«إلى المصريين فى الخارج.. نحن نفتقدكم اليوم.. إلا أننا لن ننساكم.. سنحارب من أجل حقكم فى ممارسة حق التصويت فى الانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة.. وبكل السبل الممكنة»، هذا نص رسالة وصلتنى فى واشنطن من صديق حميم بعدما انتهى لتوه من التصويت على مقترحات تعديل الدستور يوم السبت الماضى فى القاهرة.
وبقدر ما أثلجت صدرى هذه الرسالة، إلا أنها أعادت وأكدت أن الوجود خارج مصر الديكتاتورية غير الديمقراطية كان أسهل وأكثر هوانا من الوجود خارج مصر الديمقراطية. الشعور بعدم القدرة على المشاركة فى تقرير مصير الوطن الجديد، الوطن الذى جعل المصريين يشعرون للمرة الأولى بأنهم يمتلكون منه وفيه الكثير، تجعل من الواجب إلقاء الضوء على معضلة مشاركة المصريين بالخارج سياسيا، والتعامل معها كأزمة يجب حلها قبل حلول الانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة.
ولم يحرم الدستور المصرى (دستور 1971)، ولا التعديلات الدستورية التى تمت الموافقة عليها، المصريين فى الخارج من حق التصويت. فالمادة رقم (62) من دستور 1971 تقول «للمواطن حق الانتخاب والترشيح وإبداء الرأى فى الاستفتاء وفقا لأحكام القانون ومساهمته فى الحياة العامة واجب وطنى». كما أن المادة (1) من القانون رقم 73 لسنة 1956 الخاص بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية نص على أن «لكل مصرى ومصرية بلغ ثمانى عشرة سنة ميلادية أن يباشر بنفسه الحقوق السياسية الآتية:
أولا: إبداء الرأى فى كل استفتاء ينص عليه الدستور. ثانيا: انتخاب كل من: 1ــ رئيس الجمهورية، 2ــ أعضاء مجلس الشعب، 3ــ أعضاء مجلس الشورى، 4ــ أعضاء المجالس الشعبية المحلية. إلا أن هناك قوى خفية نجحت فى عدم تمرير أى قانون منظم لعملية تصويت المصريين بالخارج حتى الآن.
ومع ذلك فقد حرمت الدولة المصرية حتى الآن المصريين فى الخارج من ممارسة هذا الحق الدستورى الأساسى. ولا يوجد هناك مبرر لهذا المنع على الإطلاق.
فقد لعبت التكنولوجيا دورا كبيرا ومسهلا للتصويت من أى مكان فى العالم، وهناك عدة طرق فنية مستخدمة على نطاق واسع، مما ساعد أكثر من 115 دولة على تمتع مواطنيها بحق التصويت من مختلف بقاع الدنيا. وفى ظل استخدام الرقم القومى فى عملية الانتخابات، ولأنه رقم كودى، لا يتكرر من مواطن لمواطن، فيمكن بسهولة تصميم قواعد بيانات حكومية تمكن المصريين من التصويت إلكترونيا، مع أخذ الاحتياطات الأمنية اللازمة لعدم اختراق قواعد البيانات من أى طرف.
كذلك يمكن إجراء الانتخابات فى السفارات المصرية بالخارج خاصة مع توافر الرقابة الدولية، من قبل الأمم المتحدة أو جامعة الدول العربية، ومنظمات المجتمع المدنى المعنية بالانتخابات، أو بممثلى القضاء من الدول المضيفة للإشراف على إجراء تلك الانتخابات. ويمكن أن يشرف السفير المصرى، كونه ممثلا للدولة المصرية، على كافة إجراءات العملية الانتخابية، ويمكن أيضا أن يقوم ببعض المهام الرقابية الملحق العسكرى كونه يعد على علاقة مباشرة معه، ويمثل المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
دول عربية شقيقة مثل العراق واليمن وسوريا والجزائر وتونس تمنح مواطنيها هذا الحق، دول افريقية أكثر فقرا وأقل تقدما مثل السنغال وغانا لم تحرم مغتربيها من واجبهم الوطنى، ناهيك عن أغلب دول أوروبا وآسيا والأمريكيتين التى يصوت مواطنوها من أى بقعة فى العالم منذ زمن طويل.
ثمانية ملايين مصرى بالخارج هم أنفسهم هؤلاء المصريون الذين ضخوا تحويلات مالية بالعملة الصعبة بلغت عام 2009 ما يزيد على 7.8 مليار دولار طبقا لبيانات البنك الدولى، أو ما قيمته 21.4 مليون دولار يوميا، أو ما يقرب من 20% من موارد العملة الأجنبية فى مصر. وتزيد قيمة تحويلات المصريين بالخارج عما تدره قناة السويس من عوائد بلغت 4.8 مليار دولار، أو ما يدخله قطاع السياحة البالغ 6.8 مليار دولار للخزينة المصرية فى نفس العام.
ومن الجدير بالذكر أن تحويلات المصريين بالخارج لم تنخفض أثناء أو بعد أيام الثورة المصرية، على العكس مما حدث من توقف شبه تام لعائدات قطاع السياحة. ويحول المصريون بالخارج المزيد من الأموال لأهاليهم ومعارفهم وأقاربهم فى أوقات الأزمات المحلية.
وتشير دراسة حديثة لمنظمة الهجرة الدولية إلى أن 80% من تحويلات المصريين بالخارج، أو ما قيمته 6.24 مليار دولار تذهب بصورة مباشرة لأهاليهم وأقاربهم، بينما تذهب الـ20% الباقية، أو ما قيمته 1.56 مليار دولا، للاستثمار مما ينتج عنه خلق فرص عمل لآلاف المصريين داخل مصر.
ولك أن تعرف عزيزى القارئ أن قيمة تحويلات المصريين العاملين فى الولايات المتحدة فقط بلغت العام الماضى ما يزيد على 1.8 مليار دولار، وهو ما يزيد على إجمالى المساعدات الأمريكية العسكرية والاقتصادية فى نفس العام.
كذلك يمثل المصريون بالخارج رأسمال معرفى وثقافى لا يقدر بثمن، فمئات الآلاف منهم حاصلون على أعلى مستويات التعليم الموجود فى بلادهم خاصة فى أوروبا وأمريكا الشمالية، وإن أحسن استغلالهم قد يصبحون أحد أعمدة التقدم المصرى الذى نتطلع إليه جميعا.
فريدريش إنجلز، رفيق كارل ماركس، عرف الثورة بأنها «عملية الولادة التى يخرج فيها وليد جديد من رحم المجتمع القديم»، وعلينا أن لا نسمح بأن يكون المولود الجديد مشوها. مصريو الخارج، 10% من مواطنى مصر، يستطيعون أن يضيفوا الكثير لهذا المخاض، ولربما ازداد يسرا وجاء الوليد مكتمل النسب قوى البنية.