سامح عبدالعزيز.. سينما الهامش الاجتماعى
فى المشهد السينمائى المصرى المعاصر، يبرز المخرج سامح عبدالعزيز كأحد الأسماء التى نجحت فى تطويع السينما الشعبية لخدمة مضامين اجتماعية وإنسانية ذات عمق.
عبدالعزيز لا يتردد فى الغوص فى عوالم تبدو هامشية ظاهريًا – كالملاهى الليلية أو الأحياء الشعبية – لكنه يعيد تشكيلها لتكون مرآة تكشف أمراض المجتمع وتناقضاته.
أسلوبه يجمع بين الواقعية الاجتماعية والتعبير البصرى المكثف، بإيقاع سريع مستعينًا بسيناريوهات الكاتب أحمد عبد الله فى عدة أفلام شكلت علامة فارقة فى سينما الألفية الجديدة. خاصة فى أعماله التى تصور الحياة الليلية أو العشوائيات. كما يميل إلى استخدام الكاميرا المحمولة أحيانًا لخلق شعور بالواقعية، ويُكثر من المشاهد التى تضم مجموعات بشرية متعددة، مما يعكس ازدحام الواقع المصرى وتداخله.
هو مخرج لا ينحاز للنخبة، بل يختار الحكايات الشعبية، ويمنحها نبضًا سينمائيًا مميزًا، دون الوقوع الكامل فى فخ «الواقعية التسجيلية» أو الاستعراض السطحى.
ويبقى فيلمه «كباريه» ٢٠٠٨ عام الذى اعتبر صورة المرآة المشروخة للمجتمع المصرى، من أبرز محطات المخرج سامح عبدالعزيز؛ حيث استطاع أن يجمع فيه بين الكوميديا والدراما، وبين الخفة الظاهرة والوجع الداخلى.
اعتمد الفيلم على السرد المتعدد الأصوات؛ حيث تدور أحداثه فى ليلة واحدة داخل «كباريه»، وهو ملهى ليلى يصبح نموذجًا مصغرًا للمجتمع المصرى بكل تناقضاته.. تتقاطع فيه مصائر راقصات ومغنين، متدينين ومتطرفين، فقراء وأثرياء. هذه التقنية أتاحت للمخرج الغوص فى أكثر من طبقة اجتماعية وفكرية ضمن سياق درامى مشحون.
قدّم عبدالعزيز المكان كمكان مزدوج: ساحر فى ظاهره، قاتم فى جوهره، من خلال الألوان والضوء والموسيقى، أوجد توازنًا بين الإبهار والغموض، وكشف كيف أن «المتعة» فى هذا العالم ليست سوى قناع يغطى هشاشة نفسية واجتماعية.
المونتاج الموازى بين خط درامى وآخر أضفى على الفيلم إيقاعًا متماسكًا، وأبرز مهارة المخرج فى إدارة تعدد الشخصيات دون أن يفقد التركيز.
المكان ليس فقط ملهى، بل صورة مجازية لمصر التى تعيش فى حالة انقسام دائم فى تلك الحقبة الذمنية المتناولة: بين الحداثة والتدين، بين الطبقات، بين الواقع والحلم. الكباريه هنا مساحة تعرية رمزية، حيث تتجلى الهويات المزيفة والمكبوتات الدفينة.
تبقى أهم رسائل الفيلم هى الازدواجية الأخلاقية التى يعيشها المجتمع.
ورغم بعض الانتقادات التى طالت الفيلم – كتركيزه على الجسد أو اعتماده على الإبهار البصرى – فإن "كباريه" يبقى من أكثر أفلام عبدالعزيز نضجًا وجرأة.
فى مسيرة سامح عبدالعزيز أفلام أخرى بارزة مثل الفرح (2009)، والذى يستكمل فيه نفس النمط السردى لـ«كباريه»، لكن فى إطار حفل فرح شعبى؛ حيث تتقاطع الشخصيات فى ليل صاخب بالآمال والانكسارات.
عمل يمزج بين الكوميديا السوداء والدراما الاجتماعية، وتدور الأحداث فى ليلة واحدة داخل «فرح وهمى» أقامه صاحبه فقط لجمع النقوط وسداد ديونه. من خلال هذا الإطار البسيط، يسلّط الفيلم الضوء على واقع طبقى قاسٍ، وشخصيات تمثل شرائح مهمّشة فى المجتمع المصرى.
يتميّز الفيلم بأسلوبه الفسيفسائى؛ حيث يُقدِّم عددًا كبيرًا من الشخصيات التى تتقاطع مصائرها فى هذه الليلة. كل شخصية تحمل مأساة صغيرة، وتعبّر عن أزمة أكبر: البطالة، الفقر، القمع، وتردى القيم. استخدام شخصية «عريس الفرح» كرمز للزيف الاجتماعى؛ حيث يُحتفل دون وجود عروس حقيقية، يجسد المفارقة بين المظهر والواقع فى حياة الكثيرين.
استخدم سامح عبدالعزيز، كاميرا قريبة من الشارع، وألوانًا صاخبة، وإيقاعًا سريعًا، ليجعل المُشاهد يعيش فوضى الفرح كما تعيشها الشخصيات. وبمساعدة الكاتب أحمد عبدالله، استطاع الفيلم أن يقدم حوارًا نابضًا بالحياة، يمزج بين السخرية والمرارة.
الفرح فى الفيلم ليس سوى قناع يخفى الألم الجماعى، بينما النقوط يصبح رمزًا للربح الزائف، حيث تُقاس العلاقات بالمادة، لا بالمشاعر.
وكذلك مسلسل "مسيو رمضان أبو العلمين"، مغامرة كوميدية مع محمد هنيدى، تعكس صراع التعليم مع الجهل، والتقاليد مع التحديث.
و«حلاوة روح» (2014): فيلم أثار جدلًا واسعًا بسبب محتواه الجرىء، وطرح أسئلة عن علاقة الجسد بالسلطة الاجتماعية.
ومسلسل سجن النساء (2014): تجربة تليفزيونية ناضجة، قدمت شخصية المرأة المهمشة بعمق وإنسانية، ووضعت سامح عبدالعزيز ضمن صنّاع الدراما الاجتماعية القوية.
سامح عبدالعزيز هو مخرج الواقع الصاخب، الذى لا يكتفى برواية الحكاية، بل يضع المتلقى داخلها. أفلامه ليست فقط للترفيه، بل صرخات بصرية ضد النفاق، الفقر، التطرف، والكبت.