الانتخابات البرلمانية: أصوات مهدرة وفرص لا متساوية! - أحمد عبدربه - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:34 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الانتخابات البرلمانية: أصوات مهدرة وفرص لا متساوية!

نشر فى : الأحد 21 ديسمبر 2014 - 9:40 ص | آخر تحديث : الأحد 21 ديسمبر 2014 - 9:40 ص

لا تعد القوانين التى تنظم العملية الانتخابية مجرد أطر حسابية فنية لتوزيع المقاعد البرلمانية على المتنافسين، ولكنها تحوى أبعادا أخرى سياسية قد تغير من خريطة الحياة النيابية ومن ثم شكل النظام السياسى ككل. ذلك أن تقييم أى نظام انتخابى وما يشتمله من طريقة تقسيم الدوائر وحساب النتائج يعتمد على معيارين أساسيين: الأول هو معيار الأصوات المهدرة، أى تلك التى حصل عليها المرشحون، ولكنها لم تترجم فى شكل مقاعد برلمانية. والثانى هو معيار الفرص المتساوية لكل المترشحين سواء كانوا أفرادا أو أحزابا. وبالتالى فإن النظام الانتخابى الجيد هو النظام الذى يتمكن من تقليل عدد الأصوات المهدرة ويوفر مساواة نسبية بين المتنافسين.

ما رأيكم فى المثال التالى؟: دخل حزب سياسى الانتخابات البرلمانية وحصد ٢٥٪ من إجمالى أصوات الناخبين على مستوى الدولة ككل، ثم انتهى به الأمر بحصوله على ٣.٥٪ فقط من إجمالى مقاعد البرلمان. هل هذا النظام عادل؟ بالقطع لا، فهذا الحزب خسر ما يزيد على ٩٠٪ من إجمالى الأصوات التى حصل عليها، أى أنها لم تترجم إلى مقاعد وذهبت هباء. هذا ليس مثال تخيلى، ولكنه حدث فى الانتخابات البرلمانية التى جرت فى المملكة المتحدة حيث إن التحالف الانتخابى بين حزبى الديمقراطى الاجتماعى والليبرالى انتهى به الأمر حاصدا ٢٥.٤٪ من إجمالى أصوات الناخبين على مستوى المملكة، ولكنه لم يتمكن من الحصول سوى على أقل من ٤٪ من إجمالى مقاعد البرلمان بسبب النظام الانتخابى المتبع هناك. يسمى هذا النظام «الأول يكسب» First Past The Post. ترجمة ذلك الإهدار بسيطة، فالحزب حصد المركز الثانى فى العديد من الدوائر الانتخابية، ولكنه خسر مقاعدها جميعا. السبب لأن النظام الانتخابى يأخذ أصحاب المراكز الأولى فقط مهما كان عدد الأصوات التى حصدتها. تسبب ذلك فى وضع آخر شاذ حيث إنه فى نفس السنة حصد حزب المحافظين ٤٢.٤ ٪ فقط من إجمالى الأصوات، ولكنه حصل على ما يزيد على ٦٠٪ من مقاعد البرلمان. هكذا استطاع أن يشكل الحكومة منفردا فى إهدار فج للفرص الانتخابية، وفى ترجمة مغلوطة للإرادة الانتخابية!

<<<

إذا ما انتقلنا إلى الحالة المصرية فإن الأوضاع تبدو كارثية بلا مبالغة، وستفضى حتما إلى إهدار الأصوات الانتخابية. هذا الإهدار يعنى تزوير الإرادة الشعبية قانونا دون الحاجة إلى الأساليب التقليدية للتزوير. وبمراجعة قانون مجلس النواب الذى أصدره الرئيس المؤقت عدلى منصور، وحذرنا منه فى حينها ولم يستجب أحد، وكذلك بمراجعة مشروع تقسيم الدوائر الانتخابية الذى ينتظر الآن اعتماده من رئيس الجمهورية، نجد أننا أمام نظام مسخ لا يضاهيه نظام آخر فى العالم بحسب اطلاعى. وبمقارنة القانونين المذكورين مع فصل النظم الانتخابية الذى يتم تدريسه لطلاب قسم العلوم السياسية بجامعة كاليفورنيا، لوس أنجلوس، والذى صدر فى ٢٠١١، وقمت بتدريسه لطلاب الجامعة الأمريكية بالقاهرة فى هذا الفصل الدراسى الأخير، يمكننى إبداء الملاحظات الموضوعية التالية:

أولا: فى حين يتبع النظام المصرى نظريا النظام المختلط، وهو ما يعنى الجمع نظريا بين أشهر نظامين انتخابيين فى العالم، وهما نظام الأغلبية ونظام التمثيل النسبى، فإن النظام المصرى مال بشدة إلى نظام الأغلبية المعروف فى مصر عرفا بالنظام الفردى، حيث إنه يخصص ما يقرب من ٧٥٪ من مقاعد البرلمان للدوائر الفردية بكل مساوئها المعروفة فى مصر والعالم، بينما تم تخصيص ٢٥٪ فقط لنظام القوائم (غير النسبية) فى فلسفة غريبة وغير مفهومة وغير مبررة تعيدنا إلى غلبة المال السياسى والعصبيات والقبليات مجددا.

ثانيا: يعتبر خدعة كبرى القول أن النظام المصرى نظام «مختلط». لذلك تمسكت أن أذكر لفظة «نظريا» فى الملاحظة الأولى، فالنظام المصرى المعمول به حاليا هو واقع الأمر نظام «تلبيسى» تأدبا وبالعامية المصرية نظام «عك». ليس فى ذلك إجحافا خاصة حينما تعرف أن كل النظم المختلطة تعنى أنها تجمع بين نظامى «الأغلبية» الذى يقوم بصيغ مختلفة على إعطاء أصحاب المراكز الأولى من المتنافسين الفرديين المقاعد البرلمانية وبين نظام «القوائم النسبية»، الذى يعطى أكبر قدر من المقاعد للقوائم التى تمثل أحزابا ميزة «النسبية». أى يحاول أن يقلل أصواتها المهدرة، تلك المشكلة الكبرى التى تعترى نظم الأغلبية، بحيث أن القائمة التى تحصد مثلا ٢٠٪ من أصوات دائرة انتخابية بها عشرة مقاعد تحصل على مقعدين، أما تلك التى تحصد ٣٠٪ من الأصوات تحصل على ثلاثة مقاعد فى نفس الدائرة وهكذا. أى أن الأحزاب الصغيرة والمتوسطة والجديدة تظل فى المنافسة وتظل قادرة على المشاركة فى التشريع ورقابة الحكومة. أما النظام المصرى فقد فرغ نظام القوائم النسبية من تلك الميزة حينما جعلها أيضا معتمدة على «الأغلبية». وهنا الخدعة. فالقائمة التى تحصد الـ٥٠٪+١ من إجمالى الأصوات الصحيحة ستحصل على كل المقاعد المخصصة، بينما تخسر كل القوائم الأخرى أصواتها ولا تحصل حتى على مقعد واحد. وإذا ما أضفنا إلى ذلك أن القانون المصرى لا يقصر القوائم على الأحزاب وإنما يفتحها على مصراعيها أيضا للمستقلين وأن رئيس الجمهورية سيقوم بتعيين ٢٧ عضوا فيكون تعليقنا، «لا تعليق».

ثالثا: سيزيد العجب حينما نعرف أنه لا تساوى ولو حتى نسبى بين المقاعد المخصصة للقوائم القائمة على الأغلبية لا على النسبية، فهناك قائمتان بهما ٤٥ مقعدا وأخريتان بهما ١٥ مقعدا فقط فى عدم تجانس فج بين الدوائر الانتخابية وبين جمهور الناخبين. وسيزيد عجبك أكثر وأكثر حينما تعرف أنه فى كل دول العالم التى تأخذ بالنظام الفردى المشار إليه مسبقا فإنها تعتمد أسلوبا محددا فى احتساب النتائج وذلك للمساواة بين المرشحين، فهى إما أن تأخذ بنظام «الأول يكسب» على علاته كما هو الحال مثلا فى المملكة المتحدة أو الولايات المتحدة، أو أنها تأخذ بنظام الجولتين مشترطة أن الحائز على المقعد يحصد ٥٠+١٪ على الأقل من الأصوات الصحيحة، وهو النظام المتبع فى فرنسا والذى تم اتباعه أيضا فى مصر لسنوات طويلة، أو أن تأخد بنظام الصوت البديل مثلما كان الحال فى أستراليا أو الصوت الفردى غير المتحول كما هو الحال الآن فى تايوان أو حتى ١٩٩٣ فى اليابان، ولكن مصر جمعت بين أكثر من نظام حتى داخل المقاعد الفردية! فهناك دوائر فردية خصص لها مقعد واحد، وغالبا ستعتمد على أسلوب الجولتين، بينما هناك دوائر أخرى تم تخصيص لها مقعدين بل ونوع ثالث من الدوائر تم تخصيص ثلاثة مقاعد له.

<<<

ولا أعلم أى فلسفة تلك التى تجمع بين كل هذا فى احتساب الدوائر الفردية لما فى ذلك من فجاجة فى إهدار الأصوات وعدم المساواة فى وزن المقعد النيابى، فمثلا التنافس فى الدائرة الفردية مركز «ناصر» بمحافظة بنى سويف والمخصص لها مقعد واحد غالبا سيجرى التنافس فيها بنظام الجولتين، وهو ما يختلف جذريا عن شكل التنافس وطريقة احتساب الأصوات فى الدائرة الانتخابية بمركز» ببا» بنفس المحافظة والمخصص لها مقعدين لأنها غالبا ستجرى الانتخابات بها على جولة واحدة بينما سيتم احتساب الأصوات بها بنظام الصوت الفردى غير المتحول أى سيتم أخذ أصحاب المراكز الأول والثانى بغض النظر عن تمكن أيا منهما من نسبة الـ٥٠٪+١ المشترطة فى مركز ناصر لأنه لا معنى للدخول فى جولة ثانية فى هذه الحالة! وإذا ما قارنا شكل المنافسة واحتساب الأصوات المختلف فى دائرتى ببا وناصر بدائرة ثالثة ولتكن على سبيل المثال دائرة «سمالوط» التابعة لمحافظة المنيا المجاورة والمخصص لها ثلاثة مقاعد فإن أصحاب المراكز الثلاثة الأولى (لاحظ أن صاحب المركز الثالث قد يحصد مثلا ٢٥٪ فقط من الأصوات) سيحصدوا مقاعد الدائرة، ومن هنا نكون أمام نظام مشوه يشترط على عضو فى دائرة حصد ما لايقل عن ٥٠٪+١ من إجمالى الأصوات بينما يسمح لآخر بالحصول على المقعد بـ٤٠٪ فقط مثل فى دائرة ثانية، وثالث بـ٢٥٪ وربما أقل وهكذا.

هذا نظام مشوه وغير معمول به فى أى دولة فى العالم بلا مبالغة، يضرب الأحزاب، ويهدر الأصوات، ويؤسس لا مساواة عجيبة فى طريقة ونسبة الأصوات اللازمة للحصول على المقعد حتى فى الدوائر الفردية فضلا عن دوائر القائمة، وهو نظام بلا شك تشوبه عدم الدستورية. كفى تشويها وتلاعبا بحياتنا النيابية والسياسية، أم أننا نبحث عن مزيد من الإثارة والاستقطاب على حساب الوطن؟

أحمد عبدربه أستاذ مشارك العلاقات الدولية، والمدير المشارك لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة دنفر