الصراع الدائر داخل ليبيا مازال يشوبه قدر من الغموض، هل هو صراع مباشر على السلطة بغض النظر عن أية مآرب أخرى أم أن الأشقاء هناك وعلى اختلاف ميولهم وانتماءاتهم يريدون حسم مستقبلهم إزاء التهديد القائم والمحتمل الذى تمثله ميليشيات إرهابية.
لا ينكر متابع أن ثمة فوضى حقيقية لفّت أنحاء ليبيا على مدار عام على الأقل حتى صارت سمتا مميزا للدولة النفطية التى لم تعرف بعد طريقها منذ الإطاحة بالقذافى وأبنائه، فوضى لم يتضرر منها الشعب الليبى وحده بل امتدت لتطال رعايا دول أخرى خطفا وقتلا وترويعا، لا فارق فى ذلك بين دول جوار (مصر) أو دول غربية (الولايات المتحدة).
والحقيقة أن انتشار السلاح بغير ضابط بعد انهيار جيش القذافى شبه النظامى متوازيا مع/ مساعدا على تعدد الجماعات المسلحة (إسلامية الهوى كانت أم غير ذلك)، وما صاحب ذلك ضعف الحكومة المركزية الظاهر فى الإمساك بمقاليد الأمور، كان لزاما أن يؤدى فى يوم ما إلى تناحر هذه الجماعات بينيا كنتيجة متوقعة تشهد عليها تجارب التاريخ المعاصر (أفغانستان مثالا).
بل وصل تدهور الوضع الأمنى إلى الحد الذى يسمح باختطاف رئيس الوزراء نفسه صبيحة يوم وإطلاق سراحه من لدن خاطفيه طواعية فى مساء اليوم نفسه، هكذا بمنتهى البساطة!
انفلات الوضع الأمنى فى العمق الليبى أدى مباشرة إلى نمو هائل فى عمليات تهريب السلاح بطول الحدود المصرية ــ الليبية وربما الجزائرية أيضا، ومثل إمدادا ثابتا منتظما لعصابات إجرامية أو لمجموعات إرهابية نفذت بالفعل عملياتها فى العمق المصرى، بل وساعد على نحو غير مسبوق على إزكاء نيران بعض بؤر التوتر المجتمعى، وأحداث أسوان الأخيرة شاهدة على ذلك.
ومن المبكر الجزم بأن تحرك (حفتر) وحلفائه موجه بصورة مباشرة أو حتى ضمنية إلى جماعة الإخوان تحديدا أو لتقويض مساعى البناء الديمقراطى بصفة عامة، صحيح أن هذا يظل احتمالا قائما، لكن المخاطر التى تواجهها ليبيا أيضا أظهر من أن تُختلق حتى ولو استخدمت ذريعة.. واستيعاب (النهضة) التونسى ومن بعده حماس فى غزة لضرورة تجنب مصير إخوان مصر ينبغى أن يكون ماثلا فى أذهان متخذى القرار الإخوانى فى ليبيا.
ليس من مصلحة أحد أن تتوافر بيئة خصبة جديدة للتنظيمات التكفيرية، وليس من مصلحة الأشقاء فى ليبيا انهاء أى خصومة ٍسياسية اعتمادا على قوة السلاح، والحل فى توافق وطنى سريع يتراجع فيه الجميع خطوة إلى الخلف فى سبيل الحفاظ على ما تبقى من عوامل وحدة الصف الليبى وتجنب السقوط المتوقع فى فخ (الدولة الفاشلة)، ومن غير المستساغ ألا تكون مواجهة الإرهاب أولوية عند الجميع حتى ولو اختلفت وجهات النظر.