نالت الممثلة السورية المقيمة بمصر ناندا محمد قبل عدة أيام وسام الجمهورية الفرنسية بدرجة «فارس» وتسلمته فى حفل عام أقامته السفارة الفرنسية فى القاهرة يوم الأحد الماضى لتكون أول ممثلة سورية تحصل عليه.
وربما لا يعرف الجمهور المصرى عن ناندا أكثر من كونها قد أدت دور «أم ليث» فى مسلسل «بطلوع الروح» مع المخرجة المبدعة كاملة أبوذكرى، وحظيت باعجاب الكثير من المشاهدين الذين تساءلوا عن أدوارها السابقة وكذلك عن الفرص التى ستحظى بها مستقبلا.
مثل الكثير من نجوم التمثيل تفضل ناندا المسرح وتزدهر على خشبته أكثر من أى وسيط آخر، فهى ابنة المعهد العالى للفنون المسرحية بالشام وتفتخر بذلك لأن الدراسة هناك، ارتبطت بقامات كبيرة من أمثال: سعد الله ونوس وممدوح عدوان وفواز الساجر ومارى الياس وحنان قصاب حسن وغيرهم من أعلام المسرح العربى ومن حسن حظى أن رأيت ناندا على المسرح فى بلادها وكانت تقرأ نصوصا من رواية كتبها الصديق الروائى خالد خليفة وأدركت قدر ما تملكه من موهبة كبيرة.
وبعد أن جاءت إلى القاهرة عقب الانتفاضة السورية، ارتبطت بفرقة مسرحية متميزة هى فرقة «المعبد» وعملت مع مخرجها الفذ أحمد العطار فى خمسة عروض على امتداد عشر سنوات.
وكان آخرها عرض «كل حاجة حلوة» الذى قدمته على مسرح روابط قبل أيام من حمل الوسام الفرنسى.
تحملت ناندا بجرأة مسئولية تقديم عمل ينتمى لفئة «المونودراما»، والجمهور لا يفضل عادة مثل هذه العروض التى تقوم على ممثل واحد وعلى نصوص ذات ابعاد فلسفية متعددة الطبقات وهنا صعوبة المغامرة كيف لممثل وحيد أن يقنع المتفرج بمتابعته طوال زمن العرض.
بالنسبة لناندا كان التحدى مضاعفا لانه جاء بعد نجاح كبير حققته فى أكثر أدوارها التلفزيونية تأثيرا حيث أدت دور مجندة فى لواء الخنساء التابع لجيش الخلافة وكان عنيفا فظا أثار الرعب فى نفوس المشاهدين، بينما فى المسرحية لعبت دورا على النقيض من ذلك تماما، وظهرت فتاة هشة مترددة، نكتشف معها كيف أن أمها تعانى من «الاكتئاب» ولمقاومة ذلك كانت تحاول علاج أمها بمشاركتها فى كتابة قائمة تضم كل شىء مبهج يستحق الحياة، مثل بولة الآيس كريم والقطط اللطيفة والأغانى الراقصة ونور الشمس.
وكانت قائمة الامنيات تتسع وتزيد مع التقدم بالعمر لكن حالة الأم كانت تزداد سوءا وتكرر بلا توقف محاولات الانتحار وعندما تصل البطلة فى سردها لعمر الجامعة نعرف كيف نجحت فى بناء قصة حب وزواج لكنها ترث مع الأمل هواجس الأم وتهدم زواجها قبل أن تدرك حاجتها للعلاج حتى لا تمضى فى نفس المسار.
العرض المسرحى مأخوذ عن نص إنجليزى للكاتب دنكان ماكميلان بالاشتراك مع الممثل جونى دوناهو، وقد تمت ترجمته إلى العديد من اللغات وقدمته شبكة (إتش.بى.أو) التلفزيونية عام 2016 كما قدمته العديد من المسارح فى بريطانيا والولايات المتحدة ويقدم عربيا ضمن مشروع لإيصال رسالته الإنسانية، لكن هذا وحده لا يكفى لنجاح نسخته العربية من دون ممثلة مثل ناندا تستطيع ملء فضاء العرض بأداء حيوى متمكن حيث يخلو هذا الفضاء من أية مؤثرات بصرية أو علامات مساعدة، ويصبح فضاء مجردا تماما.
يدخل المشاهد لا يجد قطع ديكور أو مستويات من الاضاءة وهنا يكون الممثل هو كل شىء وعليه منذ لحظة الدخول إلى صالة العرض اقناع مشاهديه بالحالة التى يرويها وعليه توريطهم معه وهو ما نجحت فيه ناندا بامتياز حيث أسست لعلاقة تفاعلية مع الجمهور قبل العرض وقدمت لهم سطورا من النص ليكونوا شركاء فى بناء قائمة امنياتها وأدواء الأدواء الناقصة ليصبح عرضا تفاعليا متعدد الأصوات يعيد للناس الثقة فى المسرح وفى معنى الممثل والأدوار التى ينبغى أن يلعبها.
وأجمل ما فى حصول ناندا على الوسام هو تأكيد حكومة فرنسا عبر سفيرها بالقاهرة على مسئولية الفنان فى اختيار أدواره والتعبير عما يعانيه شعبه وعن المسئوليات الأخلاقية للفنان فى بناء انحيازاته، أما ناندا فقد قالت:
أن تكون ممثلا مسرحيا اليوم بأى مكان بالعالم وتحديدا بالعالم العربى هو تحدٍ يومى وصعب وحصول شخص مثلى على هذا الوسام اليوم هو تقدير لكل فنان مسرحى سورى قادر على تقديم شغله بالرغم من جميع الصعوبات، كما أن حصولى على الوسام وأنا مقيمة ببلدى الثانى مصر التى احتضنتنى إنسانيا وفنيا هو شىء مؤثر جدا بالنسبة لى ويعوضنى عن الكثير.