خلال جلسة نقاش على هامش المؤتمر الدولى الثانى للفلسفة الذى احتضنته إمارة الفجيرة هذا الأسبوع طرح أحد الأصدقاء سؤالا عن غياب المفكر/ النجم فى عالمنا العربى والنجومية المقصودة هنا ترتبط بحجم التأثير.
وليس بعيدا عن هذا السؤال، ما أثاره الناشر الصديق شريف بكر فى مقال مهم نشرته (أخبار الأدب) هذا الأسبوع عن مفهوم النجم الثقافى، فقد لفت إلى أن النجومية الآن باتت فى مكان آخر مرتبطة بعالم (التيك توك) ومختلف الوسائط الجديدة، وقال إن عصر الناقد أو المفكر بالمواصفات القديمة قد انتهى، لأن المحرك الرئيسى هو الذى يحرك كل الأطراف حاليا ومن ثم فإن البطل هو الذكاء الاصطناعى!
وحده من يقرر أن مقال الناقد / المفكر هو ما يظهر عند البحث على الانترنت أو على مواقع التواصل الاجتماعى. والقائمون على هذا العالم هم من يفرض علينا «فيديو اليوتيوبر» أو «بوكستجرام» أو «البوكتوكر» ليظهرعلى محركات البحث وهو القادر على فرضه عليك وعلينا حتى يصبح «تريند» ويكتسح المواقع.
ما طرحه بكر، لم يكن على مائدة النقاش فى المؤتمر لكنه بات حقيقة واقعية تماما، لكن ما نفكر فيه متعلق بمدى مسئولية المثقف فى الغياب عن هذا العالم بما يتيحه من إمكانات هائلة؟
أنتمى وغيرى إلى آخر الأجيال التى تابعت مقالات الكبار من أمثال لويس عوض وزكى نجيب محمود وفؤاد زكريا ومصطفى سويف ومحمود أمين العالم وصولا لجيل حسن حنفى وعابد الجابرى وعبدالله العروى ومحمد أركون وأمثال هؤلاء ومعهم محمد حسنين هيكل وأحمد بهاء الدين ويوسف إدريس هم من كانوا يصنعون جدول أعمالنا وكان أغلبهم هدفا لملاحقة دور النشر الكبرى التى كانت تتسابق لنشر أعمالهم وتصدرها فى طبعات متلاحقة.
بفضل هؤلاء تنامت لدى القراء نزعات فلسفية وتشكلت اهتمامات للبحث خارج الدوائر التقليدية.
وفى زمن الذكاء الصناعى أظن أن الحاجة تضاعفت لوجود هذا النوع من المثقفين القادرين على التأثير وصناعة الرأى العام الذى اختطفته السوشيال ميديا ومعها المواقع الإعلامية التى تجرى خلف صناع التفاهة لملاحقة لوثة التريند بغض النظر عن أى مسئوليات أخلاقية.
كم كان مثيرا لى ولغيرى ممن شاركوا فى نقاشات مؤتمر الفجيرة للفلسفة أن نرى الأجيال الجديدة وهى تتساءل عن المسئولية الأخلاقية لصانع المحتوى داخل حلقات العمل والورش الكثيرة التى استضافها المؤتمر.
واكتشفنا كيف نمت هناك حلقات كثيرة للبحث فى أمور فلسفية وهى ورش تعمل داخل الجامعات وخارجها، ففى الوقت الذى تتراجع فيه الدراسات الفلسفية فى بلد مثل مصر لأسباب تتعلق بتدهور التعليم وتنامى المزاج السلفى العام تحدث قفزة فى دراستها هناك وتبرز أسماء مؤثرة تنتج مؤلفات تقع بين حقول معرفية متناغمة فى إطار النقد الثقافى والبحث الفلسفى أو الاجتماعى.
ومن الواضح جدا أن هذه المجتمعات اتخذت قرارا بالتعامل مع المستقبل ورأت بعد سنوات من المقاومة أنه لا سبيل سوى تنمية البحث الفلسفى إلى جانب الاهتمام بالانخراط فى المشهد العام الذى يمنح البطولة لعالم الذكاء الصناعى لكنه دون التخلى عن الركائز الفكرية التى تفسر هذا العالم وتساعد فى تغييره،
وخلال جولات منتظمة داخل معارض الكتب العربية وجدت أن القارئ المصرى وحده هو من يحصر اهتماماته فى حدود المعرفة الأدبية أو السرديات التاريخية وكتب المذكرات ومن النادر أن تتخطى خياراته إلى آفاق أخرى تشمل الفيزياء أو الفلسفة.
ربما كان ذلك بمثابة دليل جديد على (الفجوة) الموجودة مع المجتمعات الخليجية التى تسعى للاستجابة لتطلعات الأجيال الجديدة التى تقرأ بلغات متعددة بفضل تطور التعليم وهى ذاتها الأجيال التى ترى فى البحث الفلسفى مطلبا أساسيا على عكس ما يحدث هنا.