(١)
عن غير قصد وقع أمام ناظرى منشور (post) يحكى فيه طبيب شاب على صفحته بموقع الـFacebook عن حالة زارته.. مررت على عباراته بسرعة وقررت الإعراض رغم احتواء حديثه على ما يكدر صفو الخاطر، لكنى تأملت بعض التعليقات التى رافقت الـpost، فأعدت قراءته مليا وصعدت فيه البصر وخفضت، ثم حسمت أمرى.. ليكن فليطالع الناس هذا، ولنفتح نفس الملف الذى لم يغلق أصلا وأجرنا على الله.. ملف إنسانيتنا!
وإليك الـpost بإيجاز وحذف لمواطن الألفاظ غير اللائقة ودون تصرف فى الكلمات العامية ولا تصحيح لأخطاء لغوية: «بعمل سونار لواحدة منتقبة وجوزها الملتحى، المهم لقيت الجنين مفيهوش نبض يعنى إجهاض منسى.. فبقول لها هى وجوزها قدر الله وماشاء فعل، الجنين مفيهوش نبض ولازم ناخد أقراص تفتح عنق الرحم عشان ننزل الجنين.. لقيتها بتزعق وبتقول: إزاى يا دكتور أنا لسه حاسة بحركته دلوقتى.. رديت بس حضرتك أنا اتأكدت بالدوبلر وبعدين أصلا مفيش إحساس بالحركة والجنين ١١ أسبوع... لقيت جوزها بيتنرفز عليا: إزاى يعنى ميت، دى بتقولك حاسة بحركته، انت اكيد بتضحك علينا تلاقيك أنت تبع السيسى وعاوز تسقطها، عايزين تقضوا على نسلنا يا (شتيمة) عايزين تقتلوا عيالنا وهما فى بطن أمهاتهم كمان يا (.....) مهما قتلتونا مش هنخلص يا (.....).. نظرت له فى ذهول مش مستوعب الكلام اللى بيقوله وفضلت متنح مش مصدق كم الكراهية والتخلف والطائفية اللى احنا وصلناها فى مصر». انتهى كلام الطبيب!
(٢)
ما بين فتاة شامتة متهكمة، وأخرى مشفقة متفهمة، وشاب متزلف يجامل الأولى فيسخر معها، وشاب آخر يرثى لحالة الزوجين ويلوم من تشفى فيهما وتهكم على مشاعرهما، وسيدة أعمق نظرا ترثى لهما أكثر وأكثر وتنعتهما بـ( الغلابة) الذين يحسبون أنهم يحسنون صنعا وينصرون شرعا وهم فى الحقيقة ضحايا شهوة الحكم عند (الإخوان) وغيرهم.. تمعن فى تعليقات هؤلاء تتكشف لك فصول المأساة.
الطبيب الذى يتحدث عن الكراهية تناسى أنها متبادلة، شائعة، تتجذر وتتعمق يوما بعد يوم.. والتخلف مشترك أيضا بين من صرحوا وكتبوا وتحدثوا عن (المسيح المخلص) فى صورة السيسى، وبين من رأوا مرسى نبيا مرسلا وملهما مسددا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.. والطائفية موزعة بالتساوى على من احتكر الإسلام لنفسه فكفر من عارضه وفسق من خالفه، وبين من قصر الوطنية والانتماء على أشباهه وموافقيه ورمى بأبشع التهم كل من خالفه الرأى والقناعة.
هذا الرجل وزوجته ممن يرموننى ــ قطعا ــ بالخيانة والعمالة وربما ذهبوا إلى أبعد من ذلك فظنوا بى عداء للإسلام نفسه! وذاك الطبيب ــ فى الأغلب ــ ممن يصنفنى إرهابيا متخلفا رجعيا تاجر دين إلخ.. ولست مع هذا أتخيل ولو للحظة ألا تتحرك مشاعرى تلقائيا لتتعاطف مع هذه السيدة، أو حتى مع هذا الزوج المصدوم، وأميل فى الوقت ذاته ــ وتلقائيا أيضا ــ إلى تفهم ذهول الطبيب الشاب وسخطه رغم اعتراضى على ما انتهى إليه من تصور.
نصف الكوب المملوء يطمئننا على بقية من إنسانية وفطرة سليمة وعقل هادئ فى تعليقات واحد أو اثنين ممن يختلفون أيديولوجيا عن الزوجين وربما عن الطبيب أيضا...لكن نبرة (عش ودعهم يموتموا) أعلى بكثير من كل أصوات الحكمة!