هل إذا طالبت بدعم الدولة لصناعة السينما فى هذا التوقيت، أكون قد سلكت دربا من الخيال، أم أوقظ حلما حان تحقيقه من جديد على أرض الواقع؟!.
لطالما أدركت الحكومات حول العالم أهمية الاستثمار فى الفنون، وخاصةً فى السينما، التى يعتبرونها سلعة تصديرية اقتصادية، فهذا الاستثمار لا يُثرى المشهد الثقافى فحسب، بل يُحقق أيضًا فوائد جمة تشمل المجالات الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية، وقد شاهدنا تجارب عديدة ليس فقط فى أوروبا، بل معظم الدول الآسيوية والإفريقية.
نعم بات الاستثمار فى السينما عنصرا مهما، خاصة فى ظل عودة الإقبال الجماهيرى الكبير وما تحققه الأفلام من إيرادات فى شباك التذاكر محليا وعربيا، ويمكن أن يكون هذا الدعم من خلال إنشاء صندوق جديد لتحفيز الاستثمارات، يُمول بجزء من عائدات ضريبة مبيعات التذاكر ،كما يمكن توفير هذا التمويل من خلال ميزانيات الهيئات الثقافية، مما يُمثل دعمًا ماليًا أساسيًا لصانعى الأفلام وفى مقدمتهم «المستقلون» الذين يبحثون سنوات عن دعم لمشاريعهم ويطوفون حول مؤسسات خارجية لها منهجها وسياستها.
كما يمكن للحكومة أن تنظم برامج منح يُمكن لصانعى الأفلام التقديم عليها للحصول على دعم مالى لمشاريعهم. قد تُغطّى هذه المنح جوانب مُختلفة من إنتاج الأفلام، مثل تطويرالسيناريوهات، وتكاليف الإنتاج، ومرحلة ما بعد الإنتاج، والتسويق، وذلك وفق معايير محددة يجب على صانعى الأفلام استيفاءها للتأهل للحصول على التمويل الحكومى. قد تشمل هذه المعايير نوع الفيلم وفكرته المبتكرة وأن يتمتع بمفهوم مقنع ورؤية فنية، والجمهور المستهدف، وميزانيته وجدوله الزمنى الواقعى واستراتيجية توزيعه، وتسويقه للوصول إلى الجمهور المستهدف، وميزانية مفصلة وخطة تحدد جميع نفقات الإنتاج، ودليل على جدوى المشروع والأثر الثقافى والاجتماعى المتوقع للمشروع، بقدرة الفيلم على المساهمة فى الهوية الثقافية أو الاجتماعية أو التاريخية للبلد.
وفى ظل المشهد تتبع برامج التمويل الحكومى عملية اختيار دقيقة؛ حيث تُقيّم المشاريع المُقدّمة من قِبَل لجنة من الخبراء والمتخصصين فى هذا المجال من حيث الجودة الفنية لكل مشروع، وجدواه، وتأثيره المُحتمل. وبعد عملية التقييم، تحصل المشاريع المختارة على تمويل بناءً على توصيات اللجنة والميزانية المتاحة. قد يُقدّم التمويل كمنحة لمرة واحدة أو يُصرف على دفعات، حسب احتياجات المشروع.
غالبًا ما يُطلب من صانعى الأفلام الحاصلين على تمويل حكومى تقديم تقارير تقدم وبيانات مالية خلال عملية الإنتاج. وهذا يضمن الشفافية والمساءلة فى استخدام الأموال العامة.
وأعود للفوائد الاقتصادية؛ حيث تُعدّ صناعة السينما رافدًا اقتصاديًا هامًا، إذ تُوفّر فرص عمل ليس فقط للممثلين، بل أيضًا لمجموعة واسعة من المهنيين، مثل المخرجين وكتاب السيناريو والمصورين وعمال الاستديوهات، ويمكن للاستثمار الحكومى أن يُحفّز هذا القطاع، مما يؤدى إلى النمو الاقتصادى والسياحى أيضا؛ حيث تجذب المدن المعروفة بمشاهدها السينمائية النابضة بالحياة السياحية والأثرية، مثل القاهرة والأقصر وأسوان والإسكندرية والبحر الأحمر ملايين السياح سنويًا، كل ذلك بجانب تعزيز الإبداع، والنهوض بصناعة الأفلام، وتطوير المشهد الثقافى.
وبالنسبة للفوائد الاجتماعية، فالسينما أداة فعالة للتعبير عن التراث الثقافى وتعزيز الشعور بالانتماء للمجتمع ويساهم استثمار الحكومة فى إنتاجات سينمائية متنوعة فى الحفاظ على الهوية الثقافية وتعزيز الوعى والتميز الفنى والاقتراب من قضاياه الاجتماعية، مما يُسهم فى بناء مجتمع أكثر ثراءً وشمولاً.
وفى النهاية، أدعو أيضًا المبدعين المستقلين فى الصناعة ليكونوا فى قلب المشهد وإيجاد سبل لإيصال صوتهم.