جرح الأرشيف - سيد محمود - بوابة الشروق
الخميس 26 ديسمبر 2024 2:50 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جرح الأرشيف

نشر فى : الثلاثاء 25 فبراير 2020 - 8:25 م | آخر تحديث : الثلاثاء 25 فبراير 2020 - 8:25 م

فى الأسبوع الماضى طلبت منى واحدة من أكبر الفنانات العاملات فى مجال التصميم أن أبحث معها عن صورة لإعلان قديم تريد الاستعانة فى بحث تكتبه وبذلت جهدا فائقا أنا وغيرى ولم نصل إلى نتيجة!
وقبلها بأيام زارتنى روائية صديقة تبحث عن مصادر تعينها فى رواية تكتبها عن قرية أعرفها فى الصعيد وبعد يوم كامل من البحث عثرنا بالكاد على سطرين فى صحيفة قديمة وقالت لى إنها إنسانة محظوظة لأن ما وصلت إليه نتيجة مرضية فى ظل ما نعرفه جميعا عن أوضاع الأرشيف فى مؤسسات حفظ الذاكرة الوطنية سواء كانت دار الكتب والوثائق القومية أو المؤسسات الصحفية القومية التى تعرضت أرشيفاتها لعمليات نهب منظم نقلت دررها من صور أو وثائق إلى بعض الصحف الخليجية.
وقبل ١٥ عاما أو أكثر كنت أعد تحقيقا صحفيا عن الشاعر الكبير صلاح عبدالصبور ولم أجد له صورة فى صحيفة كان من بين أكبر كتابها وتصادف أن زرت بعدها بأيام صحيفة كبرى تصدر فى إحدى دول الخليج، وجلست إلى جوار مدير تحريرها نشرب قهوة فى مكتبه وهو أمامى يقلب فى أرشيف الصور فوجدت أمامه ما يزيد عن ١٠ صور لشاعرنا الكبير خرجت كلها بأختام المؤسسات الصحفية التى نهبت منها وآنذاك لم يكن (الماسح الضوئى) أو (سكانر) قد انتشر لذلك خرجت الأصول ولم يكن لدى من هربها الوقت الكافى لنسخها والاحتفاظ بالأصل داخل الأرشيف خدمة لتاريخنا ويا (دار ما دخلك شر) لكن السارق دائما متعجل يريد أن ينهى عمله بخفة يد وكأنه نشال فى محطة مصر.
الجميع يعرف هذا التاريخ الأسود للنهب المنظم الذى جعل الأرشيفات إما على البلاط أو تخضع لأنظمة بيروقراطية معقدة تحول بين الباحثين وأوعية حفظ المعلومات وتكفى زيارة واحدة لدار الكتب لتفهم لماذا يرفع أغلب باحثينا من الشباب شعار (توبة من دى النوبة) رغبة فى تجنب التعامل مع الأضابير ورجالها لأن الحال لا تسر العدو أو الحبيب.
وتتراجع تبعا لهذا السبب القيمة العلمية لأغلب الرسائل الجامعية التى تقتضى موضوعاتها الاستعانة بوثائق وأرشيفات تخضع لفهرسة وضبط وتحليل محتوى كما تتراجع السرديات التاريخية التى كان يكتبها المؤرخون من خارج السلك الأكاديمى أمثال طارق البشرى وصلاح عيسى،
وأغلبنا يتابع هذه الأيام القضية المهمة التى فجرها الزميل وائل الإبراشى حول أرشيف الفنان أحمد زكى المهدد بالنهب والضياع وهى قضية تجدد الشعور بما أسميه (جرح الأرشيف) فى حياتنا
ويتجدد هذا الجرح مع تكرار جميع الوقائع المماثلة لأن القوانين لا تزال قاصرة فى تعريف الوثيقة وطرق حفظها من التبديد ولم يعد أحد يسأل فى بلادنا عن مصير قانون الوثائق المعطل منذ سنوات فى مجلس النواب، وفرص صدوره، كما لا يسأل أحد عن الطريقة المثالية لإتاحة الموجود وليس الحجب.
وهذا الأسبوع تجدد عندى جرح الأرشيف وأنا أقرأ الرسائل التى تركها الروائى الغامض وجيه غالى صاحب الرواية الشهيرة (بيرة فى نادى البلياردو) التى نشرتها دار الشروق بترجمة الشاعرة إيمان مرسال وريم الريس، والرسائل الجديدة ترجمها د؛ وائل عشرى وصدرت عن دار المحروسة وبعيدا عما تحتويه من نصوص أدبية فريدة أذهلنى أن جميع الأوراق والرسائل التى كتبها غالى لصديقته ديانا اتهيل تم جمعها وتبويبها وإتاحتها إلكترونيا على موقع جامعة كورنيل الأمريكية يمكن لأى شخص أن يقرأها بضغطة زر.
وأعجبتنى اللعبة حتى أننى أنفقت يوما كاملا أقرأ فى أرشيفات شبيهة تمت إتاحتها لأدباء ومفكرين أجانب فى حين أن جميع جامعاتنا عجزت عن إتاحة أرشيف مفكر له تأثير مثل طه حسين أو نجيب محفوظ وتذكرت أن صديقتى المخرجة هالة القوصى نسخت لى قبل خمسة أعوام صورا من شهادات وخطابات شخصية لتوفيق الحكيم عثرت عليها مع تاجر روبابكيا.