الحركات الطلابية كأحد موضوعات الجغرافيا البشرية - العالم يفكر - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:47 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحركات الطلابية كأحد موضوعات الجغرافيا البشرية

نشر فى : الجمعة 21 نوفمبر 2014 - 8:40 ص | آخر تحديث : الجمعة 21 نوفمبر 2014 - 8:40 ص

مع استمرار الاحتجاجات الطلابية فى هونج كونج، من الطبيعى أن ترد إلى الذهن ذكريات مظاهرات ميدان تيانانمن فى الصين عام 1989، والثورة المجرية عام 1956، التى بدأت كحركة طلابية، واحتجاجات فنزويلا عام 2007، وبدأت بمجموعة من الطلاب مطالبين بالإصلاح الدستورى. واحتجاجات 1929 فى باريس، ضد دور الكنائس فى التعليم.

وبطبيعة الحال، تعتبر كل حركة طلابية فريدة من نوعها. وتتعلق حركة طلاب هونج كونج بالشئون الداخلية للبلاد، وليس الإصلاح الديمقراطى على نطاق واسع فى الصين. غير أن كل هذه الحركات تشترك فى خصائص تتجاوز الحدود، مما يجعلها ظاهرة مثالية يمكن من خلالها دراسة الجغرافية السياسية.

وتكشف الاحتجاجات الطلابية عن الطبقات الإجتماعية والثقافية التى تتحرك تحت سطح الجغرافيا السياسية، مثلها مثل تدفق التيارات تحت الأمواج فى المحيطات. وتشكل الجغرافيا البشرية أساس المجتمع، وبالتالى الأنظمة التى تحكمه. فلو اعتبرنا أن الدولة تمثل أعلى مستوى صنع السياسات العالمية والتفاعل بينها، فإن هذه التيارات الإجتماعية هى ما يحرك الأجيال، والإيديولوجيات والتغيرات الثقافية التى تشكل القيود التى تعمل الدول فى إطارها.

أنماط تطل برأسها

ولا تقل أهمية الجغرافيا البشرية من الطوائف العرقية والدينية إلى الانقسامات الاجتماعية والاقتصادية بالنسبة للدولة عن أهمية التضاريس الطبيعية والموارد التى تشكلها. وتوجد الجغرافيا البشرية فى جميع الدول، وكما هو الحال مع الجغرافيا الطبيعية، تظهر الأنماط الكاشفة، وحتى التعليمية مع مرور الوقت.

وتعتبر طريقة انتفاض المحكومين ضد الحكام أحد هذه الأنماط. وتتخذ هذه الأنواع من الحركات أشكالا مختلفة، من المظاهرات والإضرابات السلمية إلى حركات التمرد العنيفة. وربما تكون الاحتجاجات الطلابية الشكل الأكثر إثارة للاهتمام نظرا للمكانة الفريدة التى يحتلها الطلاب فى المجتمع - فهم فى طليعة الجيل الذى يختلف غالبا اختلافا كبيرا عن أسلافه. وتتصادم عند هذا الشكل الأيديولوجيات المتنافسة والهويات الثقافية المتغيرة.

ويعنى كونهم طلابا أنهم يتفاعلون فكريا، ويتبنون معتقدات سياسية مميزة. ولكن نجاح الحركات الطلابية يتطلب تحفيز شرائح أخرى من المجتمع المدنى. وفى هذا الصدد، غالبا ما تكون حركة الطلاب محفزا جيدا على التغيير. ويستطيع الطلاب التجمع معا بالفعل فى الجامعات، غالبا فى المناطق الحضرية، مما يسهل تطور الحملات الطلابية إلى حركة إحتجاج أوسع. وبطبيعة الحال، أدت وسائط الإعلام الإجتماعية إلى أن صارالتجمع المادى ليس ضروريا إلى حد ما، ولكن لا يزال القرب المكانى يسهل إمكانات العمل السياسى.

وحتى فى ظل ظروف مثالية، يمكن أن تفشل الحركات الطلابية، بل أن التاريخ يزخر بالتجارب الفاشلة. ولكن فى أكثر الأحيان، تميل الإنتفاضات الطلابية إلى أن تكون جزءا من التغيير الإجتماعى أو الثقافى أو السياسى على المدى الطويل. وعندما تنتهى الإحتجاجات الطلابية، كثيرا ما يصبح الطلاب أنفسهم جزءا من جيل أكثر نضجا يحتفظ بالكثير من قناعاته الأيديولوجية.

تأمل، على سبيل المثال، حركة مايو 1968 التى هزت فرنسا وعدة بلدان أخرى فى أوروبا. فعلى الرغم من فشلها فى تحقيق العديد من أهدافها عندما احتلت مبانى الجامعة فى باريس، أصبح الجيل الذى ولد أثناء الحرب العالمية الثانية، فى وقت لاحق، جزءا من مجتمع ما بعد التخرج، يتولى الدعوة إلى تغييرات اجتماعية وثقافية، بعيدة المدى، فى جميع أنحاء أوروبا مع استمرار ضخ أفكار اليسار الجديد إلى التيار السائد فى الحركة.

وعندما تفشل الحركة الطلابية فى إحداث تغيير، سوف تنضم غالبا، أو يتم تصنيفها ضمن حركة سياسية قائمة، تعمل إما كقوة تدفع إلى التغيير أو تسلط الضوء على استمرار الإتجاهات الإجتماعية الجارية. وتعتبر الثورة الفرنسية فى يونيو 1832 مثالا على ذلك. فقد كان مفهوم السيادة الشعبية سائدا منذ أن أنهت الثورة الفرنسية النظام الملكى. غير أن عودة النظام الملكى فى عام 1814، بعد سقوط نابليون، أجبرت الطلاب فى نهاية المطاف على النزول إلى الشوارع فيما كان أساسا امتدادا لنفس الضغوط الاجتماعية التى سيطرت على تطور الأوضاع الداخلية فى فرنسا لأكثر من ثلاثة عقود. وفى 1832تم إخماد هذه الاحتجاجات التى خلدها فيكتور هوجو فى روايته «البؤساء». ولكن التطلعات الكامنة لدى الجماهير ظلت قائمة، وبلغت ذروتها فى عام 1848، عندما شهد «عام الثورة» الانهيار النهائى للنظام الملكى فى فرنسا، وولد موجة أوسع من التغير الإجتماعى فى جميع أنحاء أوروبا.

ولم تقتصر حركات الطلاب على أوروبا. فقد شهدت الولايات المتحدة نشاطا طلابيا مكثفا أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات، عندما نظمت حركة الإحتجاجات المناهضة للحرب أعدادا كبيرة من المظاهرات. وكان قوامها الأساسى تحولا ديموغرافيا – مواليد الحرب العالمية، الذين خرج منهم مجموعة المعارضة السياسية الأساسية فى ذلك الوقت. وبطبيعة الحال، لم تنه هذه الحركات الحرب فى فيتنام، بل أنها اقنعت بالكاد واشنطن بإنهاء الأمر. لكنها جسدت التوجهات فى ذلك الوقت، وبالتحديد تقديم جيل جديد بأيديولوجية واضحة. وعندما تواكب الحركات الطلابية اضطرابات اجتماعية أوسع، يمكن أن تكون النتائج مأساوية. ففى 1979، أحدثت الثورة الإيرانية تغييرات جذرية فى الهوية السياسية للبلد، وإلى حد ما، سهل الطلاب الذين اقتحموا السفارة الأمريكية فى طهران، هذا التغيير إلى حد ما. وقام هذا الجيل من الطلاب، بقمع جيل لاحق من الطلاب أثناء الثورة الخضراء 2009-2010.

مجتمع فى حالة حركة

يعتبر تاريخ الصين غنيا بالأنشطة الطلابية المؤثرة مجتمعيا، حتى قبل الأحتجاجات الحالية فى هونج كونج. وفى الواقع، كان لتأسيس جمهورية الصين الشعبية نفسها جذوره فى الحركات الطلابية: فقد اكتشف ماو تسى تونج وتشو ان لاى الاشتراكية وبدآ التنظيم سياسيا باعتبارهما من القيادات الطلابية فى أوائل القرن العشرين. وفى عام 1919، بشرت حركة الرابع من مايو، التى انبثقت من المظاهرات الطلابية، بما يمكن اعتباره بداية التاريخ المعاصر للصين عندما انتقدت استجابة بكين لمعاهدة فرساى.

وكان الطلاب أيضا فى طليعة الثورة الثقافية فى 1966. وساعدوا فى تعزيز عبادة شخصية ماو، مع ثورة المواطنين الصينيين ضد الرأسمالية والثقافة الصينية التقليدية. فقد كان فصل طلاب الجامعة بتهمة معارضة الحزب الشيوعى الصينى، بداية الإحتجاجات الفعلية، التى بدأت بدورها الثورة الثقافية - شيء أكبر بكثير من مجرد قضية طلابية.

وبالنظر إلى تاريخ الصين الطويل - وتاريخ الحركات الطلابية - فإن الاحتجاجات الحالية فى هونج كونج لن تكون المرة الأخيرة التى تواجه فيها الصين اضطرابات اجتماعية. فقد واجهت دولة الحزب الواحد، ذات التنوع الجغرافى والاجتماعى والاقتصادى الهائل، دعوات مهمة للإصلاح على مر السنين. ولا شك أن الحزب الشيوعى يواجه المزيد من الضغوط مع التغير فى الصين. ولأن الصين مجتمع فى حالة حراك: حيث يخلق طبقة وسطى حضرية، مع نضوج اقتصاده. وغيرت زيادة الإستهلاك الحضرى والخاص، مصالح وتطلعات المواطنين الصينيين، ومع إرتفاع التوقعات، سوف تواجه الحكومة ضغوطا من أجل تلبية تلك المطالب. ومع ظهور طبقة المستهلكين فى المناطق الحضرية الصينية، كانت هناك زيادة ضخمة فى عدد الطلاب فى الصين، كما توسعت فى التعليم العالى على مدى العقد الماضى. وتنفق الصين المزيد من الأموال على التعليم العالى لخلق قوة عمل متعلمة أكثر ملاءمة للاقتصاد الذى تطمح إليه الدولة. ولكن خلق المزيد من الطلاب يخلق المزيد من فرص الإضطرابات الاجتماعية. وإلى حد كبير، تتوقف قدرة هؤلاء الطلاب على التأثير على سياسات البلاد، على أداء الاقتصاد الصيني؛ إذا تباطأ النمو الاقتصادى، سوف يعجل بإحتمال الإضطرابات.

ويصعب قياس التأثير النهائى للاحتجاجات فى هونج كونج. ومع ذلك، فإن النشاط الطلابى هناك يذكرنا لماذا تعتبر هذه الفئات فى المجتمع مناسبة تماما للاحتجاج؛ لأن الطلاب بسبب موقعهم فى الجغرافيا البشرية، سوف يكونون غالبا فى صدارة تغييرات الأجيال فى مجتمعاتهم، حتى لو لم يكونوا دائما العناصر الأكثر حسما فى التغيير.

التعليقات