وزير الخارجية الأمريكى استبق بلاك فرايدى [جمعة الأوكازيونات الكبيرة فى أمريكا] بأسبوع، وعيد الميلاد بأكثر من شهر. جاء إلى إسرائيل كى يجرى أوكازيون تصفية للقليل المتبقى من المواقف التقليدية للولايات المتحدة إزاء إسرائيل قبل انتهاء ولاية إدارة الرئيس دونالد ترامب بعد شهرين. وزّع بومبيو هدايا [ترامب] كأنه سانتا كلوز، وهذا كان من دواعى سرور بنيامين نتنياهو والمستوطنين، وفى الأساس المسيحيين الإنجيليين من أمثاله ــ الذين سيكون دعمهم ضروريا إذا قرر الترشح للرئاسة بعد 4 سنوات.
مثل كل المبادرات التاريخية للرئيس ترامب، تصريحات بومبيو موجهة فى الأساس نحو آذان يمينية. الزيارة الأولى لوزير خارجية أمريكى إلى المستوطنات فى الضفة الغربية والسماح بوسم منتوجاتها بأنها «منتوجات إسرائيل» هى ربما خطوات هائلة بالنسبة إلى المستوطنين، لكنها خطوة صغيرة لإسرائيل كلها ومن غير الواضح فى أى اتجاه. على أى حال من الأفضل الانتظار قبل الاستثمار فى طبع تصاميم جديدة للمنتوجات. إدارة بايدن ستستلم زمام السلطة بعد نحو 60 يوما، ومن المحتمل أن تعمل على إلغاء القرار.
فى مقابل ذلك، المطالبة الإسرائيلية الهاذية ــ التى استجاب لها بومبيو ــ بأن تصنف الخارجية الأمريكية منظمات تؤيد المقاطعة على أنها معادية للسامية، هى مزيج جيد من الغطرسة والغباء والشر. هى تثير غضب الرأى العام الليبرالى الذى يعتبر الخطوة محاولة لتقييد حرية التعبير؛ وهى تعظم اسم المنظمات التى تدعو إلى المقاطعة، وتساعدها فى تجنيد رفاق جدد فى وقت يضمحل تأثيرها؛ وهى تطمس الفوارق بين إسرائيل وبين يهود الشتات، وتُضخّم صفوف المُعادين للسامية فى المنظمات المعادية للصهيونية ومعارضى السيطرة الإسرائيلية على المناطق، الذين لا يكرهون اليهود قط.
باستثناء إقامة علاقات سلام مع دول الخليج ومع السودانــ دفع أيضا نتنياهو مقابلها ثمنا غير معروف، بالإضافة إلى إلغاء الضمــ خطوات ترامب المؤيدة لإسرائيل تنقسم إلى نوعين، خطوات رمزية أو مؤذية. نقْل السفارة إلى القدس والاعتراف الأميركى بالسيادة الإسرائيلية فى الجولان أثارا إعجابا عاما، لكن فائدتهما العملية معدومة. فى مقابل ذلك، هذا الأسبوع بدا قرار ترامب الانسحاب من الاتفاق النووى مع إيران كفشل مطلق، أيضا للرئيس وللإدارة الأميركية، لكن فى الأساس لنتنياهو نفسه.
هناك علاقة متناقضة تماما بين الصورة التى بناها نتنياهو لنفسه كـ«خبير بإيران« وبين مجموعة الفرص التى ضيعها والإخفاقات التى مُنى بها فعليا. بدلا من التعاون مع إدارة أوباما فى سنة 2014، والتأثير مباشرة فى الاتفاق النووى، فضّل نتنياهو، لسرور شلدون أدلسون والجمهوريين أن يحرض وأن يقف ضد الاتفاق الذى جرى التوصل إليه من دونه. تجاهل الآراء الإيجابية لأغلبية الخبراء فى العالم، وضخّم مساوئ الاتفاق وجعلها تبلغ أحجاما مروعة، واستند إلى وجهة نظر خبراء محليين، جزء منهم وافق بصوت عال، وجزء آخر تحفّظ بتواضع.
بهذه الطريقة خرج نتنياهو إلى حرب خاسرة ضد أوباما والاتفاق فى الكونغرس، وانهزم بصورة متوقعة سلفا، أحرق جسورا وترك وراءه أثرا سيئا لدى الديمقراطيين، يمكن أن يدفع ثمنه قريبا. على الرغم من فشله فإن نتنياهو حُمل على أكتاف الجمهور الإسرائيلى وتحول إلى بطل مبجل لدى كارهى أوباما أينما كانوا، بينهم عنصريون صريحون.
انتخاب ترامب غيّر الصورة من النقيض إلى النقيض. صحيح أن ترامب هاجم بشدة فى حملته الانتخابية الاتفاق الذى حققه أوباما الذى يكرهه، لكنه كرئيس أُعطيت له فرصة لا تتكرر لتعديل عيوبه. هو كان قادرا على استخدام مطالبته بإلغاء الاتفاق من أجل التوصل إلى تحسينات وتغييرات كان فى إمكان نتنياهو مرة أُخرى أن يلعب دورا مركزيا فى بلورتها. لكن نتنياهو لم يتعلم شيئا، ولم ينسَ شيئا، ولم يعترف بشيء سوى بخضوع إيرانى مطلق. هو ووكلاؤه استغلوا عداء ترامب لأوباما ودفعوه إلى التخلى عن الاتفاق، وبذلك عكّروا علاقات الولايات المتحدة مع أوروبا، وساهموا فى تقديمها كدولة لا تلتزم باتفاقاتها.
هذا الأسبوع اتضح أيضا أن هذه الاستراتيجية تواجه انهيارا وشيكا. حتى لو واصل بومبيو مفاقمة السياسة الأميركية «بالضغط الأقصى»، من الواضح أن طهران لن تتحول عن توجهها خلال الفترة القصيرة الباقية لدخول بايدن إلى البيت الأبيض. وبحسب تقرير للنيويورك تايمز، أيضا عمليات جس النبض التى قام بها ترامب لإمكان القيام بهجوم عسكري ــ نتنياهو قطعا كان على علم به إن لم يكن أكثر من ذلك ــ انتهت برد ضعيف. هذا الأسبوع فهم نتنياهو أن الأمر قد حُسم، وترامب فى الطريق إلى الخارج، ومخزون اليورانيوم المخصب لدى الإيرانيين أكبر من ذلك الذى كان لديهم عند توقيع الاتفاق النووى الأصلى قبل 5 سنوات.
محلل سياسي
هاآرتس
مؤسسة الدراسات الفلسطينية
حيمى شاليف