نشر مركز كارنيجى للسلام الدولى مقالا تحليليا لأحمد مرسى، باحث غير مقيم فى برنامج الديمقراطية وسيادة القانون فى مؤسسة كارنيجى، يتناول فيه موضوع قانون الانتخابات البرلمانية الجديد فى مصر، الذى أقره الرئيس المصرى المؤقت عدلى منصور فى الخامس من يونيو أى قبل ثلاثة أيام فقط من تنصيب الرئيس المنتخب عبدالفتاح السيسى. أشار الكاتب إلى أنه طال انتظار هذا القانون وسط موجة من التشريعات، التى صدرت فى اللحظة الأخيرة. ينص القانون الجديد على اعتماد نظام انتخابى مختلط، ويزيد عدد ممثلى الشعب من 508 إلى 567، على أن يتم انتخاب 420 منهم (74 فى المئة) على أساس النظام الفردى، و120 نائبا (21 فى المئة) على أساس القوائم المغلقة (أى أن القائمة الفائزة فى دائرة انتخابية معينة تحصد كل المقاعد فى تلك الدائرة)، فى حين يقوم الرئيس بتعيين 27 نائبا (5 فى المئة). يجسد هذا النظام المختلط تحولا كبيرا بالمقارنة مع قانون الانتخابات عام 2011 الذى نص على انتخاب ثلثى المقاعد بواسطة القوائم النسبية والثلث على أساس النظام الفردى، وقد انتقد قادة الأحزاب السياسية المنظومة الجديدة معتبرين أنها تؤدى إلى تمكين الشبكات القديمة، بالاستناد إلى الروابط العائلية وفى مجال الأعمال، على حساب الأحزاب.
•••
يستحدث القانون الجديد حصصا، فى الانتخابات المقبلة فقط، للمجموعات المهمشة وهم المرأة والشباب والأقباط والعمال والفلاحون وذوو الاحتياجات الخاصة والمصريون فى الخارج. ستطبق هذه الحصص على نظام القوائم المغلقة التى تسمح للأحزاب السياسية والمستقلين بالترشح عليها من خلال أربع دوائر انتخابية فقط على مستوى البلاد: يختار الناخبون فى دائرتين قائمة من 15 عضوا، فى حين يختارون فى الدائرتين الأخريين نوابهم من قوائم تتألف من 45 عضوا. تفوز القائمة المغلقة فى حال حصولها على أكثر من 50 فى المائة من الأصوات الصحيحة، وهى نفس الآلية المتبعة فى انتخاب النواب بالنظام الفردى. إذا لم تحصل أى قائمة أو مرشح على الأكثرية فى الجولة الأولى، تنظم جولة ثانية يتنافس فيها المرشحان أو القائمتان اللذان نالا العدد الأكبر من الأصوات.
يستفيد، بالأساس من القانون الجديد، المرشحون على المقاعد الفردية وذلك على حساب الأحزاب السياسية، نظرا لاعتمادهم على علاقاتهم وروابطهم الشخصية، فغالبية المقاعد البرلمانية ستنتخب عن طريق النظام الفردى. كما أن اختيار القوائم المغلقة بدلا من القوائم النسبية يضر بمبدأ التمثيل النسبى وتصويت الشعب. فالقوائم المغلقة تؤدى إلى استحواذ الحزب أو الائتلاف الفائز على جميع المقاعد، هذا مع العلم بأنه يحتاج فقط إلى 50 فى المئة زائد واحد من الأصوات للفوز. وهكذا تصبح الأصوات الـ49 فى المئة الأخرى بدون قيمة، خلافا لنظام اللوائح النسبية الذى طبق فى عام 2011، عندما فازت كل لائحة بعدد من المقاعد يتناسب مع عدد الأصوات التى حصلت عليها.
•••
يقول المدافعون عن القانون أن الأحزاب السياسية ضعيفة، وأن المواطنون يريدون مرشحين يعرفونهم. ويعتبرون أيضا أن هذا النظام يقلل من حظوظ وصول أشخاص معروفين بانتمائهم إلى جماعة الإخوان المسلمين (المحظورة من الترشح للانتخابات، وحزبها السياسى على وشك أن يحل) إلى مجلس النواب. الحجتان واهيتان، فبناء مجتمع ديمقراطى يقتضى مشاركة الجميع من دون استثناء، إلا إذا منع طبقا للمادة الثانية من قانون مباشرة الحقوق السياسية. وإذا كانت الأحزاب السياسية ضعيفة فعلا الآن، فعلى الدولة أن تساعدها على أن تصبح أقوى بدلا من الإبقاء على ضعفها وتفككها. فضلا عن ذلك، من الصعب جدا تعقب أعضاء الدرجتين الثالثة والرابعة فى الإخوان المسلمين، ومنعهم من الترشح لمجلس النواب كمستقلين كما كانوا يفعلون فى ظل نظام مبارك.
•••
لكن بعيدا عن السجال حول قانون الانتخابات النيابية، ثمة تفاصيل خفية إنما أساسية تجعل الانتخابات المقبلة فريدة من نوعها. فلأول مرة، لا ينتمى الرئيس المصرى رسميا لأى حزب سياسى. يعتبر البعض أن لهذا الأمر سمة إيجابية تساهم فى تحقيق الحياد السياسى، إلا أنه يطرح تحديا أيضا. ففى ظل غياب الانتماء الحزبى للرئيس السيسى، تلوح فى الأفق منافسة عقيمة بين المجموعات السياسية، التى تتزاحم لإعلان ولائها للرئيس أملا فى انتزاع مكاسب منه. الأمر الذى من الممكن أن يأتى على حساب أن يقوم مجلس النواب بمسئولياته فى إصدار التشريعات اللازمة ومراقبة السلطة التنفيذية. فمنذ الإطاحة بمحمد مرسى من الرئاسة العام الماضى، سعت مجموعات مختلفة إلى دعم أكبر للسيسى أو الظهور بأنها من «رجاله الموثوق بهم»، بهدف تحسين صورتهم العامة أمام المواطنين.
فى هذا السياق، على سبيل المثال، دعا العديد من الأحزاب والشخصيات العامة البارزة إلى إنشاء تحالفات قوية من أجل الفوز بأغلبية مقاعد البرلمان. من بينهم من أعلن صراحة عن تشكله لدعم الرئيس. يقود عمرو موسى (المرشح السابق للرئاسة، ورئيس لجنة الخمسين التى وضعت دستور 2014)، وهو من المقربين للسيسى، مجهودا يهدف إلى إنشاء تحالف بين العديد من الأحزاب والتيارات السياسية، وذلك على الرغم من تعثره فى البداية. إلا أنه ليس واضحا إذا كانت هذه المحاولة أو غيرها من المساعى المماثلة تحظى بمباركة أو بتأثير من السيسى. كما تجرى بعض الأحزاب اليسارية، على غرار التيار الشعبى المصرى والتحالف الشعبى الاشتراكى، محادثات لتشكيل ائتلاف فيما بينها للمنافسة على مقاعد البرلمان. بيد أن السؤال الأساسى يبقى: هل سيتمكن أى من هذه التحالفات من استقطاب دعم شعبى متنوع يكفيها للفوز بأكثرية من المقاعد أو على الأقل لتشكيل كتلة قوية ومتماسكة فى مجلس النواب.
•••
يرى الكاتب أن الإجراءات الانتخابية ودستوريتها تشكل حالة من عدم اليقين والالتباس للوضع العام. وأشار إلى أن صحيفة «الشروق» المصرية كشفت أن الانتخابات من المحتمل أن تقام بنهاية العام ( خلال نوفمبر وديسمبر)، ويتوقع إصدار عدة مراسيم خلال الأيام المقبلة لبدء العملية. هذا فى الوقت الذى اتخذ فيه الرئيس السيسى الخطوة الأولى بإصدار قرار تشكيل اللجنة العليا للانتخابات، وهى المسئولة عن الإعلان عن مواعيد وإجراءات الانتخابات. إلا أن عنصرا مهما من عناصر العملية الانتخابية وهو إعاده ترسيم الدوائر الانتخابية من المتوقع أن يتم تأجيل الإعلان عنه فى الوقت الحالى. فقد أشار قانون الانتخابات إلى إعادة ترسيم الدوائر الانتخابية دون إعطاء تفاصيل حول كيفية إجراء مثل هذه العملية الشائكة. ففى عام 2013، رفضت المحكمة الدستورية العليا مرتين مشروع قانون الإنتخابات، الذى تقدم به حزب الحرية والعدالة، من دون إعطاء إرشادات حول تقسيم الدوائر أيضا. إلا أنه فى هذه الأثناء تعكف حاليا وزارات التنمية المحلية والعدالة الانتقالية والداخلية على صياغة مشروع الدوائر الانتخابية فى ضوء الحدود الإدارية الجديدة المتوقع الإعلان عنها قريبا.
•••
واختتم الكاتب مقاله موضحا أنه فى نهاية المطاف، من الممكن أن تصيب عملية تقسيم الدوائر بعض التشوهات بسبب التلاعب والمحاباة وهو ما قد يؤدى إلى عدم الدستورية. وتبقى المفارقة الكبرى هى أن عدلى منصور، الذى أصدر قانون الانتخابات التشريعية، عاد إلى منصبه على رأس المحكمة الدستورية العليا، ما يثير مخاوف بشأن احتمال حدوث تضارب فى المصالح. فإذا تقاعد مبكرا أو استشعر الحرج عن رئاسة المحكمة خلال مداولات أى من القوانين التى أقرها كرئيس للجمهورية، من شأنه أن يساهم فى تبديد هذه المخاوف. على سبيل المثال، فقد أعلن أنه لن يترأس المحكمة حين تنظر الاستشكال المقدم ضد قانون التظاهر الذى صدر خلال فترة رئاسته.
شهدت الساحة السياسية المصرية العديد من الأزمات القانونية والسياسية منذ الإطاحة بحسنى مبارك عام 2011. إن البيئة السياسية الحالية لا تسمح بتكافؤ الفرص بين القوى السياسية المتنافسة، فى ظل تدهور بعض حقوق الإنسان الأساسية مثل حرية التجمع والتعبير. وقد ترك قانون الانتخابات النيابية غير المكتمل المجال مفتوحا أمام انطلاق جولة جديدة من الاضطرابات القانونية والسياسية مع اقتراب الانتخابات.
للإطلاع على المقال كاملا برجاء زيارة الموقع التالي
carnegieendowment.org