ماذا يقول سامر سليمان عن مصر بعد ٣٠ يونيو؟ - عمرو عادلى - بوابة الشروق
الأربعاء 8 يناير 2025 4:16 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ماذا يقول سامر سليمان عن مصر بعد ٣٠ يونيو؟

نشر فى : الأربعاء 25 سبتمبر 2013 - 8:50 ص | آخر تحديث : الأربعاء 25 سبتمبر 2013 - 8:50 ص

كان فى ٢٠٠٤ عندما جلست فى غرفة بشقة صغيرة بالمنيرة فى اجتماع لمجلس إدارة مجلة البوصلة التى كان ضمن مؤسسيها ومموليها الدكتور سامر سليمان، وكانت هذه هى المرة الأولى التى ألتقيه فيها.

لم أكن أعرف الكثير عنه وقتذاك، كان فارق السن والعلم يجعلنى أتعامل معه بحذر وبكثير من الجدية، كل ما أعرفه عنه تقريبا أنه يسارى وأنه أحد أبطال محاولة، أخفقت حينها، لإنشاء حزب ديمقراطى اجتماعى إبان حكم مبارك. شرع الحاضرون فى الحديث عن العدد القادم لمجلتهم نصف الأكاديمية غير الدورية، وكانت المرة الأولى لى تقريبا التى أسمع فيها نقاشا بين مثقفين يساريين يستندون ويحيلون لقراءات لم أكن أعرف عنها شيئا.

وإذا بسامر سليمان يتحدث عن أزمة نظام مبارك من مدخل الاقتصاد السياسى باعتبارها أزمة تواجه التحول الرأسمالى فى مصر، وأخذ يتناول واحدة تلو الأخرى العوائق التى تحول دون ظهور رأسمالية منتجة وقادرة على المنافسة فى مصر، وعلى رأس هذه العوائق ضعف مؤسسات الدولة وترهل أجهزتها وعجزها عن صياغة وتطبيق قوانين داعمة لهذا التحول، وضعف إمكانياتها المالية نتيجة عدم قدرتها على تحصيل الضرائب من الفئات المالكة والحائزة لرأس المال، وخلص إلى أن نجاح التحول الرأسمالى المتعسر والمتعثر منذ عهد السادات يرتبط ارتباطا جذريا بتعديل العلاقات التى تربط الدولة بالمجتمع فى مصر، وهو ما يرتبط بدوره بتعديل النظام السياسى، وكان هذا هو مدخله لقراءة بداية تفجر الأزمات فى مواجهة نظام مبارك، على النحو الذى قضى عليه فى النهاية، كيما قضى على خلفه الإخوانى.

•••

ثم ما لبث أن صدر لسامر فى ٢٠٠٥ كتابه «الدولة الضعيفة والنظام القوى.. إدارة الأزمة المالية فى عهد مبارك»، ورغم مرور كل هذه السنوات فإن هذا الكتاب يعد المرجع الأهم المتوافر بالعربية للاقتصاد السياسى المصرى فى سنوات حكم مبارك، ولعل أهم ما أتى به الكتاب مما يساعدنا على فهم مصر قبل وبعد ثورة يناير هو نهاية ما يسمى بالدولة الريعية فى مصر، وبداية دولة الضرائب بكل ما يحمله هذا من تداعيات وآثار اقتصادية وسياسية بعيدة المدى وعميقة التأثير.

والمقصود بالدولة الريعية اعتماد الدولة على مصادر دخل تأتى إليها مباشرة من مصادر كبيع الغاز الطبيعى والبترول أو عوائد قناة السويس أو التحويلات من البنك المركزى، وليس على تحصيل الضرائب من أصحاب الدخول والملكيات، وقد كان الريع الخارجى من معونات أجنبية عوائد قناة السويس وصادرات النفط تمثل نحو ٨٠٪ من إيراد الدولة فى السبعينيات، وقد كان لمثل هذا الهيكل المالى بالغ التداعيات على طبيعة النظام السياسى والاقتصادى، فسياسيا دعم الاعتماد على الريع سلطوية النظام الحاكم بأن ضمن له الاستقلالية عن المجتمع، وبالتالى ضاعف من قدرته على الهروب من استحقاقات التحول الديمقراطى، والاستمرار فى القمع، واقتصاديا كان نيل الدولة لمصادر دخلها غير المرتبطة بالقاعدة الأوسع من الاقتصاد حافزا على عدم الاستثمار فى وضع السياسات وإنشاء المؤسسات الكفيلة بتحويل الاقتصاد المصرى كى يكون أكثر تنافسية وقدرة على النمو. باختصار كان الريع الذى هيمن تاريخيا على مالية الدولة فى مصر مصدرا من مصادر الجمود السياسى والاقتصادى، ورافدا داعما للسلطوية.

•••

رصد سامر التناقص المطرد للريع الخارجى هذا منذ التسعينيات نتيجة لأسباب عديدة منها جفاف المعونات الأجنبية، وزيادة السكان، واضطرار الدولة إلى تبنى برامج التحرير الاقتصادى مما قلل من هيمنتها على الاقتصاد، ولذا كان وضع مصر ــ منذ ١٩٨٦ تحديدا وهو العام الذى انهارت فيه أسعار النفط العالمية ــ مأزوما ماليا حتى شارف على إشهار الإفلاس فى ١٩٨٩ لولا حصول مبارك على صفقة إلغاء نصف الديون الحكومية الخارجية مقابل انضمامه للتحالف الدولى لتحرير الكويت.

ورغم هذا فإن عقد التسعينيات كان عقد أزمة مالية مزمنة شهدت انخفاضا مستمرا للإيرادات العامة وثباتا فى الإنفاق العام، ومن ثم الاعتماد على تمويل العجز الذى أخذ فى التزايد من نهاية التسعينيات على الدين الحكومى المحلى المعتمد على التأمينات وعلى الجهاز المصرفى، وهو الخط الذى أوصلنا إلى الدين العام الحالى، بشقيه الخارجى والداخلى، المساوى تقريبا لمائة فى المائة من الناتج المحلى الإجمالى.

كانت الأزمة المالية هذه فى تحليل سامر سليمان مفتاح فهم الكثير من التغيرات على مستوى السياسات والمؤسسات فى مصر، وذلك لإدراك القائمين على الأمر آنذاك الحاجة للتحول من دولة الريع لدولة الضرائب أى زيادة نصيب الدولة من الناتج المحلى الذى يتم جمعه على هيئة ضرائب، ومن هنا أتت الإصلاحات والتغييرات التى وقعت فى آخر سنوات حكم مبارك لرفع كفاءة تحصيل الضرائب، وهو أمر غير ممكن ما لم تهتم الدولة بزيادة قدرة الاقتصاد على النمو جملة، وهو ما يربطنا مرة أخرى بالتحول الرأسمالى المتعسر.

•••

بيد أن تحليل سامر قد رصد صعوبة تحقيق هذه الآمال العريضة فى تغيير الأوضاع سياسيا واقتصاديا فى مصر على يد نظام مبارك، وذلك ببساطة شديدة لأن النظام قمعى بوليسى، وأنه مفتقد للتحالف الاجتماعى أى الشرائح الاجتماعية فى المدينة والريف الداعمة لزيادة الضرائب وإعادة هيكلة الإنفاق وإعادة رسم دور الدولة فى الاقتصاد، ومن هنا كانت الحاجة لاستدعاء السياسة للتحليل الاقتصادى والمالى، فكان تصور سامر يقضى بأن تزايد الاتجاه للاعتماد على الضرائب فى مصر سيضغط ولا شك من أجل التحول الديمقراطى لأنه لا ضرائب بدون تمثيل كما يقول المثل الإنجليزى المشهور، إذ إن هذا يشترط تعريف العلاقة بين الدولة وبين الفئات الحائزة للملكيات ولرأس المال، ولرسم علاقتها كذلك بالطبقات المتوسطة والعمال وفقراء المدينة والريف أى باختصار إعادة رسم علاقة الدولة بالمجتمع، وليس هذا بممكن بدون تحول سياسى ينتهى بإنشاء تحالف ديمقراطى اجتماعى يؤسس لنظام اقتصادى كفء ومنتج من ناحية، ولكنه يحظى بالشرعية والشعبية من ناحية ثانية، وهذه هى المعادلة الصعبة التى فشل فيها مبارك، وفشل فيها الإخوان، وبوتيرة أسرع كثيرا، وسيفشل فيها من يأتى بعدهم إن لم يدرك محركات الاقتصاد السياسى التى تدفع بالتغير السياسى فى مصر.

التعليقات