«سلامٌ» إسرائيلى وليس سلاما أمريكيًّا - سمير العيطة - بوابة الشروق
الأحد 22 يونيو 2025 11:50 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

ما توقعاتك لمعارك إسرائيل مع إيران؟

«سلامٌ» إسرائيلى وليس سلاما أمريكيًّا

نشر فى : الأحد 22 يونيو 2025 - 7:25 م | آخر تحديث : الأحد 22 يونيو 2025 - 7:25 م

يسود مناخٌ من الإحباط شعوب المنطقة نتيجة الحرب التى أطلقتها إسرائيل أصلا، والولايات المتحدة لاحقاً، على إيران. إحباطٌ يطالُ حتّى لدى أولئك الذين كرهوا «نظام الملالى» وحلفاءه سواء لما كان لإيران من نفوذٍ خارج حدودها أو لانخراط إيران فى الصراعات الإقليميّة أو فقط نتيجة التجييش الطائفى بين المسلمين السنّة والشيعة.

بالمقابل ها هو بنيامين نتنياهو يُصعِّد خطابه العدوانى بأنّه لن يغيِّر المنطقة فحسب، بل سيغيّر أيضا... العالم برمّته. وها هو يدفع الولايات المتحدة إلى الانخراط فى حربه وفى لعبة المراوغة الدبلوماسية المنسّقة مع إسرائيل كى يصل نتانياهو إلى أهدافه التى تبدو أبعد بكثير من إيقاف البرنامجين النووى والصاروخى الإيرانى.

ومن الصعوبة بمكان تصديق أنّ سلاح الجوّ والمخابرات الإسرائيليّة أطلقت هذه الحرب البعيدة عن حدودها دون دعمٍ لوجستى كبير ومباشر من القواعد الأمريكيّة المنتشرة فى المنطقة. ولكنّ نتانياهو يحتاج إلى انخراطٍ أكبر من القوّة العسكريّة الأمريكيّة كى يُنهى هذه الحرب ويصل إلى... استسلامٍ إيرانيّ كامل دون شروط (!؟)، كما أعلن ذلك الرئيس دونالد ترامب نفسه. وكأنّ النهاية فى إيران ينبغى أن تحاكى نهاية اليابان بعد قنبلتى هيروشيما وناغازاكى النوويتين!

 لكن من سيوقّع مثل هذا الاستسلام لإيران؟ ومع من؟ الولايات المتحدة أم إسرائيل؟ أو هذه وتلك؟

• • •

إنّ مشهد هذه اللعبة العسكريّة ــــــ «الدبلوماسيّة» يدفع كثرًا فى المنطقة إلى التساؤل عمّن يأخذ المبادرة فى تغيير المنطقة والعالم، أهى إسرائيل أم الولايات المتحدة؟ ومن الذى سيهيمن فى نهاية المطاف ويفرض شروطه على الدول التى يتمّ «تغييرها»؟ من الواضح أنّ الولايات المتحدة تستفيد من كلّ هذا التغيير فى تقويض نفوذ روسيا وخاصّةً الصين، لتلتفت إلى هذه الأخيرة وتحاصرها شرقاً. لكن إسرائيل لم تعُد بهذه الحرب دولةً تصارع على أرض فلسطين وضدّ جيرانها المباشرين، بل تقفز جغرافيا إلى أبعد من ذلك، ليس فقط عبر الردع النووى الذى لا يحقّ لغيرها امتلاكه، بل عبر إسقاط القوّى العسكريّة "التقليديّة" أبعد بكثير من حدودها.

فها هى تأخذ مكانة الدول الأوروبيّة النوويّة، فرنسا وبريطانيا، فى بحثهما أيضا عن إسقاط القوّة العسكريّة «التقليديّة» فى أوكرانيا بغية فرض انتصارٍ عسكرى على روسيا. ما يفسّر ربّما الدعم غير المشروط للأوروبيين للعمليّة العسكريّة الإسرائيليّة على إيران، وجهودهم الدبلوماسيّة بغية ترتيب... «الاستسلام».

لقد شهد العقد المنصرم تدمير دول عربيّة عديدة بحروبٍ أهليّة وصراعات إقليميّة ودوليّة بالوكالة، فى مناخ جيوسياسى إقليمى لا يتحدّث سوى عن «السلام الإبراهيمى»، أى فرض إسرائيل كلاعبٍ اقتصادى وسياسى مهيمن. ثم أتت حرب غزّة الجديدة ليست كمثيلاتها فى السابق التى توقّفت بعد القتل والدمار، بل كى تعمل على «التغيير» الذى ينشده نتنياهو فى حلّ نهائى للقضيّة الفلسطينيّة عبر طرد الفلسطينيين من غزّة، أو من سيبقى منهم أحياء، وضمّ الضفّة الغربيّة. ويا لهول مشهد الوساطة الأمريكيّة لـ«درء المجاعة» فى غزّة عبر توزيع مساعدات غذائيّة يتمّ قصف وقتل أولئك المساكين الذين يحاولون الحصول عليها. بالتوازى تغيب عن ذلك المشهد، دون حرج، المساعدات التى حاولت دول المنطقة إرسالها فى مرحلةٍ سابقة. أمام هذا المشهد، يشمل الإحباط حتّى أولئك الفلسطينيين الذين آمنوا أنّ السلام والعيش الكريم يأتى بالتعاون مع إسرائيل... لأنّ لا أفق أمامهم سوى الاستسلام الكامل.

• • •

كذلك تمّ تدمير القوّة العسكريّة للمقاومة اللبنانيّة واغتيال قادتها كى يوضع لبنان تحت وصاية كشرطٍ لوقف الحرب. وصايةٌ ظاهرها قيادة أمريكيّة، وحقيقتها استمرار الاحتلال الإسرائيلى لمواقعٍ فى الجنوب اللبنانى وكذلك الاعتداءات هنا وهناك... وفرض وصاية على مستقبل لبنان اقتصاديا وسياسيا. فهل هناك حقا من يريد أن يساعد لبنان للخروج من أزمته المالية وإعادة إعمار ما تهدّم؟ هنا أيضاً يسود الإحباط حتّى لدى أولئك الذين كانوا يكرهون "حزب الله" ومرجعيّته الإيرانيّة أو لأسبابٍ طائفيّة متجذّرة، لأنّ الأفق لا يبدو مجرّد... سيادة واستقلال.

ثمّ سقط «نظام الأسد» فى سوريا، كما أعلن نتنياهو. وتمّ تدمير كلّ القدرات العسكريّة فى البلد. ورغم أنّ السلطات الجديدة أعلنت تكراراً ومراراً لاستقدام الدعم أنّ سوريا لن تشكّل تهديدا بأى حال لأى من دول المنطقة بما فيها إسرائيل، احتلّت هذه الأخيرة أراضى جديدة فى سوريا وتستمرّ فى القصف من حينٍ لآخر، بل تتفاوض صراحةً مع تركيا بغية تتقاسم النفوذ فيها... وصولاً إلى هيمنة أمنيّة حتّى العاصمة السوريّة دمشق. بالمقابل أصيب السوريوّن الذين أملوا أنّ سقوط الأسد سيجلب سلاماً ونهوض اقتصادى وإعادة إعمار... أيضاً بالإحباط نتيجة كلّ هذا، خاصّةً مع الحرب الإسرائيليّة على إيران اليوم.

هكذا تستبيح الطائرات الإسرائيليّة أجواءهم دون رادع والمطلوب منهم، هم أيضا، الاستسلام الكامل... إسرائيل وحدها لم تعترف بالسلطة الجديدة وتُبقى سيفها لا يزال مسلّطا دون أفق... سيادة بالحدّ الأدنى.

وفى العراق الذى يتعاطف جزءٌ من شعبه مع إيران صامِتٌ ومذهولٌ أمام هول الهجمة الإسرائيليّة. بل هدّد «ذباب إسرائيل» على وسائل التواصل الاجتماعى حتّى المصريين الذين لم يُبدوا يوما تعاطُفا مع إيران «الشيعيّة»، لكنهّم أيضاً شملهم الإحباط أمام مشهد استباحة إسرائيل للمنطقة برمّتها ودعم الولايات المتحدة وأوروبا لجرائمها دون رادع.

• • •

فما الذى سيعنيه «السلام الإسرائيلى» فى المنطقة؟! هذا فى حين أمل الداعون إلى «السلام الأمريكى» بأنّه سيأتى بالنموّ الاقتصادى والرخاء والحريّات العامة، على شاكلة السلام الأمريكى فى أوروبا واليابان بعد الحرب العالميّة الثانية، وفى كوريا الجنوبية بعد الحرب هناك؟

لكن يتمّ نسيان أنّ الولايات المتحدة نفسها تغيّرت منذ ذلك الحين. ولم تعُد حقّاً القوّة العظمى الوحيدة فى العالم بعيد انهيار الاتحاد السوفيتى. فمن ينافسها فى الهيمنة العالميّة هى بالضبط... حليفتها... إسرائيل. إنّ المال والقوّة العسكريّة والمشهديّة للولايات المتحدة... أمّا الريادة فهى لنتنياهو وربعِه.

 

رئيس التحرير السابق للوموند ديبلوماتيك النشرة العربية ــــ ورئيس منتدى الاقتصاديين العرب

 

 

 

 

سمير العيطة رئيس التحرير السابق للوموند ديبلوماتيك النشرة العربية ــ ورئيس منتدى الاقتصاديين العرب
التعليقات