علاقات الرياض وواشنطن.. ومستقبل النظام المالي والاقتصادي العالميين - مواقع عالمية - بوابة الشروق
الأحد 15 ديسمبر 2024 5:50 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

علاقات الرياض وواشنطن.. ومستقبل النظام المالي والاقتصادي العالميين

نشر فى : الثلاثاء 24 يناير 2023 - 7:25 م | آخر تحديث : الثلاثاء 24 يناير 2023 - 7:25 م
نشر موقع Eurasia Review مقالا للكاتب عادل رشيد، تحدث فيه بشكل عام عن أسباب الخلاف الواضح بين الرياض وواشنطن حتى قبل قرار السعودية الأخير برفض زيادة إنتاج النفط. تناول الكاتب محاولات بايدن تهدئة الأوضاع، وفشلها فى تغيير موقف ولى العهد السعودى، وتأثير هذه التوترات على تداول النفط بالدولار الأمريكى... نعرض من المقال ما يلى.
بداية، مصطلح البترودولار هو مزيج من كلمتين «البترول» و«الدولار الأمريكى». معظم النفط فى جميع أنحاء العالم يتم تداوله اليوم بالدولار الأمريكى. يعود هذا الأمر إلى اتفاقية عام 1974 بين الولايات المتحدة والسعودية والتى تم التوصل إليها فى أعقاب حرب أكتوبر 1973 والحظر النفطى الذى فرضته دول الخليج. وفى يونيو 1974، وقع وزير الخارجية الأمريكى هنرى كيسنجر وولى عهد السعودية الأمير فهد اتفاقية لإنشاء لجنتين مشتركتين؛ اللجنة الأمريكية السعودية المشتركة للتعاون الاقتصادى، واللجنة الأمنية الأمريكية السعودية المشتركة.
وفقًا لهذه الاتفاقيات، وعدت الحكومة الأمريكية بتقديم المزيد من الابتكارات والمساعدات الاقتصادية والعسكرية للسعودية، وفى المقابل وافقت الرياض على تسعير كامل نفطها بالدولار الأمريكى. وبالتالى، فإن أى دولة تستورد النفط السعودى كانت مطالبة بتبديل عملتها بالدولار الأمريكى قبل إتمام الصفقة. واتبعت دول أوبك الأخرى ما فعلته السعودية.
كان هدف الولايات المتحدة من إنشاء نظام البترودولار هو حماية قيمة الدولار الأمريكى وزيادة الطلب عليه. بدأت الدول فى جميع أنحاء العالم فى شراء الدولار الأمريكى واحتفظت به كاحتياطى لشراء النفط لبلدهم، مما جعل الدولار قويًا وعملة الاحتياط الأولى فى العالم. السلع الأخرى، مثل الذهب والنحاس والمنتجات الزراعية والغاز الطبيعى وما إلى ذلك، يتم تداولها اليوم أيضًا بالدولار الأمريكى. وبداهة، أثار ارتفاع قوة الدولار الأمريكى قلق العديد من قادة العالم والاقتصاديين لفترة طويلة. لكن مؤخرا، بدأ يهتز ربط الدولار الأمريكى بالنفط بسبب منتجى النفط الرئيسيين مثل السعودية وروسيا ودول أخرى فى أوبك بلس. فما الذى حدث؟
• • •
فى مارس 2022، توترت العلاقات بين الولايات المتحدة والدول الأعضاء فى أوبك لدرجة أن قادة السعودية والإمارات رفضا تلقى مكالمات من الرئيس الأمريكى بايدن الذى كان يسعى مع حلفائه لاحتواء الزيادة فى أسعار الطاقة الناجمة عن الغزو الروسى لأوكرانيا.
دفع ذلك رؤساء الدول الغربية لزيارة الرياض، من أجل حثها على الوقوف إلى جانب الولايات المتحدة وأوروبا وزيادة إنتاج النفط لتخفيف ارتفاع أسعاره خلال الحرب الأوكرانية. وهكذا، زار رئيس وزراء المملكة المتحدة آنذاك، بوريس جونسون، الرياض فى مارس العام الماضى. وفى يونيو، زار بايدن السعودية. فى يوليو، دعا الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون ولى العهد الأمير محمد بن سلمان MBS إلى باريس. فى سبتمبر، زار المستشار الألمانى أولاف شولتس السعودية ودولا عربية أخرى. كان موضوع كل هذه الاجتماعات هو إبعاد المملكة العربية السعودية عن نادى (روسيا ــ الصين) وحثها على زيادة إنتاج النفط من أجل اقتصادات أوروبا والولايات المتحدة المتعطشة للطاقة بعد التى ضربها التضخم.
قررت المملكة دعم قرار منظمة أوبك بلس (تضم روسيا)، القرار جاء بخفض إنتاج النفط اليومى بمقدار مليونى برميل يوميًا وبالتالى زيادة سعره. يُنظر إلى القرار السعودى من قبل البيت الأبيض والغرب على أنه خرج بالتنسيق مع روسيا، التى تبيع حاليًا نفطًا خامًا أكثر من السعودية.
حتى عندما طلب بايدن من السعودية تأجيل قرارها لمدة شهر، إلى ما بعد انتخابات التجديد النصفى للولايات المتحدة، لم تلين الحكومة السعودية بقيادة محمد بن سلمان، ودافعت عن خفض إنتاجها بالقول إن جميع قرارات أوبك تستند فقط إلى التوقعات الاقتصادية وليست لها أى دوافع سياسية.
بينما فى الواقع، استثمرت شركة المملكة العربية السعودية القابضة 500 مليون دولار أمريكى فى ثلاث شركات طاقة رئيسية فى روسيا، تقريبًا فى وقت بدء الحرب الروسية الأوكرانية. الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أن السعودية ضاعفت فى عام 2022 وارداتها من النفط الروسى لتلبية متطلباتها المحلية مثل توليد الكهرباء، رغم أنها باعت الكثير من نفطها حول العالم.
أثار هذا السلوك استياء بايدن، الذى وجه تحذيرًا للمملكة من «العواقب» فى أوائل أكتوبر الماضى. وبالمثل، هدد السناتور الديمقراطى بوب مينينديز فى لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكى بوقف بيع الأسلحة للسعودية بينما طالب آخرون فى الحزب الديمقراطى سحب القوات الأمريكية المتبقية البالغ عددها 5000 جندى من العديد من القواعد فى الخليج العربى.
• • •
على الرغم من هذا، تراجعت إدارة بايدن وحاولت تحسين علاقاتها مع الرياض. فولى العهد السعودى محمد بن سلمان، المتهم باغتيال الكاتب الصحفى جمال خاشقجى بقنصلية الرياض فى تركيا، يتمتع بالحصانة ضد أى دعاوى قضائية فى المحاكم الأمريكية. إذ منحت إدارة بايدن ولى العهد بن سلمان الحصانة، مما جعل القاضى الفيدرالى فى واشنطن يرفض دعوى مرفوعة من خطيبة الكاتب الصحفى ضد بن سلمان، وجاء رفضه على مضض متبوعا بهذه الملاحظة: «على الرغم من عدم ارتياح المحكمة، أبلغت الولايات المتحدة المحكمة بأنه (محمد بن سلمان) محصن».
ليس هذا فحسب، بل قامت إدارة بايدن بمنع تمرير تشريع مكافحة الاحتكار، فلو تم تمرير مشروع القانون هذا، كان سيسمح برفع دعاوى ضد محاولات أوبك لخفض إنتاج النفط والذى يؤدى إلى زيادة الأسعار.
قدم الرئيس بايدن عرضًا استرضائيًا آخر لولى العهد. ففى 13 ديسمبر الماضى، استسلم السناتور الديمقراطى بيرنى ساندرز، لمعارضة قوية من الإدارة الأمريكية، وسحب قراره المتعلق بصلاحيات الحرب ــ قانون صلاحيات حرب اليمن ــ الذى كان سينهى دعم الولايات المتحدة للحرب التى تقودها السعودية ضد اليمن.
ومع ذلك، فإن كل هذه المبادرات لم تغير موقف ولى العهد السعودى. إذ مضى بن سلمان فى دعوته إلى الرئيس الصينى شى جين بينج لزيارة السعودية، وهو ما حدث فى 9 ديسمبر الماضى، ووقع البلدان على اتفاقية للشراكة الاستراتيجية الشاملة، بمقتضاها وعدت الصين بمواصلة استيراد كميات كبيرة من النفط من الرياض ودول مجلس التعاون الخليجى وحتى ذكر أن المعاملات النفطية سيتم دفعها جزئيًا على الأقل باليوان. وفى الحقيقة، تحدث شى نفسه عن احتمال وجود بترويوان، (اليوان هو العملة الصينية).
• • •
هناك عدة أسباب وراء الخلاف الواضح بين الولايات المتحدة والسعودية. السبب الأول الواضح هو الاختلاف فى الأنظمة السياسية نفسهاــ فالولايات المتحدة ديمقراطية علمانية، بينما السعودية مملكة وهابية. ولطالما اتهمها الغرب بأنها مصدر الإرهاب الدولى، مما جعلهم يعتبرون، خلال فترة حكم الرئيس السابق جورج دبليو بوش وربما قبلها، أن اعتمادهم على النفط السعودى والخليج مصدر قلق يجب التخلص منه.
مع مرور الوقت، اعتقدت السعودية بشكل متزايد أن واشنطن غير موثوق بها فى الدفاع عنها. فالأخيرة فشلت فى الدفاع عن منشآت النفط المهمة فى المملكة والتى تعرضت لهجوم من طائرات بدون طيار إيرانية فى 2019. كما يلقى بعض الاستراتيجيين السعوديين باللوم على الولايات المتحدة لأنها سمحت للهلال الشيعى بالصعود فى المنطقة، بالإضافة إلى الحروب الأمريكية التى تسببت فى صعود الشيعة فى العراق ولبنان وسوريا واليمن.
السعودية ترى أيضا أن الولايات المتحدة تتجه لآسيا، وتميل إلى إثارة قضايا حقوق الإنسان، وقوانين العمل، والقضايا الدينية والمساواة بين الجنسين. بينما الصين مستعدة للتغاضى عن كل هذه القضايا وحريصة على مساعدة الرياض من خلال التكنولوجيا والاستثمارات والتعاون الدفاعى. تعتقد السعودية أيضًا أنه سيكون لها نفوذ أكبر ضد إيران، إذا كانت الصين بجانبها.
هناك أيضًا ضغينة شخصية بين محمد بن سلمان وبايدن. فأثناء فترة الترشح للرئاسة الأمريكية، وعد بايدن بجعل السعودية دولة «منبوذة» بسبب سجلها السيء فى مجال حقوق الإنسان، وقال إنه سيقطع جميع شحنات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية.
بناء على ما سبق، نتجت أزمة ثقة بين واشنطن والرياض، ونظرًا لأن الدولتين الرئيسيتين المستهلكتين للنفط السعودى ونفط دول مجلس التعاون الخليجى هما الآن الصين والهند، فإن السعودية لا تجد فائدة تذكر من الاستمرار فى تداول النفط بالدولار الأمريكى وليس بعملتها الخاصة أو عملة المستهلكين. مما جعلها تبدى مؤخرًا اهتمامًا بالانضمام إلى مجموعة البريكس، وهى مجموعة تضم أسواق النفط الرئيسية (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، وجنوب أفريقيا) وهدفها بطريقة غير مباشرة منافسة مجموعة السبع التى تمثل 60 بالمائة من الثروة العالمية.
اقترحت وزارة الخارجية الروسية عملة احتياطية جديدة للبريكس، وستكون محاولة السعودية للانضمام إلى المجموعة، باحتياطياتها النفطية، بمثابة تشجيع لتبنى هذا المفهوم. يأتى اقتراح العملة الاحتياطية لدول البريكس كبديل للدولار الأمريكى، مما يثير المخاوف بشأن مستقبل نظام البترودولار.

ترجمة وتحرير: ياسمين عبداللطيف زرد
النص الأصلي

التعليقات