قبل أربع سنوات، اقتحم بعض المتمردين من أنصار دونالد ترامب مبنى الكابيتول وهددوا نائبه آنذاك، مايك بنس، بحبل مشنقة. لكن تلك كانت أيام الفوضى الجميلة. الآن، نعيش واقعًا مختلفًا، واقعًا حيث فيه أصحاب الثروات.
فى تلك الأيام الجميلة عام 2020، كانت المنصات الرقمية تبدو على الأقل وكأنها تهتم بما يجرى. وظفت شركة تويتر (قبل تحويل اسمها لـX) أكثر من 4 آلاف شخص فى «قسم الثقة والأمان»، مكلفين بإزالة المحتوى الخطير من منصتها ورصد عمليات التأثير الأجنبى، كما حظرت شركة فيسبوك الإعلانات السياسية التى تسعى إلى «نزع الشرعية عن التصويت»، عمل أيضًا العشرات - من مجالات أكاديمية وبحثية- فى وحدات «نزاهة الانتخابات» لتحديد المعلومات المضللة والإبلاغ عنها. رغم ذلك، قطاعات واسعة من الشعب الأمريكى كانت مقتنعة بأن الانتخابات سُرِقَت، وكادت حشود عنيفة أن تنجح فى تنفيذ انقلاب. الآن، أصبحت الولايات المتحدة فى وضع مختلف تمام الاختلاف، بل أسوأ كثيرًا.
• • •
تستمتع كامالا هاريس بأدائها السياسى فى حملتها الانتخابية، وتتنفس أمريكا من جديد (عقب تنحى بايدن وإحياء الأمل مرة أخرى فى إمكانية هزيمة ترامب)، ومع ذلك، يتعين على الولايات المتحدة أن تنظر إلى بريطانيا، إلى مثيرى الشغب فى الشوارع والسيارات المحترقة والعنصرية التى تنتشر كالنار فى الهشيم عبر منصات متعددة، إلى الأكاذيب التى يتم تضخيمها ونشرها بواسطة الخوارزميات قبل ظهور الحقيقة. هناك دلائل تشير إلى أن ناقوس الخطر يدق بقوة. إذ توجد مجموعة جديدة من نقاط الضعف التكنولوجية الخطيرة، وغير الخاضعة للرقابة والتى يمكن استغلالها.
صحيح الشوارع هادئة الآن فى بريطانيا، فقد تم التعامل مع العنف، لكن فى النهاية هذه هى بريطانيا، حيث العنف السياسى المتطرف هو مجرد حمل حجر وإلقاء الكراسى والأخشاب. بينما فى أمريكا، هناك أسلحة آلية ولا يوجد منع أو تقييد لحملها ،بل وتوجد ميليشيات. وبعيدًا عن مدى نجاح كامالا هاريس فى استطلاعات الرأى، فإن أمريكا تواجه لحظة خطيرة جدًا، بصرف النظر عمن سيفوز فى الانتخابات.
بعبارة بديلة، الأمر لم يعد يتعلق بالفوز فحسب، أو حتى بيوم الانتخابات. فكما علّمنا ترامب وعلمنا أيضًا رئيس البرازيل السابق، جايير بولسونارو، فالفترة بأكملها بين النتيجة والتنصيب هى لحظة يمكن أن يحدث فيها أى شىء.
خسر بولسونارو، الذى كان رئيسًا للبرازيل من عام 2019 إلى عام 2022، الانتخابات الرئاسية أمام لولا دا سيلفا، فاز الأخير بفارق ضئيل على بولسونارو فى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التى أجريت فى 30 أكتوبر 2022، ولم يعترف بولسونارو بالهزيمة. كما رفض العديد من أنصاره الاعتراف بالهزيمة، حيث نصب العديد منهم الخيام، أمام ثكنات الجيش، آملين فى التأثير عليه لإقالة الرئيس المنتخب حديثا.
واجه بولسونارو سلسلة من التحقيقات الجنائية، وأخطرها يتعلق بمحاولة الإطاحة بالحكومة الجديدة بعد هزيمته أمام لولا. من جانبه، استخدم إيلون ماسك منصته -X- لانتقاد القاضى المسئول عن العديد من التحقيقات مع بولسونارو. غرد ماسك، قائلًا: «لقد خان هذا القاضى دستور وشعب البرازيل بوقاحة وبشكل متكرر. يجب أن يستقيل أو يتم عزله». على إثر ذلك، نزل آلاف من أنصار بولسونارو المتعصبين إلى الشوارع لدعمه والاحتفال ببطلهم الجديد إيلون ماسك! وأعلنوا رغبتهم فى عودة بولسونارو إلى السلطة.
• • •
أفلت ماسك من العقاب. لكن على الولايات المتحدة أن تكون خائفة من القوة الخارقة التى يتمتع بها، والعواقب المحتملة لها. فى بريطانيا واجه ماسك زعيما منتخبا علنًا (كير ستارمر، زعيم حزب العمال الفائز فى الانتخابات العامة الأخيرة) واستخدم منصته لتقويض سلطته والتحريض على العنف. كانت أعمال الشغب فى بريطانيا بمثابة بالون اختبار لإيلون ماسك. لنتخيل إذا قرر ماسك أن تكون هناك حرب أهلية فى الولايات المتحدة، أو التشكيك فى نتيجة الانتخابات الرئاسية القادمة، أو أن قيمة الديمقراطية مبالغ فيها. هذه ليست تخيلات مستحيلة، نحن على بعد ثلاثة أشهر حرفيًا من هذا اليوم.
فى عام 2020، كانت هناك جهود بمنع انتشار الأخبار الكاذبة، ومع ذلك كانت هزيلة وغير كافية لحجم التهديد، الآن اختفت تمامًا، كما أصبحت الأدوات أكثر خطورة. قبل أسبوعين، أعلنت شركة OpenAI عن العثور على مجموعة إيرانية استخدمت ChatGPT لإدارة حملة للتأثير على الانتخابات الأمريكية. كما أوقفت شركة فيسبوك إحدى أدوات الشفافية المتبقية لديها، وهى CrowdTangle، وتلك أداة كانت حاسمة فى فهم ما كان يحدث على الإنترنت خلال الأيام قبل وبعد تنصيب ترامب. فعلت ذلك لمجرد أنها قادرة على القيام به، رغم توسلات مجموعة من الباحثين والأكاديميين.
كذلك طردت شركة إكس (تويتر سابقًا) ما لا يقل عن نصف فريق «الثقة والسلامة» بسبب ادعاء ماسك بـ«انخفاض كبير» فى الإيرادات. الأمر نفسه حدث مع كل شركة تقنية أخرى، فقد تم تسريح آلاف العمال الذين كانوا يعملون سابقًا فى الكشف عن المعلومات المضللة من قبل شركات ميتا وتيك توك وسناب وديسكورد.
ما يفعله ماسك هو أنه نصب نفسه حاكما للفوضى. هدفه هو الفوضى. وهى قادمة لا محالة.
كارول كادوالادر
صحيفة ذا جارديان
ترجمة: ياسمين عبداللطيف
النص الأصلي:
https://feji.us/sjid1f