ماجدة وفيروز.. مشهد يتجاوز العزاء - خالد محمود - بوابة الشروق
الخميس 31 يوليه 2025 5:42 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع النجاح لنظام الدوري المصري الجديد في ظل مشاركة 21 فريقًا؟

ماجدة وفيروز.. مشهد يتجاوز العزاء

نشر فى : الأربعاء 30 يوليه 2025 - 7:50 م | آخر تحديث : الأربعاء 30 يوليه 2025 - 7:50 م

فى مشهد نادر ومؤثر التقطته عدسات الكاميرات ومواقع التواصل الاجتماعى، انحنت أو «ركعت» جلوسًا الفنانة اللبنانية الكبيرة ماجدة الرومى بكل ما تحمله من وقار فنى وإنسانى، لتُقبّل يد السيدة فيروز، أيقونة لبنان وصوته الأبدى، خلال عزاء نجلها الموسيقار زياد الرحبانى.

 


هذا المشهد تجاوز لحظة عاطفية خاصة، ليغدو رمزًا ثقافيًا وإنسانيًا غنيًا بالمعانى، يستحق التأمل والتحليل. فلم يكن مجرّد لحظة عابرة فى مناسبة حزينة، بل كان مشهدًا يحمل من الرمزية ما يتجاوز حدود الصورة، ويتغلغل فى أعماق الوجدان اللبنانى والعربى.
فى تلك القبلة، اجتمع التاريخ الشخصى والفنى، وانكشفت هشاشة الإنسان خلف الألق الفنى. كانت ماجدة، التى لطالما اعتُبرت ابنة المدرسة الرحبانية، تُحيّى السيدة التى غنّت للبنان كما لم يفعل أحد. كانت تحيى التاريخ، تحيى الأم، وتحيى الفنّ الذى شكّل وجدان أجيال.
فى السياق العام للمشهد حدث هذا فى لحظة حزينة من تاريخ الفن اللبنانى والعربى، بوفاة زياد الرحبانى، أحد أعمدة الموسيقى والمسرح السياسى الساخر فى لبنان. وجاءت ماجدة الرومى، المعروفة برقيها وصوتها الوطنى، لتقدم واجب العزاء. غير أن طريقتها فى التعزية كانت استثنائية: ليست مجرد كلمات بل فعل جسدى تعبيرى يحمل دلالات تتجاوز الطقوس الاجتماعية التقليدية.
النقطة الأخرى هى دلالة فيروز فهى كقيمة ليست مجرد فنانة، بل هى رمز وطنى وثقافى وفنى شبه مقدّس فى الوعى اللبنانى والعربى. ارتبطت صورتها بالوطن، بالحنين، بالحب الصافى، وبالزمن الجميل. لذا فإن الانحناء أمامها، خصوصًا فى لحظة ألمها، يأخذ بعدًا احتراميًا قد يوازى الانحناء أمام الوطن نفسه أو الأم الكبرى.
ركوع ماجدة الرومى وتقبيلها ليد فيروز يمكن فهمه على أنه:
• تعبير عن المحبة الخالصة والتقدير العميق: فماجدة الرومى تعلن فى هذا الفعل أن فيروز لا تزال الهرم الذى يعلو الجميع، حتى كبار الفنانين.
• موقف أخلاقى وإنسانى: تعبير عن التضامن الإنسانى فى لحظة الفقد، حيث لا كلمات تفى، ولا عزاء يكفى.
• انكسار الذات أمام العظمة والألم معًا: حين يجتمع الحزن مع الرمزية، يصبح الجسد نفسه وسيلة تعبير، فيركع الكبير أمام الأكبر.
جدل وتأويلات كثيرة صاحبت ذلك المشهد الذى استغرق مجرد ثوانٍ قليلة، فرغم أنه قوبل بإعجاب واسع، لم يخلُ من تساؤلات وانتقادات: هل كان المشهد عفويًا أم مقصودًا كنوع من الاستعراض؟!
أم أن اللحظة الإنسانية تلغى الحسابات الشكلية؟
لا يمكن إنكار تأثير المشهد على الرأى العام، خصوصًا أنه أعاد التذكير بقيمة فيروز لدى الجميع، وبمكانة ماجدة الرومى كفنانة تؤمن بالقيم قبل الفن.
بين فيروز وزياد وماجدة، ثمة خيوط خفية من الفن والاختلاف واللقاء. ماجدة الرومى، فى بداياتها، كانت من الأصوات التى لفتت انتباه منصور وزياد الرحبانى، وقدّما لها ألحانًا وكلمات من طراز رفيع. زياد، بنزعته التجريبية والمتمردة، كتب وألّف لماجدة أغنيات استثنائية مثل «كن صديقى» و«عم يسألونى عليك الناس»، فتولّدت علاقة فنية معقّدة، مزجت بين الحنين والحداثة، بين صفاء الصوت وجرأة الكلمة.
أما فيروز، فكانت دائمًا هى الأم، و المدرسة، والجبل الذى لا يُمسّ. ورغم ما شاب العلاقة بين زياد وعدد من الفنانين، ظلّت فيروز تمثل الرابط الأعمق، الجذر الذى يعود إليه الجميع، حتى فى لحظات الفقد.
لذلك، كان مشهد ماجدة، وهى تُقبّل يد فيروز أشبه باعتراف بصمت، ووداع مزدوج: لزياد، الفنان المختلف والابن المتمرد، ولزمنٍ بات يغيب رموزه واحدًا تلو الآخر.
فى لحظة عزاء، تلخّص مشهد واحد ما لم تقله كلمات كثيرة. ركوع ماجدة الرومى وتقبيلها يد فيروز كان فعلًا فنيًا بحد ذاته، يحمل دلالات الوفاء، والمحبة، والاحترام، والرمزية التاريخية. وربما كان أيضًا تأكيدًا على أن بعض المشاعر لا يُقال، بل يُركع لها.

خالد محمود كاتب صحفي وناقد سينمائي
التعليقات