قبل بضعة أسابيع عادت منطقة هضبة الجولان، مثلها مثل جنوب سوريا حتى حدود الأردن، رسميا، إلى سيطرة نظام بشار الأسد فى دمشق. لكن عمليا، أى شىء هناك لم يعد كما كان سابقا.
صحيح أن المتمردين المسلمين السنة الذين ثاروا على النظام العلوى ــ الشيعى سلموا سلاحهم الثقيل، لكنهم لا يزالون يحتفظون ببنادقهم وبقذائف الآر بى جى. لقد أبقى الأسد هذا السلاح بين أيديهم فى إطار «اتفاقات المصالحة» لأنه فهم هو أيضا أنه إذا نزع سلاح المتمردين بصورة كاملة، فإن قواته والميليشيات الموالية له يمكن أن ترتكب مذبحة فى حق سكان المنطقة. الشرطة الروسية التى يتحرك أفرادها على طريق درعا ــ دمشق تفتح عيونها هى أيضا لمنع حدوث حمام دم.
«اتفاقات المصالحة» هى فعليا اتفاقات استسلام للمتمردين، لكن الأسد ليس مهتما حاليا بتصفية الحسابات. حاليا، هناك مصلحة مشتركة له مع الروس هى إعادة الاستقرار إلى المنطقة بحيث يصبح ممكنا التوصل إلى تسوية سياسية برعاية الكرملين، والبدء بإعادة إعمار سوريا من دمارها.
هذا ما يفهمه أيضا اللاجئون المسلمون السنة الذين هربوا من وسط سوريا ومن جنوبها، وأقاموا على بعد أمتار معدودة من السياج الحدودى والمواقع الإسرائيلية. لقد علموا أن النظام وتنظيمات المتمردين المتخاصمة، الجهادية، لن تجرؤ على قصفهم خوفا من «انزلاق» إلى الأراضى الإسرائيلية يؤدى إلى تعرضهم لنيران قاسية من الجيش الإسرائيلى.
لقد نقلت إسرائيل إلى هؤلاء الغذاء والمواد الإنسانية، وقدمت لهم المساعدة الطبية على الحدود، كما عالجت فى مستشفياتها المرضى والجرحى والأولاد. هذه المساعدات ساعدت جيدا طرفين هما: اللاجئون سكان القرى وأيضا أعضاء نحو 12 تنظيما «معتدلا» ردوا على المساعدة الإسرائيلية بالامتناع من القيام بهجمات إرهابية «خارج السياج» وإبعاد الجهاديين المتطرفين مثل أعضاء جبهة النصرة، ومنعهم من الاحتكاك بالجيش الإسرائيلى.
حاليا، انتهى هذا كله. لقد قررت حكومة إسرائيل، بناء على توصية من الجيش، الاعتراف بالنظام السورى بصفته المسئول عن المنطقة مع كل ما يستتبع ذلك، بشرط ألا يسمح لعناصر «المحور الإيرانى» بالعمل برعايته من داخل مواقعه، وبشرط أن يحترم نصا وروحا اتفاق فصل القوات العائد إلى سنة 1974. وقد فهم النظام فى دمشق ــ إلى حد كبير بمساعدة الجنرالات الروس ــ أن من الأفضل له حاليا الاستجابة لمطالب إسرائيل.
لقد عاد الجيش السورى إلى الانتشار شرقى المنطقة المنزوعة السلاح بشكل دقيق مثل انتشاره قبل نشوب الحرب الأهلية: انتشرت الفرقة الخامسة فى المنطقة الآمنة مع اللواء 90 (فى شمالى الهضبة) واللواء 112 (جنوبى الهضبة) على الخط المتقدم. حاليا، توجد الميليشيات الإيرانية على مسافة تبعد نحو 40 كيلومترا من المعسكرات حول دمشق، لكن عناصر الاستخبارات من الحرس الثورى ينشطون من على التلال البركانية العالية التى استعاد الجيش السورى السيطرة عليها.
لكن ما يقلق إسرائيل فعلا هو الجهود التى يبذلها حزب الله من أجل تأسيس وجود سرى، لكنه دائم فى هضبة الجولان السورية، فى المنطقة المحاذية لحدود إسرائيل. حاليا، هناك هدف مشترك لقاسم سليمانى قائد فيلق القدس فى الحرس الثورى، ولحسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله اللبنانى يتمثل فى فتح جبهة مستقلة من إرهاب وسلاح منحنى المسار فى هضبة الجولان السورية.
ومن المفترض أن تسمح هذه الجبهة لحزب الله وللقوات الإيرانية الأُخرى بالتسلل عبر السياج الحدودى والقيام بهجمات ضد المستوطنات الإسرائيلية فى هضبة الجولان وإطلاق راجمات الصواريخ عليها.
يعلم نصر الله أنه إذا قامت عناصره بذلك من الجنوب اللبنانى، فإن الرد الإسرائيلى سيكون قاسيا ويمكن أن يدمَّر لبنان كله. لذا فهو مهتم بإقامة جبهة أُخرى ضد إسرائيل فى أراض سورية. فى نهاية الأمر نصر الله هو لبنانى ويخاف على اللبنانيين. الإيرانيون يريدون استخدام سوريا باعتبارها ساحة إضافية يستطيعون انطلاقا منها إطلاق صواريخهم الثقيلة والدقيقة واجتياح أراضى إسرائيل فى حال نشوب حرب، أو عندما تحاول إسرائيل ضرب مشروعهم النووى العسكرى. جبهة إضافية ضد إسرائيل فى سوريا ستجبر الجيش الإسرائيلى على تقسيم قواته وجهوده، على الأقل فى بداية القتال، وستسمح للإيرانيين بإبعاد صواريخهم الثقيلة إلى شمال سوريا بصورة تجعل من الصعب على سلاح الجو ضربها.
لقد استجاب الروس لمطالبة إسرائيل بإبعاد الميليشيات الشيعية وعناصر الحرس الثورى إلى مسافة تبعد 85 كيلومترا شرقى هضبة الجولان. وهم لم يفعلوا ذلك حبا فى صهيون، لكن لأنهم يعلمون أن الوضع فى سوريا لن يستقر ويسمح لهم بإنجاز التسوية السياسية طالما أن إسرائيل تعمل بنفسها على إبعاد الإيرانيين والتنظيمات الدائرة فى فلكهم عن الحدود فى هضبة الجولان.
يوجد تعارض فى المصالح الاقتصادية بين إيران وسورية. والكرملين لا يؤيد تلقائيا جهود التمركز الإيرانى فى سورية، لكن الروس لم ينجحوا فى إبعاد الميليشيات الشيعية التى تعمل بإمرة إيران عن منطقة دمشق. فقد طالب النظام السورى بأن تستمر الميليشيات الشيعية فى حمايته وحماية الأماكن المقدسة الشيعية فى منطقة دمشق. واضطر الروس إلى قبول الطلب كما اضطروا إلى التخلى عن محاولاتهم الفصل بين حزب الله فى لبنان وبين سورية مع انتهاء الحرب الأهلية.
لكن فى الجيش يشعرون بالقلق، وخصوصا من جهد حزب الله المستمر للتمركز بالقرب من «الخط البنفسجى» أى السياج الحدودى مع إسرائيل. هذا الجهد هو سرى لكنه حازم، ويجرى بمساعدة أطراف محلية مستعدة للتعاون مع التنظيم اللبنانى. جزء منها فى مقابل المال، وجزء آخر لأنه يؤيد النظام العلوى المسيطر فى سورية، والذى يعمل حزب الله تحت رعايته.
حزب الله ليس مستعجلا. هو يريد إقامة جبهة سوريا من دون أن تزعجه إسرائيل لذا فهو يتصرف بسرية وببطء، وهو ما سيسمح له بعد نصف سنة أو سنة بالبدء بوضع عبوات وإطلاق صواريخ مضادة للدبابات على الدوريات الإسرائيلية بالقرب من السياج. يصرون فى الجيش الإسرائيلى على عدم السماح بحدوث ذلك، وإذا احتاج الأمر، بالقوة. ينطوى مثل هذا الوضع على احتمال تصعيد لا يرغب فيه أى طرف من الأطراف حاليا. لكن فى الأيام الأخيرة، مثلا فى قضية إسقاط الطائرة، رأينا أن فى مثل هذه الأوضاع كيف تتجه الأمور إلى الخروج عن السيطرة.
رون بن يشاى
محلل عسكرى
يديعوت أحرونوت
مؤسسة الدراسات الفلسطينية