مزاج جديد لعيد الأضحى هنا فى أمريكا هذا العام، إذ وصلت امرأتان مسلمتان للجولة الأخيرة فى انتخابات الكونجرس عن مجلس النواب، والتى ستجرى خلال الأسبوع الأول من شهر نوفمبر القادم. منذ أيام فازت السيدة رشيدة طليب ــ وهى مرشحة أمريكية من أصول فلسطينية ــ ببطاقة الترشح التمهيدية للحزب الديمقراطى فى الدائرة الثالثة عشرة، وهى دائرة شبه مضمون الفوز فيها لأى مرشح ديمقراطى فى ولاية ميتشيجان. وبعد ذلك بأسبوع فازت السيدة إلهان عمر ــ وهى أمريكية من أصول صومالية ــ كذلك بالانتخابات التمهيدية للديمقراطيين للمنافسة على مقعد الدائرة الخامسة فى ولاية مينسوتا، لتصبح بذلك ثانى مسلمة عربية مرشحة لدخول مجلس النواب.
وحال فوز المرشحتين، وهو ما يتوقعه كثيرون من الخبراء الأمريكيين، سيعد هذا حدثا تاريخيا لمجلس النواب ذى الـ435 عضوا، وذلك بانضمام أمريكيتين عربيتين مسلمتين إلى قائمة أعضائه للمرة الأولى. ويعد فوز رشيدة بالمقعد محسوما إذ لم يتقدم الحزب الجمهورى بمرشح للمنافسة فى هذه الدائرة كى لا يفقد بعض الموارد المالية فى دائرة مستحيل فيها فوز مرشح جمهورى، وهكذا قد تفوز رشيدة بالتزكية، وذلك بعد فوزها على عدد من المرشحين من داخل حزبها على هذا المقعد. أما إلهان، فعلى الرغم من وجود منافس جمهورى لها فى مينسوتا، فإن دائرتها التى ترشحت لمقعدها تعد دائرة ديمقراطية بامتياز، ويزيد من حظوظ فوزها أنها تمكنت خلال الانتخابات التمهيدية من التغلب على خمسة منافسين من الديمقراطيين بحصولها على أصوات 48% من الناخبين.
***
وعائلة المرشحتين من اللاجئين، فالأب والأم مهاجران فلسطينيان، ونزحت العائلة للولايات المتحدة قبل ما يقرب من نصف قرن قادمة من الأراضى الفلسطينية، قبل أن تنجب رشيدة هناك قبل 43 عاما فى مدينة ديترويت أكبر مدن ولاية ميشيجان، وهى البنت الكبرى.
أما إلهان عمر، التى جاءت لاجئة مع عائلتها إلى الولايات المتحدة بعد مولدها فى الصومال، فبعد تسع سنوات نزحت عائلتها إلى مخيمات اللاجئين فى كينيا المجاورة بسبب اشتعال الحرب الأهلية فى بلادها، وبعد العيش فى مخيمات اللجوء فى كينيا، انتقلت العائلة إلى الولايات المتحدة عام 1995. وقبل عامين فازت فى الانتخابات المحلية فى ولاية مينسوتا، وأصبحت عضوا فى المجلس التشريعى للولاية. وتبلغ إلهان من العمر 36 عاما، وهى أم لثلاثة أولاد. وحال فوزها ستكون إلهان أول امرأة محجبة تدخل الكونجرس فى التاريخ الأمريكى. وكانت إلهان قد تعرضت لاعتداء بالضرب من قبل أشخاص فى تجمع حزبى عام 2014 بسبب حجابها وبشرتها السمراء، إلا أن ذلك لم يمنحها ــ كما ذكرت فى لقاء صحفى ــ سوى المزيد من الإصرار على الاستمرار فى العمل السياسى.
***
وعلى الرغم من استضافة الرئيس دونالد ترامب أول إفطار رمضانى قبل شهور، وذلك بعدما خلت سنة رئاسته الأولى من أى احتفال بالشهر الكريم. دعا الرئيس الأمريكى فقط أعضاء السلك الدبلوماسى من الدول ذات الأغلبية المسلمة، ولم يدعُ أيًا من زعامات المسلمين الأمريكيين الذين يبلغ عددهم ما يقرب من خمسة ملايين مواطن. وليس سرا أن ترامب أثار توجس الأمريكيين المسلمين بخطابه الذى يستهدف الدين الإسلامى، والذى يمكن نعته فى أحسن الأحوال بأنه يثير حالة الشكوك فى المسلمين، فهو الرئيس الذى طالب بإغلاق بعض المساجد ووضع بعضها الآخر تحت المراقبة، كما تعهد بإصدار بطاقة هوية خاصة بالمسلمين، وناقش إنشاء قاعدة بيانات فيدرالية لتتبع ورصد المسلمين المقيمين فى الولايات المتحدة، وبالطبع، تعهد بمنع المسلمين من دخول البلاد، وهو ما حدث بالفعل مع مواطنى عدد من الدول الإسلامية. ولم يقم ترامب بأى مجهود لتنديد الشكوك حول المسلمين، بل هاجم العقيدة الإسلامية ذاتها وقال فى مقابلة أجريت معه إبان حملته الانتخابية «أظن أن الإسلام يكرهنا»، ثم اتخذ موقفا أكثر اعتدالا داعيا للتفريق بين المسلمين بشكل عام والقلة من «الناس السيئين والخطرين» الذين يعتنقون أيضا الدين الإسلامى كما ذكر، ثم مدح المسلمين بالقول ذات مرة «أحب المسلمين، واعتقد أنهم بشر رائعون».
***
ويرسل وصول المرشحتين لهذه المرحلة المتقدمة وقربهما من الظفر بمقاعد فى مجلس النواب، واحتمال فوزهما بمقاعد فى الكونجرس رسائل رمزية كثيرة أهمها رسالة قوية للرئيس دونالد ترامب. ذلك الرئيس الذى لم يعبر فقط عن معاداته للدين الإسلامى من خلال خطاباته فحسب، بل حظر دخول مسلمى سبع دول ذات أغلبية مسلمة إلى الأراضى الأمريكية. رسالة مفادها أن أمريكا بتنوعها الثقافى والدينى والعرقى واللغوى ثرية بمواطنيها وبالمقيمين فيها بغض النظر عن لون بشرتهم أو عقائدهم. رسالة مفادها أن ترامب راحل بعد عامين، أو بعد ستة أعوام، فى حين سيبقى لأمريكا تنوعها الثرى.
وهكذا دفع وصول دونالد ترامب مسلمى أمريكا لزيادة انخراطهم فى الحياة السياسة ليس كجالية تبرز قضايا الدول التى أتوا منها كمهاجرين فى الأساس، بل كمواطنين أمريكيين لهم كل الحقوق السياسية الدستورية، وعليهم كل المسئوليات كذلك.