الرئيس أن يسبق جلالة الملك عند التفتيش على الحرس الملكى المصطف لاستقباله أم أن الملك وقد بلغ من العمر ما بلغ، لم يعد قادرا وربما غير راغب فى أن يسابق ضيفه الذى بدا للجميع مصرا على أن يتقدم على الملك أمام ملايين المشاهدين فى كل أرجاء العالم.

 


• • •
يومها ولأيام معدودة بعد الحفل تمسكت برأى الأغلبية التى اعتقدت أن الرئيس الأمريكى، رغم عديد صفاته السلبية، ليس غبيا. لا شك أدرك ما أدركته أنا نفسى من أن هذه مناسبة لها منذ القدم تقاليدها الملكية تلتزم عند استقبال رؤساء وملوك أجانب. وما حدث لا يخرج عن أن الرئيس انبهر بفخامة ما يرى ونسى قواعد ومراسم الحفل وهو ما يمكن أن يحدث لى ولأى من كان. أخطأت التشبيه، فنحن، أقصد الرئيس وأنا، نختلف فى نقطة هامة، بين نقاط كثيرة، وهى أننى لا أعيش أحلام عظمة وربما لم أولد بطباع ونزعات نرجسية قوية وكلها لا تخفى أمام العين المجردة.
• • •
مرت أيام لم تخل من جدل بين المعلقين حول الحادثة إلى أن جاء يوم صدرت فيه مجلة «تايم» الأمريكية داخل غلاف يحمل صورة الرئيس ترامب وعلى رأسه تاج ذهبى. لم يتوقف الجدل ولا انحسر، وكلنا نعرف منذ وقت طويل أن لغلاف التايم مكانة رفيعة فى تكويننا نحن الإعلاميين وبخاصة من يعمل منا فى صنع الرأى وتحليل الرأى الآخر.
منا من راقب بكل الدقة الممكنة سلوك الرئيس ترامب منذ أطل علينا وهو يستعد لولايته الأولى. بحثنا فى خلفياته الشخصية ومنها علاقاته مع رفاقه من المطورين والمقاولين. رأينا وتعجبنا كيف فضل، وهو رئيس، وانتقى من بين كل حكام العالم ملوك وأمراء العرب ليحظوا بأول زيارة له خارج الولايات المتحدة. تعجبنا حين رأينا عائلته فى صحبته. تعجبنا أيضا حين راح يشارك فى الرقص بالسيف. تعجبنا، هنا أتحدث عن نفسى وإعلاميين آخرين من رفاقى، حين عاد فى ولاية ثانية ليكرر ما فعل قبل سنوات ويزيد عليه الاعتراف صراحة بحصوله على مبالغ، أو وعود بمبالغ، تحسب بالتريليونات. أمر لا سابقة له فى تاريخ العلاقات الدولية، إلا فى حالات استيلاء المستعمر الأجنبى على أموال عينية ونقدية من حكام المستعمرات ابتزازا أو تهديدا أو وعدا بحماية ضد مستعمر آخر أو مخرب.
• • •
هل للرئيس ترامب رؤية أو رؤى صريحة ومعلنة؟ نعم ولا. نعم لأنه لم يخف مذهبه فى الحكم والعلاقات مع الآخرين، المذهب المؤسس على أسلوب محدد لا غيره ألا وهو استخدام جميع مصادر القوة المادية والبيروقراطية والسياسية للحصول على ما يبدو متاحا لدى الطرف الثانى. رأيناه ونراه يمسك بيد قوية على أى يد ممدودة للتحية.
رأينا هذه الممارسة تتكرر وبشكل يقترب من نية كسر الإرادة خلال مؤتمر شرم الشيخ حتى إننى أشفقت على السيدة جورجيا رئيسة وزراء إيطاليا، وبخاصة حين أضاف لقبضة اليد الغليظة مغازلة بدت لى، وأنا العارف بذهنية الإيطاليين، ثقيلة وكالحة إن صح التعبير. رأينا مؤتمرا فريدا من نوعه. رؤساء دول وحكومات يهرعون نحو الرئيس الأمريكى، كل منهم أعد خطابا قصيرا فى مديحه لتفويت الفرصة عليه ليشن حملة وعظ أو سخرية أو تهديد أو ابتزاز. حضرت فى حياتى عشرات المؤتمرات أؤكد أننى لم أقع على هذا الأسلوب ولا هذا الجو المسموم ولا هذا الإرباك الذى تسبب فيه هذا الرئيس.
• • •
يصر الرئيس ترامب على أن تكون مؤتمراته الدبلوماسية واجتماعاته بكبار المسئولين فى حكومته مفتوحة أمام الصحفيين، ولعلها إحدى أهم وسائل الردع والترهيب التى ابتدعها الرئيس ترامب لشل القدرات الذهنية لرفاقه من الحكام عموما والزائرين خصوصا وإجبارهم على الإشادة به خوفا من إطلاق لسانه فى ذمهم والإساءة لهم. يجوز أن يكون هذا الأسلوب حافزا لإخضاع إرادة العميل الساعى لفضل أو معروف أو صفقة. أظن أنه يتعمد فى كل قمة أو زيارة، كما يحدث مع زيلينسكى رئيس أوكرانيا ومع آخرين، إخضاعهم ملمحا بالقوة الهائلة لأمريكا، وهى فى وجوده لا تحتاج حتى إلى تلميح، فضلا عن أنه يتعمد أن يلوح بقوته وإرادته أمام صحفيين معتمدين وكاميرات التلفزيون، وبخاصة بعد أن استكمل إعادة تأثيث المكتب البيضاوى ليتناسب مع تطلعاته «الملوكية».
• • •
واضح تماما أنه لم يستخدم أيا من هذه الأساليب فى جلسات مفتوحة مع نتنياهو. الأمر الذى يزيد من اقتناعنا بأن فى العلاقة الأمريكية الإسرائيلية ألغازًا وأسرارًا لم يكشف عنها الستار بعد. ما زلت مقتنعا أن كليهما خاضع بشكل أو بآخر لمركز قوة ليس غريبا عن تخمينات العدد الأكبر من الخبراء. على كل حال يبدو أن الأزمة الراهنة فى الشرق الأوسط بدأت تفضح شيئا فشيئا سرا بعد آخر من أسرار هذه العلاقة. يبقى فى ظنى أن الخضوع لمصدر واحد كلاهما يستمد منه السلطة والقوة لا يحول دون أن يكون لأحدهما أو لكليهما مصالح شخصية تتفاوت أهميتها ودورها فى التسبب فى اختلافات بسيطة فى الرؤى والأساليب، خاصة وأن أحدهما مقاول كبير متعدد العلاقات والثانى فاسد خطير منشغل بعبادة السلطة.
• • •
لا شك أن هذه العلاقة التى يصر الطرفان على خصوصيتها صارت فى عرف الإعلاميين وبعض المتخصصين فى العلاقات الدولية علاقة فريدة لا مثيل لها فى النظام الدولى الراهن. نلاحظ مع آخرين أن إسرائيل باتت تلعب فى ساحات السياسة الدولية دورا خطيرا. ثم يأتى الرئيس ترامب بعلاقته الفريدة معها ليزيدها خطورة على جميع الأصعدة. نتنياهو بلسانه يعلن مرة بعد أخرى أن الولايات المتحدة مدينة لإسرائيل. ولعله فيما يقول ويردد على حق. ترامب من جانبه اعترف أكثر من مرة بالقوة الإسرائيلية الفائقة. عادة لا يحدد مصادر وأسس هذه القوة الفائقة.
• • •
الخبراء من جانبهم يقترحون أربعة مصادر لهذه القوة الفائقة، الأول، الهيمنة شبه الكاملة على كنوز البيانات والمعلومات فى معظم دول العالم والتقدم الكبير فى استخداماتها لها فى الحرب كما فى السلم. يد إسرائيل دائما موجودة فهى مالكة بالجزء أو بالكل لعديد شركات البيانات، وهى موجودة لأن أكثرية اليهود العاملين فى هذه القطاعات فى مختلف دول العالم، وبخاصة فى أمريكا والدول الغربية، هم إما رعايا إسرائيل كجنسية ثانية معلنة أو فى السر. الثانى: حيازتها للسلاح النووى واطمئنانها إلى أن أمريكا باستخدام نفوذها وقوتها الاقتصادية والعسكرية لن تسمح لدولة أخرى فى الإقليم بتصنيع هذا السلاح، وليكن معلوما للدول الكبرى والصغرى على حد سواء أن تعهدات أمريكا لإسرائيل فى هذا الصدد تظل قائمة مهما كانت الظروف. الثالث: مكانة إسرائيل فى النظام الاستخباراتى الدولى، إسرائيل موجودة فى معظم الدول والهيئات والمؤسسات الدولية. لن يصدر قرار أو إجراء يهم المصالح الأمنية العالمية إلا وإسرائيل تعلم به واستعدت له أو استخدمته لخدمة أهدافها مع دولة أو أخرى. الرابع: هيئات، بعضها معروف والبعض الآخر غير معروف للصحف والدول، مهمتها تمويل حملات انتخابية لشيوخ ونواب ورؤساء دول. المال المخصص لهذه العمليات يأتى عن طريق الإعفاءات وصفقات الفساد وامتلاك مصارف وحصيلة التهرب الضريبى التى يقوم بها أشخاص بأسماء كبيرة لا تقربها صحيفة أو حكومة. أكثرنا يسمع وأقلنا يعرف وجهة الولاء الحقيقى لشيوخ ونواب بارزين فى الولايات المتحدة وبريطانيا ودول ديموقراطية أخرى، كلنا صار يعلم عن نصيب المال الصهيونى فى حملات الانتخابات وبخاصة الأمريكية، هذه وغيرها صنعت جيوشا من العملاء والتابعين لم تتوفر لدولة أخرى من قبل.
• • •
أتفق مع الرأى القائل بأن مظاهرات المليون أمريكى، تحت شعار «ترامب ليس ملكا»، التى خرجت فى عديد المدن الأمريكية نهاية الأسبوع الماضى سوف تخصم من الرصيد الشعبى للرئيس ترامب. أمر آخر أن يؤثر هذا الخصم فى الرصيد فى العلاقة بين ترامب ونتنياهو من ناحية وفى مكانة كل منهما داخل دولتيهما من ناحية ثانية وفى هيبة أمريكا أمام بقية دول العالم من ناحية ثالثة، وهى الهيبة التى ولأسباب أخرى بدأت مراحل انحسارها منذ فترة غير قصيرة.
• • •
تحدث خلافات بين إسرائيل وأمريكا بين الحين والآخر ولكن لفترات قصيرة. أتصور أن ما يجعلها قصيرة ليس الحرص على مصالح قومية بقدر ما هو تدخل القوى الخفية بالضغط على قيادات الدولتين. إن صح تصورى يصبح منطقيا القول بأن هذه القوى الخفية باقية ما بقى أو تغير النظام السياسى الدولى الراهن، وغير باقية بالضرورة إذا تغير النظام الاقتصادى العالمى الراهن، وهو النظام الذى يسمح لأفراد وعائلات وجماعات باكتناز ثروات مالية هائلة تهيمن بواسطتها على إرادات دول عظمى وصغرى على حد سواء.

جميل مطر كاتب ومحلل سياسي