التكنولوجيا ظهرت فى حياتنا لتجعل الحياة أسهل وأكثر أمنا وإمتاعا، وفى عصرنا الحديث ظهر هدف رابع وهو جعل البعض أكثر ثراء كما نرى فى الكثير من المنتجات والخدمات غير المفيدة لكن لها بريق يشد الناس فتدفع نقودا تساهم فى الإضرار بحياتها وزيادة الحسابات البنكية لأصحاب الشركات التى تنتج تلك التكنولوجيات. لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه فهناك تكنولوجيات ظهرت ولم تنجح على الرغم من أنها مفيدة، فى مقالنا اليوم سنحاول البحث فى الأسباب التى تقود إلى إخفاق بعض التكنولوجيات أى لم تنتشر ولم تحقق ربحا.
الفشل نتيجة المنافسة قد يكون من أهم الأسباب، مثلا عندما نزلت شركة مايكروسوفت سوق أجهزة تشغيل الأغنيات الرقمية (mp3 player) سنة 2006 ليبدأ سقوطها سنة 2011 وتختفى تماما سنة 2015، هذا الجهاز اسمه (zune) وكان ذا جودة عالية كما يقول بعض من استخدموه لكنه لم ينجح لأنه ظهر بعد نحو خمس سنوات من ظهور الأيبود من شركة آبل وبعد أن أصبح للأيبود سوق كبيرة لم يكن من السهل منافستها ما لم يكن المنتج الجديد به من التجديدات ما يربح به المنافسة وهو ما لم يكن (zune) يمتلكه، إذا كان هناك منتج ممتاز فلن تستطيع هزيمته إذا وصلت متأخرا بمنتج ممتاز أيضا بل تريد منتجا فوق الممتاز.
الفشل نتيجة الإدارة له أمثلة عديدة، من أهمها الدكتور ويليام شوكلى وهو أحد ثلاثة حصلوا على جائزة نوبل فى الفيزياء لتصميمه الترانزستور، وقد قرر إنشاء شركة فى كاليفورنيا لتصنيع أجهزة إلكترونية تعتمد على هذه القطعة الالكترونية الوليدة والتى يعتبر شوكلى أحد القلائل فى العالم وقتها الذين يملكون سرها، وقد أنشأ شركته فيما سيعرف لاحقا بوادى السيليكون، لكن ما فعله بعد ذلك جعله يدخل علوم الإدارة وكتبها من أوسع أبوابها كأسوأ مدير لشركة. لقد كان يتعامل مع العاملين معه بقسوة شديدة وشك مرضى حتى أنه استخدم معهم أجهزة كشف الكذب مما أدى إلى أن أفضل ثمانية مهندسين عنده تركوا العمل فى يوم واحد وسماهم الخائنين الثمانية، وقد أنشأوا أولا شركة تسمى فيرتشايلد ثم بعد عدة سنوات شركة إنتل. الترانزستور والأجهزة المبنية عليه تعتبر من أروع التكنولوجيات فى عصرنا الحديث، لكنها الإدارة السيئة.
الفشل نتيجة عدم القدرة على التوسع هو سبب مرتبط بالسبب السابق وهو الإدارة، فى مقال ظهر منذ أكثر من عقدين من الزمان فى مجلة (Harvard Business Review) الشهيرة بعنوان «لماذا لا يتوسع رجال الأعمال؟» يقول المؤلف (John Hamm) إن هناك فارقا بين رجل الأعمال وبين التنفيذى وأن الصفات التى تحتاجها لإدارة عدد قليل من الأشخاص تختلف عندما تتعامل مع العشرات أو المئات، بل والآلاف من الأشخاص عندما تتوسع الشركة وأنه فى الغالب الأعم من بدأ الشركة يفشل فى التوسع إلا أمثلة قليلة مثل جيتس وديل وجوبز. يمكننا أن نضيف هنا أن التوسع قد يفشل أيضا بسبب عدم قدرة التكنولوجيا نفسها على التوسع أو عدم قدرة مصممها على تعديلها كى تتوسع، شركة زووم مثلا لم نكن نعرفها قبل مشكلة الكوفيد وكان عدد مستخدميها قليل أما الآن فعدد مستخدميها بالملايين وهذا لا يتأتى إلا إذا تم تعديل برمجياتها حتى تخدم هذا العدد الكبير من المستخدمين.
الفشل نتيجة التسرع معناه أن تمتلك منتجا بتكنولوجيا متقدمة لكن الناس لا تكون مستعدة بعد لاستقباله، أى أن أوانه لم يأتِ بعد، من أمثلة ذلك جهاز أصدرته شركة آبل سنة 1993 يسمى نيوتن، حجمه أكبر قليلا من الآلة الحاسبة وشاشته تعمل باللمس، لكن الناس وقتها لم يعرفوا فيما يستخدمونه خاصة أن الانترنت كانت فى بدايات عهدها، هذا الجهاز فشل سريعا ليظهر جهاز آخر بمميزات شبيهة بعد عدة سنوات وينجح نجاحا باهرا، هذا الجهاز اسمه الأيفون.
هناك أسباب أخرى لم نناقشها فى هذا المقال مثل الفشل نتيجة وضع اجتماعى والفشل نتيجة وضع اقتصادى إلخ. لكن ظهر كتاب جديد فى أمريكا هذا الشهر بعنوان (Invention and Innovation: A Brief History of Hype and Failure) أو «الاختراع والابتكار: تاريخ موجز للضجيج والفشل» للكاتب العالمى ذائع الصيت فاكلاف سميل أستاذ البيئة والطاقة (بجميع أنواعها من بترولية إلى شمسية إلخ) بجامعة مانيتوبا بكندا، والكاتب يقصد بكلمة «الضجيج» فى عنوان الكتاب الوعود الكاذبة أو المبالغ فيها لبعض التكنولوجيات، هذا كتاب شيق وسهل لمن يريد أن يتعمق فى موضوع هذا المقال عن لماذا تفشل التكنولوجيات.