«على كل المسيحيين فى الموصل اعتناق الإسلام، أو دفع الجزية، أو مغادرة المدينة بحد أقصى الساعة الواحدة من ظهر السبت 19 يوليو، وتسليم كل أموالهم إلى خزانة الخلافة الإسلامية الجديدة، ومن لا يقبل سيواجه حد السيف».
هذا فحوى المنشور الذى أصدره تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام «داعش» قبل أيام، وبدأ بالفعل تطبيقه على الأرض، ومعظم مسيحيى العراق وعددهم 25 ألف نسمة غادروا المدينة العراقية تاركين خلفهم منازلهم وأراضيهم وكنائسهم وذكرياتهم وحياتهم الخاصة.
جريدة الشرق الأوسط المقربة من الحكومة السعودية والتى لا يمكن اتهامها بمعاداة الإسلام نقلت يوم الاحد شهادات مسيحيين غادروا المدينة، أحدهم لسيدة عجوز تقول إنها غادرت المدينة ومعها تحويشة العمر عبارة عن 15 ألف دولار، قام أفراد داعش بالاستيلاء عليها، وآخر يدعى جرجيس أمانوئيل قال إن مسلحى داعش سلبوا منه 20 ألف دولار ولم يتركوا له حتى ما يكفى لإطعام أولاده خلال رحلة الخروج. سيدة ثالثة قالت إنها رجت أعضاء التنظيم أن يتركوا لها مائة دولار فقط للمواصلات فرفضوا.
مسيحى رابع يدعى فادى ويعمل معلما قال إنه لن يترك الموصل مهما حدث. مضيفا: «نحن ميتون إنسانيا، ولم يبق لنا إلا هذه الروح،، ولن أغادر مدينتى التى ولدت وتربيت فيها، لقد نفد منى المال، وأجلس هنا فى انتظار أن يأتوا ويقتلونى».
تنظيم داعش بعد أن استولى على المدينة قبل حوالى شهر وضع حرف النون على منازل المسيحيين كعلامة ثم قرر أنها صارت من الآن مملوكة للدولة الإسلامية.
لو أن الصهاينة وأعدى أعداء الإسلام بذلوا كل ما لديهم من جهد ومال للإساءة إلى الإسلام، ما أساءوا إليه بمثل الطريقة التى فعلتها داعش.
المسلمون يتعرضون لعدوان كل يوم، من قوى عالمية كثيرة.. هذا صحيح، لكن هل معنى ذلك أن يكون الانتقام من المسيحيين العرب؟!.
أفهم أن يثور المسلمون على البلطجة الإسرائيلية وعدوانها الدائم علينا، وأفهم أن يتوجه أعضاء داعش إلى غزة للدفاع عنها فى وجه العدوان، وليس إلى الموصل لتهجير المسيحيين من ديارهم.
أفهم أيضا أن يغضب المسلمون من أمريكا بسبب غزوها للعراق عام 2003 أو لانحيازها السافر لإسرائيل، وغالبية الطغاة العرب، لكن ما علاقة كل ذلك بالمسيحيين فى العراق؟!.
الذى دمر العراق هو أمريكا وبريطانيا وبعض القوى الطائفية الشيعية وليس كلها، ومعها بعض القيادات السنية والكردية، إضافة إلى الدور الكارثى لإيران.
وبالتالى فالطبيعى أن يكون هناك اصطفاف وطنى عراقى ضد طائفية المالكى، أما ما تفعله داعش فلا يستفيد منه إلا المالكى وإيران، وما تفعله داعش والنصرة فى سوريا، لا يستفيد منه إلا نظام بشار الأسد.
ألم يقرأ هؤلاء «الدواعش» كيف تعامل الرسول الكريم مع المسيحيين بل واليهود وكيف تصرف عمر بن الخطاب مع المسيحيين عندما زار القدس؟».
معذور المواطن الأجنبى غير العربى الذى يربط بين ما تفعله داعش وبين الإسلام، ومهما قلنا له إن هذه التنظيمات لا تمثل الإسلام فلن يصدق، لأننا نحن بدورنا ننظر إلى المسيحية واليهودية بناء على ما يفعله أبناء الديانتين.
لو أن الذين يروجون للتطرف والعنف والأفكار الغربية كل يوم ركزوا ولو قليلا من جهدهم على فضح هذه الأفكار المتطرفة، ما وصلنا إلى هذه النتيجة.
من الواضح للأسف أن الأسوأ لم يأت بعد حتى الآن.