استضاف يوم السبت الماضى منتدى العدل التنموى فى حزب العدل نقاشًا حول حقوق الإنسان تحت عنوان «كرامة لكل إنسان». ورغم أن الحديث، الذى أدارته نورة سمير، بحضور النائب أحمد قناوى وعدد من الخبراء، خاض فى قضايا حقوقية شتى إلا أنه بدأ وانتهى بالتعليم. ولمَ لا؟ هناك من يرى الحق فى التعليم هو الحق المؤسس للتمتع بسائر حقوق الإنسان، السياسية والمدنية من ناحية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية من ناحية أخرى. فى مؤسسة التعليم يُفترض أن يتعلم الطالب منذ نعومة أظافره قيم المشاركة، والعمل الجماعى، واحترام التنوع، فيما يعرف بالتربية المدنية، وتفتح المدرسة أيضًا أمامه آفاقا للمشاركة فى مبادرات النهوض بالبيئة، والعمل الإنسانى، والتطوع. ويؤدى التسرب من التعليم إلى مشكلات اقتصادية واجتماعية جمة تقوض تمتع الشخص بحقوق الإنسان. فالطفل الذى يتسرب من التعليم يواجه مجتمعًا مستغلا، يغتال طفولته فى أعمال خطرة تصل إلى جرائم الاتجار فى البشر. والفتاة التى تتسرب من التعليم تُحرم من حياة أفضل، وعادة ما تدفع للزواج وهى لا تزال قاصرًا، أو تتعرض لأنماط من الاستغلال. والفقير الذى يُحرم من التعليم يظل على فقره، ولا يجد فرصة لتحسين نوعية الحياة التى يعيشها. وهناك نظرية معروفة فى العلوم الاجتماعية هى «تأبيد الفقر»، وتمثل نتيجة مباشرة لزواج الفقراء، حيث يعيشون فى مناطق مهمشة وعشوائية، ولا يجدون فرصًا أفضل فى الحياة، وينجبون أطفالا فقراء، لا يجدون تعليمًا جيدًا أو فرص تعليم من الأصل. يساعد التعليم على كسر حلقة الفقر المفرغة، ويعمل بمثابة سلم اجتماعى يصعد عليه الشخص للانتقال إلى وضع اجتماعى أفضل، مثل أن يخرج من عداد الفقراء إلى الطبقة الوسطى.
إذن هناك تلازم بين التعليم وحقوق الإنسان. ورغم ذلك لا أجد اهتمامًا بالتربية المدنية فى المدارس، حيث ينصب الشغل الشاغل لوزارة التربية والتعليم على المناهج والامتحانات والشهادات، وهو حديث ذو شجون، بات يذهل العقل من كثرة التغييرات التى تجرى فى مجال التعليم نتيجة تغير شخص الوزير. وفى كل مرة يُبشر المجتمع بأن هناك تطويرا يجرى، يمضى عام وراء آخر، وتنتكس التجربة، ونعود إلى المربع رقم واحد. ولا ينقص التعليم فقط التربية المدنية، ولكن ينقصه أيضا الإمكانات المادية، نتيجة زيادة السكان، والحاجة المستمرة إلى بناء مدارس، وفتح فصول جديدة، فضلا عن سد النقص فى اعداد المدرسين، وتوفير دخلا مناسبًا لهم. وفى الحقيقة لست من دعاة الحديث دائما عن تعدد أنظمة التعليم بصورة سلبية، لأن تنوع المسارات التعليمية من مقتضيات التطوير، ولكن ما يشغلنى بالفعل هو الجودة، أى أن تتسم كل أنظمة التعليم بالجودة، ولاسيما التعليم العام الذى يشمل الغالبية العظمى من أبناء المصريين. وإذا كان التعليم الخاص والدولى يمتص جانبا، ولو محدودا من الطلاب، فإن ذلك من المفترض أن يرفع بعضًا من العبء عن التعليم العام، ويوفر له فرص التطوير.
دائما الحديث عن التعليم ذى شجون، ربما لأنه يمس كل أسرة مصرية، بصورة أو بأخرى، أو لأنه عرضة للتجربة والخطأ، ولم نصل بعد إلى تصور واضح حول ما ينبغى أن يكون عليه نظام التعليم فى الوقت الذى ينبغى أن تتسم فيه السياسات العامة بالثبات حتى تنتج آثارها، ويستقر الناس حولها، ويصبح التغيير تدريجيا وذا هدف واضح.
فى مائدة العدل الحوارية نرى المجتمع المدنى يفتح الباب أمام حوارات مهمة فى الشأن العام من خلال الأحزاب السياسية، مثلما تفتح الجمعيات الاهلية آفاقا للحوار، ويمثل كلاهما نافذة مطلوبة بشدة للنقاش فى الشأن العام.