مَن يحكم غزة إذا قضت إسرائيل على حماس؟.. أربعة خيارات وكلها سيئة! - من الصحافة الإسرائيلية - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 5:30 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مَن يحكم غزة إذا قضت إسرائيل على حماس؟.. أربعة خيارات وكلها سيئة!

نشر فى : السبت 21 أكتوبر 2023 - 9:15 م | آخر تحديث : السبت 21 أكتوبر 2023 - 9:15 م
لعل العبارة الأكثر تداولا فى الخطاب الإسرائيلى منذ «مجزرة» 7 أكتوبر الجارى هى «تقويض حماس». إن وضع مثل هذا الهدف ــ بافتراض أنه ممكن عسكريا ــ يستوجب تحليلا استراتيجيا معمقا، ووضوحا متعلقا بالسيناريو الذى تسعى إسرائيل لتحقيقه، وبالأساس يفرض مقاربة حكيمة، يبدو أنها لم تكن موجودة قبل هجمة «حماس» فى السابع من أكتوبر.
تحكم «حماس» القطاع، «بأسلوب ديكتاتورى»، منذ سنة 2007، وفى الواقع، حُكمها راسخ بعمق على جميع مستويات المجتمع الغزّى منذ السبعينيات، حتى حين كانت «حماس» فى طور نشأتها المبكرة المتمثلة فى جماعة الإخوان المسلمين. إن توجيه ضربة قاضية إلى هذا التنظيم يعنى التالى: تحييد جميع أطرها القيادية، وتصفية واسعة النطاق لكبار مسئوليها، والتدمير المادى لمؤسساتها، ولا سيما مؤسساتها المدنية («الدعوة») التى تشكل وسائل تواصُلها مع الجمهور، وحرمانها من مصادرها الاقتصادية، وتنفيذ الاعتقالات الجماعية لعشرات الآلاف من نشطائها.
لكن بعكس ما جرى لتنظيم داعش الذى هزمه التحالف الدولى، فإن الحرب لن تكون قادرة على إنهاء فكرة «حماس»، المتجذرة عميقا فى الوعى الجمعى الفلسطينى. إن الهدف الذى تسعى إسرائيل لتحقيقه، يختلف تماما عن شعار «القضاء على النازية» الذى مرت به ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، وهو يشبه، إلى حد كبير، عملية «القضاء على البعث» التى حاول الأمريكيون تطبيقها فى العراق، بعد إسقاط نظام صدام حسين، وهى عملية لم تحظَ بالكثير من الترحيب.
إلى جانب خيبة الأمل من كون فكرة «حماس» غير قابلة للاجتثاث بصورة سهلة وسريعة، علينا الاعتراف أيضا بأن البدائل المطروحة قليلة وضعيفة، فبعض هذه البدائل سيئ، أما البعض الآخر، فهو أسوأ! وكلٌّ من هذه البدائل سيظل يولّد التحديات بالنسبة إلى إسرائيل، وهذه التحديات، حتى لو كانت أقل من التحدى الراهن، إلا أنها ستكون مترافقة دائما مع انعدام يقين عميق بشأن المستقبل.
لنبدأ بخيارين سيئين للغاية، يُنصح بتلافيهما. يتمثل الأول فى إعادة احتلال القطاع، وفرض سيطرة إسرائيلية مستمرة عليه، وهو سيناريو تحفّظَ الرئيس جو بايدن عنه، علنا، قبل بضعة أيام. مثل هذا الخيار سيكبد إسرائيل ثمنا باهظا، أمنيا واقتصاديا وسياسيا، قد يجعلها تغرق فى نموذج محلى يشبه نموذجيْ العراق وأفغانستان. أمّا البديل التالى، فهو تقويض حُكم «حماس» والخروج السريع من القطاع، بصورة تخلق فراغا سلطويا يستقطب الفوضى وعناصر الجهاد من جميع أرجاء الشرق الأوسط والعالم، وهؤلاء سيحاولون تحويل غزة إلى باحة مواجهة مع إسرائيل.
هناك خياران آخران، من غير الواضح معقولية تطبيقهما، من المحتمل أن يكونا أقل سوءا بالنسبة إلى إسرائيل. يتمثل الخيار الأول فى بذل الجهود لإعادة بسط سيطرة السلطة الفلسطينية على القطاع. يتطلب مثل هذا الخيار، فى المرحلة الأولى، تخلّى إسرائيل عن تصوُّرها السخيف الذى يفترض أن السلطة هى عدوّ أسوأ من «حماس»، لكن من غير الواضح أصلا أن تكون السلطة، التى بالكاد تسيطر على الضفة الغربية، معنية بتولّى مهمة شديدة التعقيد إلى هذا الحد. حتى لو كان أبو مازن مستعدا لتولّى هذه المهمة تحت حراب الجيش الإسرائيلى، فليس من الواضح مدى قدرته على تحقيق النجاح فى تنفيذها.
يتمثل البديل الآخر فى خلق منظومة حُكم سياسية تعتمد على جهات محلية فى القطاع (رؤساء البلديات، والعشائر، والشخصيات العامة البارزة)، بمشاركة مسئولى السلطة الفلسطينية، وبدعم خارجى واسع النطاق، وخصوصا من الجانب المصرى. إن معقولية مثل هذا الخيار أيضا غير واضحة، بعد سنوات طويلة على قيام «حماس» «بقمع أى قوة جماهيرية أو سياسية شكلت تهديدا لها»، إلى جانب احتمالات محاولات إفشال مثل هذه المنظومة، فى حال بدأت بالتشكل.
إن كلّ سيناريو من هذه السيناريوهات يستوجب خلق نظام رقابة خاص على الخط الحدودى بين مصر والقطاع، بما يشمل معبر رفح، الذى يشكل شريان تهريب استراتيجيا بالنسبة إلى «حماس».
إن النقاش بشأن «اليوم التالى لإسقاط حماس»، بما يشمل التسوية والنظام الذى سيطبَّق على الحدود المصرية الغزّية، يستوجب مناقشة معمقة، ومخططات منظمة، حتى قبل إجراء المناورة البرية والشروع فى محاولة تقويض حُكم «حماس». لن يكون من الممكن الحديث عن تغيير عميق فى قطاع غزة، إلّا بعد مرور وقت طويل، وسيكون فى قلب هذا الحديث رفع منسوب الوعى، بل إثارة الغضب الشعبى ضد فكرة «حماس»، وضد الكارثة التى أسقطتها على رءوس السكان الغزيين، وهو صوت لا نسمعه بالمطلق فى هذه الأيام.
إن مثل هذا التغيير متأصل على صعيد الوعى، ولن يحدث إلّا بعد ضمان حدوث التحولات التى ستصيب مراكز خلق الوعى الجمعى، وخصوصا فى الأجهزة التعليمية، والدينية، والإعلامية، والتى ظلت تزرع على مدار وقت طويل سردية أحادية الجانب، ومنظومة أخلاقية غير متسامحة تجاه «الآخر»، وتقدم فى معظمها، تبريرات لأعمال العنف، ولا تشجع على النقد الذاتى، إلى جانب أنها لا تعكس الاستعداد للاعتراف بإسرائيل.
جنرال سابق فى الاستخبارات العسكرية
يديعوت أحرونوت
ميخائيل ميلشتاين
مؤسسة الدراسات الفلسطينية
التعليقات